عاطف صبيح يكتب: يا قافلة المقاومة، لا أهلاً بكم

لأن ثقافتي محدودة لا أعرف هل حدث مثل هذا الهجوم البري مما يُطلَق عليها قافلة الصمود على أي دولة في كتب التاريخ غير هجوم التتار والمغول؟ ولكن أذكر أن مصر شهدت هجومين ومن الحدود الغربية أيضًا، ولكنهما كانا جَوِّيَّيْنِ: الأول هجوم الجراد الأحمر عام 2004، والثاني هجوم المنخفضات والخماسين التي تطلُّ علينا كل فترة. أما هذه القوافل التي لم تحتشد منذ بدء الخليقة، ولا حتى في حروب بلادها بهذه الكثافة وبهذا الشكل المفاجئ فلن تكون عشوائية، ولا حماسية، ولا إنسانية، ولا حتى جهادية.
دعكم من النوايا، فلا تدار الدول بالنوايا، ولا تسمح دولة لذوي النوايا اللذيذة من كل الملل بأن “يدهوسوها” في طريقهم لفك حصار “بشكل رمزي”.
ودعكم من موضوع الإخوان؛ لأن ما يحدث يفوق إمكانياتهم بمراحل شاسعة، فلا تضخموا منهم، خاصة أنهم الآن يحاولون ترقيع “سراويلهم”، وليسوا بتلك القوة التي تُحرِّك هذا السيل البشري العَرِم بعد بروفة سفينة مارلين الشراعية، التي لم تقترب من حدود أي دولة.
وبمناسبة النوايا، كيف يتحرك هذا الحشد دون أخذ موافقة أصحاب الأرض التي سيطؤونها؟! لا تنسوا أن طريق جهنم مفروش بالنوايا الحسنة.
حشد بهذه الهمجية لمناصرة غزة ليس قافلة، وإنما جيش يريد أن يجتاح مصر.
وهذه الصحوة التي استيقظت فجأة بعد عامين من السَّكْرَة، وانطلقت في ساعة الصفر مع قرارات وتصريحات تهديدية ترامبية، تبعتها إجراءات متسارعة في السفارات والقنصليات والقواعد العسكرية الأمريكية، بالتزامن مع مثلث حلايب وشلاتين الذين تركه البرهان لـ الدعم السريع في الحدود الجنوبية، وووووو، كل هذه الحشود الظاهرة للأعمى على الأصعدة العالمية والعربية والمصرية تؤكد أن قافلة الصمود هي المكمل لإغلاق الدائرة على مصر.
من رأى المشهد من زاوية أحادية فهو أعور، ومن تَخيَّلَ أن الأمور بالقطعة المكانية والزمانية فهو أحمق، ومن تَوهَّمَ أن مصر كوبري مرور فهو إما مُغفَّل وإما متآمر وخائن.
أما عن طبيعة القادمين التي لا خلاف عليها فهي أنهم على أقل توصيف حماسيون هجوميون مدفوعون ومدفوع لهم، ولك أن تتخيل أنهم سيقطعون خريطة مصر من أقصى الغرب إلى أقصى الشرق، في انطلاقهم إلى الشمال، هذا مع فرض أنهم سيدخلون أصلاً، فهل تعتقد أنهم سيسيرون وهم يرسلون القبلات في الهواء لك؟ هم يريدون دخول بيتك بهمجية دون أدنى احترام أو اعتبار لك، فلك أن تتخيَّل ما يمكن أن يُحدِثوه من كوارث عند مرورهم وبعده.
فلو فرضنا جدلاً أنهم مرُّوا في سلام، ووصلوا إلى معبر رفح، ما الذي سيحدث وقتها؟ مؤكد أن أبناء العم سيكونون في انتظارهم لتنفيذ باقي المُخطَّط، حيث يقدمون لهم ولمصر واجب الضيافة؛ لتنفيذ إملاءاتهم بالقوة بعد رفض القيادة السياسية أي إملاءات عليها، وتدور الدوَّامة التي لا يعلم إلا الله متى تنتهي، وعلامَ ستنتهي.
ويبدو أن واضعي الخطط تَهانوا أو تراخوا في قراءة تاريخ مصر على امتداده منذ قبل ميلاد التاريخ، فهناك سطران تكررهم الأحداث بشكل دائم: الأول مصر لم تُهزَم إلا وهي في قمة غرورها بقوتها، والثاني مصر في شدة ضعفها تقوم وتُقيم العالم من حولها.
وبقي أن يسجل التاريخ سطرًا ثالثًا: مصر لا تسكت وتصبر غرورًا بالقوة، ولا تخاذلاً لضعف، ولكن لأنها عندما تتدخل في ساعة الصفر تنهي الفوضى العالمية، وتعيدد الأمور إلى نصابها.
ويبقى السؤال المنطقي: ما الهدف من هذه القافلة المُجيَّشة؟ المساندة الرمزية لغزة؟ سنأخذ بحسن نيتهم، ونقول لهم: الهدف تَحقَّقَ، والعالم كله رآكم بانبهار.. رسالتكم وصلت، فانصرفوا مأجورين لا مرحبًا بكم.