مظهر شاهين يكتب: هل هي قافلة الصمود أم قافلة الخيانة والانهيار؟

في تحليلي الخاص لهذا المشهد، أرى أن ما يُعرف بـ”قافلة الصمود” لم يكن هدفه الحقيقي نُصرة أهلنا في غزة كما زُعِم، بل كان جزءًا من مُخطّط مدروس يستهدف الأمن القومي المصري، ويُمهّد لمرحلة خطيرة من تصفية القضية الفـ.ـلسطينية.
فالقافلة، التي جاءت من خارج مصر، وتحديدًا من دول مثل الجزائر وتونس وتركيا، عبر طريق ليبيا، لم تكن تحمل سـ.ـلاحًا للدفاع عن غَـ.ـزّة، ولا طعامًا لإغاثة أهلها، بل كانت تحمل نوايا خفيّة يُراد بها إحراج الدولة المصرية، ودفعها إلى أحد خيارين كلاهما شديد الخطورة.
المُخطّط يسير على نحو منظّم: اعتصام يُراد له أن يُقام على أرض مصرية، وتحديدًا أمام معبر رفح، تحت شعار فكّ الحصار وفتح المعبر لمرور “إخواننا” من غزة، بدعوى إنقاذهم من المـ.ـجازر. لكن جوهر الأمر هو تنفيذ مُخطّط التـ.ـهجير القـ.ـسريّ، تحت غطاء إنساني وعاطفي.
فإن استجابت الدولة لهذا الاعتصام وفتحت المعبر، يكون المُخطّط قد اكتمل بنجاح، ويبدأ تـ.ـهجير الفـ.ـلسطينيين إلى سيناء تحت راية “النجدة”.
وإن لم تستجب، نكون أمام سيناريوهات أكثر خطورة:
1. إما تفـ.ـريق الاعتصام بقرار سياديّ، بما يُعيد إلى الأذهان مشهد فـ.ـض اعتصام رابـ.ـعة، بكل ما صاحبه من ضغوط دولية ومحاولات لتشويه الدولة.
2. وإما ترك المعتصمين في أماكنهم، وهو ما يفتح الباب أمام احتمالات الاشـ.ـتباك مع الطـ.ـرف الآخر في أي لحظة، ما يعني إدخال مصر في مـ.ـواجهة لا تُريدها، ولا تخدم مصالحها.
وفي كل الأحوال، تكون مصر هي المستهدفة والخاسرة؛ إما بأن تُحمَّل مسؤولية إنسانية زائفة، أو بأن تُستدرَج إلى مـ.ـواجهة ميدانية لا تخدم الأمن القومي، أو بأن تُجبر على فتح باب التـ.ـهجير طواعية، لتتحمل تاريخيًا عبء تصفية القضية الفـ.ـلسطينية.
لذلك، جاء قرار الدولة المصرية حاسمًا بعدم السماح لهؤلاء بالدخول أو إقامة أي اعتصام على الأرض المصرية، إدراكًا منها لكل ما تنطوي عليه هذه التحركات من مخاطر، وما تحمله من سيناريوهات كارثية لا تخدم إلا أجنداتٍ معادية.
فقد كانت الدولة – بقيادتها وأجهزتها – على وعي تام بأن المقصود ليس مجرد “فتح معبر”، بل تمرير مُخطّط تـ.ـهجير مرفوض وطنيًا وتاريخيًا.
ولم تكن الدولة وحدها في هذا الموقف؛ فقد كان الشعب المصري، كالعادة، على قدر المسؤولية، وتعامل مع الأمر بوعي كامل، إدراكًا منه لخبث هذه النوايا، وثقة مطلقة في قيادته وجيشه وأجهزته السيادية. لقد أثبت المصريون مجددًا أنهم شعب لا يُخدع بالشعارات، ولا يُجرّ إلى الفوضى، وأنهم حصن الدولة وسندها.
وفي ضوء هذا التحليل، يتأكد أن الهدف من القافلة لم يكن دعمًا حقيقيًا لغَـ.ـزّة، بل كان المقصود أن تُفتَح الحدود من الداخل المصري تحت غطاء شعبي عاطفي، يتم تصويره باعتصامٍ ضاغط، يجبر الدولة المصرية إما على فتح المعبر وقبول التـ.ـهجير، أو الدخول في صدامٍ داخلي أو خارجي، وفي الحالتين تُدفع مصر إلى الزاوية.
كان المطلوب أن تتحول النوايا العاطفية إلى أداة ضـ.ـغط سياسي مُمنهج، يبدأ من بوابة سيناء، وينتهي عند تصفية قضية بحجم فـ.ـلسطين.
ومع هذا كله، لا بد من التأكيد أن مصر لم تكن يومًا ضد نُصرة أهلنا في غَـ.ـزّة، بل كانت ولا تزال الدولة الأكثر تضحية ودعمًا لقضيتهم، دمًا وسلاحًا وموقفًا، وهي التي فتحت معابرها وميادينها ومستشفياتها بلا منّ ولا ضجيج. وموقف القيادة المصرية – وعلى رأسها الرئيس عبد الفتاح السيسي – في رفض أي شكل من أشكال التـ.ـهجير ليس موقفًا مصريًا فقط، بل هو موقف لصالح القـ.ـضية الفـ.ـلسطينية ذاتها، لأن الحفاظ على الأرض، والهوية، والحق، يبدأ من رفض التصفية، أيًّا كان غطاؤها.
ولا يزايدنّ أحد على مصر في هذا الأمر، فهي دولة ذات سيادة، وهي صاحبة القرار في كل ما يتعلق بأمنها القومي، وبما يخدم القـ.ـضية دون أن يعرّض أرضها أو شعبها أو استقرارها للخطر.
مصر ستظل كبيرة وعظيمة، بقيادتها الحكيمة، وشعبها الواعي، ومؤسساتها القوية.
تحية للقيادة الواعية التي لا تُراوغها الأجندات، وتحية لشعب مصر المُدرك الصامد، الذي يقف دومًا في الصف الوطني، حيث يجب أن يكون.