من ينهي هذه الفوضى؟ | افتتاحية الخليج

من ينهي هذه الفوضى؟ | افتتاحية الخليج

ما كان يُخشى منه حصل، ولطالما حذر العالم من تداعيات خطوة جنونية قد تقدم عليها إسرائيل بضرب إيران.
فجر أمس، شنت أكثر من 200 طائرة حربية إسرائيلية هجوماً على إيران استهدف منشآت نووية، وقيادات عسكرية، شملت قائد الحرس الثوري ورئيس الأركان، إضافة إلى علماء نوويين، الأمر الذي استدعى استنكاراً واسعاً إقليمياً ودولياً، لما يشكله ذلك من تهديد للأمن والسلام في المنطقة والعالم.
دولة الإمارات كانت في مقدمة الدول التي بادرت إلى التنديد بهذا العمل، وأعربت في بيان لوزارة الخارجية عن «قلقها العميق إزاء استمرار التصعيد وتداعياته على الأمن والاستقرار الإقليمي»، وأكدت أهمية «ممارسة أقصى درجات ضبط النفس والحكمة، لتجنب المخاطر وتوسيع رقعة الصراع»، وجددت تأكيد إيمان دولة الإمارات بأن «تعزيز لغة الحوار والالتزام بالقوانين الدولية واحترام سيادة الدول هي الأسس المثلى لحل الأزمات الراهنة»، كما شددت دولة الإمارات على «ضرورة حل الخلافات عبر الوسائل الدبلوماسية بعيداً عن لغة المواجهة والتصعيد»، داعية مجلس الأمن الدولي إلى اتخاذ «الإجراءات العاجلة واللازمة لوقف إطلاق النار، وإرساء الأمن والسلم الدوليين».
من جهتها، دانت السعودية الهجوم الإسرائيلي، وأعربت عن «إدانتها واستنكارها الشديدين للاعتداءات الإسرائيلية على الجمهورية الإسلامية الإيرانية الشقيقة التي تمس سيادتها وأمنها، وتمثل انتهاكاً ومخالفة صريحة للقوانين والأعراف الدولية»، كما صدرت بيانات استنكار مماثلة من العديد من الدول العربية والأجنبية.
من الواضح أن هذا الهجوم كان يستهدف تقويض المفاوضات الجارية بين طهران وواشنطن، إذ كان يفترض عقد جولة جديدة من المفاوضات غداً (الأحد) في مسقط، وهو هدف يبدو أنه تحقق، خصوصاً أن الجانب الأمريكي اعترف بأنه علم مسبقاً بالهجوم الإسرائيلي، من دون أن يعمد إلى وقفه، ما يعني أن الإدارة الأمريكية وافقت ضمناً على هذه الهجوم رغم معرفتها بتداعياته. الأمر الذي انتقده رئيس الكتلة الديمقراطية في لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ، جاك ريد، واصفاً الهجوم بأنه «تصعيد متهور قد يشعل العنف في المنطقة»، وقال إن إسرائيل «تعرض بذلك القوات الأمريكية للخطر».
هذا الهجوم الذي أطلقت عليه إسرائيل «الأسد الصاعد» الذي اعتبره رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو «عملية عسكرية محددة لدحر التهديد الإيراني الذي يهدد إسرائيل»، من الواضح حسب تصريحات القادة الإيرانيين بأنه لن يمر مرور الكرام، وسوف تقوم طهران بالرد عليه، وتوعدت برد «حاسم وموجع»، وبتدفيع إسرائيل «ثمناً باهظاً».
لم تكن التهديدات الإسرائيلية المتواصلة منذ زمن بضرب المنشآت النووية الإيرانية مجرد حرب نفسية كما كان يعتقد البعض، بل هدفاً حقيقياً كانت تسعى إلى تنفيذه في اللحظة المناسبة، وقد أعدت العدة لذلك من خلال مناورات وتدريبات طويلة لسلاح الجو، ومتابعة استخبارية دقيقة للتحركات الإيرانية على صعيد برنامجها النووي واستعداداتها العسكرية، وعندما وجدت أن اللحظة مناسبة، وأن الإدارة الأمريكية سوف تغض الطرف عن القيام بمثل هذا العمل بادرت إلى التنفيذ، رغم أنها حاولت مراراً إقناع الإدارات الأمريكية السابقة القيام بهجوم مشترك وفشلت.
نحن أمام واقع إقليمي ودولي جديد، يسود فيه منطق الجنون والخروج على كل القوانين، وتجاوز سيادة الدول واستباحة الحدود، والإفلات من العقاب، ما يستدعي تحركاً دولياً عاجلاً للعودة إلى الالتزام بالقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة ولغة الحوار، قبل أن يخرج الوضع عن السيطرة.