«المشروع X».. انتصارات الأكشن وتراجع الحبكة

«المشروع X».. انتصارات الأكشن وتراجع الحبكة

مارلين سلوم*

عشاق السينما في مختلف أنحاء العالم يميلون في غالبيتهم (خصوصاً الشباب وهم الفئة الأكثر تردداً على الصالات) نحو أفلام الأكشن، وكلما تطورت التقنيات وتفوقت في مجال الخدع السينمائية، كلما زاد إقبال الجمهور على هذه النوعية من الأعمال، وهو ما يبرر تربع النجم توم كروز على عرش أبطال أفلام الحركة لسنوات، ومازال يحلّق عالياً رغم تجاوزه الستين من العمر، ونحن أيضاً في العالم العربي مازلنا نحلّق عالياً بأحلامنا ونتمنى أن تصل الإمكانات الإنتاجية والإخراجية إلى ما وصلت إليه السينما العالمية لنخرج من إطار أفلام المفرقعات وحصر الأكشن، ضمن إطار المطاردات بالسيارات والركض في الشوارع والقفز من فوق أسطح البيوت في الأحياء الشعبية.

فيلم «المشروع x» يقترب مما نتمناه، سخاء في الإنتاج ينقل العمل إلى مستوى النجاح المضمون، إخراج ذكي يعرف كيف يستغل الإمكانات المتوفرة لتقديم أكشن جيد، أبطال من النخبة المحبوبة، لكن النجاح منقوص طالما القصة «غير مكتملة وغير ناضجة»، وكأنها «بازل» تم تجميعه لتشكيل فيلم.

دائماً نقول إن وجود كريم عبد العزيز أو حتى اسمه يكفي لجذب الجمهور إلى السينما دون التوقف عند أي تفاصيل أخرى تتعلق بالفيلم الذي يشارك فيه أو بالأحرى يقود فريق الممثلين فيه، وهذا ما تؤكده تجربة فيلم «المشروع x» الذي حقق نجاحاً جماهيرياً وضعه في صدارة الإيرادات رغم الدعاية السلبية التي حاول المتربصون نشرها للتأثير فيه قبل انطلاقه وخلال عرضه في الصالات، لم يتراجع الجمهور ولم يلتفت لكلام المتربصين ولم يخسر القائمون على إنتاجه وحقق إيرادات تفوق المأمول.

«المشروع إكس» فيلم لبيتر ميمي إخراجاً وتأليفاً، شاركه في الكتابة أحمد حسني في أولى تجاربه السينمائية، وهو مازال حديث العهد أيضاً في الكتابة التلفزيونية حيث شارك في كتابة «زي القمر» و«ضد الكسر». صحيح أن شراكة كريم عبد العزيز مع بيتر ميمي أثمرت نجاحات مبهرة، «الحشاشين»، «بيت الروبي»، «الاختيار»، وبإمكانهما مواصلة النجاح سوياً في أعمال كثيرة سينمائية وتلفزيونية، لكن من الضروري أيضاً أن تتكلل كل تجربة باكتمال عناصر التأليف والإخراج والتمثيل، ففي «المشروع x» حضر التميز في الإخراج والتمثيل وغاب التأليف، ليقف في منطقة متوسطة بين الحبكة الجيدة والقصة التائهة غير المكتملة وغير المحرضة على التفكير، أو التعاطف مع الأبطال، أو حتى حث الجمهور على القلق والخوف والتعلق بحبال الحكاية لفهم تفاصيلها وتوقع نتائجها.

مطاردات وسفر

الإنتاج الضخم في أفلام الأكشن لا يعني غض النظر عن مضمون القصة، ولا يعني توفير كل الإمكانيات لتصوير كل مشاهد المطاردات وتحمل تكاليف السفر مع فريق العمل والتنقل بين دول مختلفة (مصر وإيطاليا والسلفادور والفاتيكان وتركيا)، بينما النتيجة التي يراها المشاهد أمامه على الشاشة عبارة عن مشاهد مركبة، نلتقط أطراف الحكاية بين الحين والآخر، العنوان العريض هو محاولة الوصول للغرفة السرية في الهرم الكبير، ما يؤكد أن الأهرامات ليست مقابر للفراعنة بل تحتضن أسراراً أخرى، هذا ما حاولت العمل على إثباته شمس (هنا الزاهد) ومعها زوجها يوسف الجمّال (كريم عبد العزيز) قبل أن يتم اغتيالها، من يقف وراء الجريمة؟ من وضع زوجها يوسف في مستشفى للأمراض العقلية 37 يوماً للتأكد من صحته العقلية قبل إصدار الحكم عليه بالبراءة أم بالإدانة والإعدام؟ تم اتهام يوسف بأنه هو من قتل شمس، لأنه الوحيد الذي كان موجوداً بالقرب من مكان عملها كباحثة في الآثار حيث تم تفجير المقر وهي في داخله. ينطلق بيتر ميمي بالأحداث من غرفة يتحدث فيها رجل غامض (ماجد الكدواني) عن الخيانة، معه يوسف الجمّال، ولا نفهم العلاقة بينهما، إلا أنه يبدو من ملامح وجه الكدواني أنه رجل خبيث متمكن يتحكم بلعبة ما، وبحديثه مع يوسف تهديد مبطن حيناً ومباشر حيناً آخر، يقول له «إنت خسّرتني».. «عقوبة الخيانة إنك تفضل تائه في الأرض». هذا الحوار جعله المخرج متقطعاً تتخلله مشاهد ولقطات ليوسف من داخل قطار، يتعارك مع مجموعة رجال يحاولون قتله.

بعد قتل زوجته، بدأ تهديد يوسف بقتل ابنته الوحيدة أمينة، التي تعيش منذ وفاة والدتها مع خالها (تامر نبيل) كارهة لأبيها الذي قتل أمها كما أخبروهم، بعد مشاهد الصراع في القطار، نرى يوسف في المصحة، تحاول الطبيبة النفسية ومديرة المستشفى (صفاء الطوخي) استدراج يوسف لتتأكد من سلامته العقلية. لكن يبدو أن هناك من يدير اللعبة ويتحكم بمصير يوسف، حيث يتم تهريبه من المستشفى ليجد نفسه أمام رجل «شايب» اسمه آسر (إياد نصار) يخبره أنه أخرجه من أجل استكمال عملية البحث عن الغرفة السرية، وأنه يريد ملف «المشروع x»، مشروع شمس، ويوسف الوحيد الذي يعلم كل تفاصيله، تحت تهديدات آسر يوافق الرجل على استكمال رحلة البحث، وينطلق معه في رحلة تستلزم التنقل في شوارع روما والدخول إلى الفاتيكان ثم السلفادور، تنضم إليهما مريم (ياسمين صبري) الزميلة القديمة ليوسف والقادرة على مساعدته في هذه المهمة الصعبة، ثم ينضم إليهم مورو (أحمد غزي) شقيق مريم، الشاب البلطجي المقيم في إيطاليا، ويكتمل الفريق مع انضمام صقر (عصام السقا) إلى المجموعة، طبعاً لكل فرد من هذه «العصابة» دور وقدرات يستخدمها لإنجاح العملية، ومع كل هؤلاء ننطلق في مغامرات ويعلو إيقاع الأكشن بين تفجيرات ومعارك ومطاردات بمختلف وسائل النقل البري والبحري والجوي.

قطع مفككة

بغض النظر عن المبالغات التي ترويها أفلام الأكشن أياً كان مستواها، وعدم اقتناعنا بأي رواية حتى ولو كان بطلها توم كروز في «المهمة المستحيلة»، إلا أن «المشروع x» غرق في «الحركة» على حساب القصة، لذلك تشعر طوال فترة المشاهدة أن هناك جزءاً من القصة لم يكتمل بعد، هناك تفاصيل ضائعة، وكأنها قطع مفككة أسقطها الكاتب وهو في طريقه إلى موقع التصوير، لا تقتنع بالسر المخفي تحت الهرم الكبير، ولا تقتنع بعبقرية يوسف وشمس في اكتشاف لغز عجز عنه علماء العالم لأن الفيلم لا يقدم لك خلفية مقنعة عن حياة هذا الثنائي وأبحاثهما السابقة وما أنجزاه حتى الآن، ثم فجأة يُدخلك في متاهة البحث عن كود ورموز هي الوحيدة التي تستطيع إدخالهم إلى الغرفة السرية، والأرقام موجودة في مكتبة الفاتيكان، ثم يحتاجون إلى الغوص في أعماق المحيط الهادئ لتفجير غواصة ناهيك عن مطاردة عصابات تقوم بعمليات تهريب كبرى في السلفادور، كل ذلك من «خزعبلات» أفلام الأكشن، لكن هذه المبالغات تحتاج على الأقل إلى قصة مترابطة وتفاصيل مهمة تجعلنا نرتبط على الأقل عاطفياً مع الأبطال، بينما بيتر ميمي وأحمد حسني أغفلا هذه النقاط المهمة فوقعا في فخ الاستسهال في الكتابة.

لا غبار على أداء كريم عبد العزيز وإياد نصار، أحمد غزي أصبح نجماً يسرق الكاميرا أينما وضعته وأياً كان دوره، يتحدث الإيطالية بطلاقة ويتحرك بخفة كأنه نصاب إيطالي محترف، أما ياسمين صبري فهي الحسناء المناسبة لأفلام «جيمس بوند»، و«مهمة مستحيلة»، إنما ظلمها بيتر ميمي بحصرها بمشاهد صامتة كثيرة، لم نفهم لماذا أراد لها أن تكون جميلة وتصمت؟ الحوارات تدور بين الرجال وفي حضورها، بينما هي تلتفت وتتفاعل بوجهها دون أن يكون لها كلام، وهذا لا يعيب ياسمين بل يعيب المؤلف والمخرج، كما اعتمد ميمي على وجود ضيوف شرف كثر منهم محمود البزاوي، وماجد الكدواني، وكريم محمود عبد العزيز ومصطفى غريب.

[email protected]