متخصصون في التكنولوجيا | من أبناء الوطن

متخصصون في التكنولوجيا | من أبناء الوطن

للتسول ظواهر وأشكال كثيرة، وللأسف، فإن معظمها مجدٍ، ما دام المتسول يصرّ على الاستجداء، وطلب المال، سواء بشكل مباشر أو عبر توظيف التقنية، التي بات متسولون يحسنون توظيفها بشكل يلبي هدفهم.
التسوّل المباشر، قد يحتاج إلى جرأة وقوة، وتعب في الطرقات والمحال، وغيرها من المواصفات التي يجب أن يتحلى بها طالب الحاجة، وللأسف هم لا يلجأون إلى المؤسسات والجمعيات الخيرية، على كثرتها، لأن أغلبهم زوار أو مخالفون. وقد تكون أحياناً معونات هذه المؤسسات غير مرضية لهم، مقابل ما يجنونه من المارة الذين يشفقون على وقفتهم تحت لهيب الشمس، فتكون المساعدة للموقف وليس للحالة.
أخيراً، أصبح لدى هؤلاء، أدوات جديدة أقل حرجاً وأكثر نفعاً، وهي تشبه إلى حدّ كبير حال «القراصنة» الذين يخترقون الأجهزة والحسابات البنكية، ويستولون على ما فيها، بيد أن الأمر في حال المتسولين أنهم يجيدون استخدام هذه التقنيات في الوصول إلى جيوب المحسنين، ولكن باستئذان وبطريقة مغلّفة مغطاة بالإحسان.
للأسف، كُثر بحاجة إلى المال، وكُثر جداً ممّن يساعدون وعن طيب خاطر، لكن الحديث هنا عن النصابين الذين لم يتركوا باباً إلا طرقوه استسهالاً، واستغلالاً للعامة، وأصبحوا يجيدون استخدام تطبيقات الهواتف الذكية، والمنصّات الإلكترونية وحتى الذكاء الاصطناعي، لإنتاج فيديوهات وأصوات ملفقة بدقة عالية وكُلف محدودة، عبر استعراض حالات مرض وحاجة – تستعطف الكبير والصغير – لدقتها وسوء حال صاحبها، وبدء نشر هذه القصص عبر مواقع التواصل وطلب المساعدة سواء عبر الحساب البنكي أو الحوالات، أو حتى أن يأتي شخص إلى مقر إقامة من ينوي المساعدة لتسلّم المبلغ.
هذا «التسوّل الاحتيالي» الذي يجيد استخدام التكنولوجيا، هو تحدٍّ عصري يواجه الناس، ويلعب على وتر العاطفة لديهم، وبعضهم حين يبدأ بسؤال طالب الحاجة عن بعض التفاصيل، تجد لديه كل ما يوثق حالته، وحاجته، فلا يجد من ينوي المساعدة إلا التعاطف والدفع.
للأسف بعض المحتالين، لديهم فيديوهات حقيقية لحالات معيشية صعبة، وصور ومقاطع فيديو لأطفال يعيشون في أحوال صعبة جداً، ويطلبون إنقاذهم أو تأمين أساسيات الحياة لهم، وهو ما يدفع العامة إلى الاستجابة من دون تفكير.
«التسوّل الإلكتروني»، يتطلب تضافر جهود الجهات الأمنية والمجتمعية، وتكثيف حملات التوعية بمخاطر هذه الظاهرة، وكيفية التمييز بين طلبات المساعدة المشروعة والمشبوهة، علماً بأن القانون يجرّمها كما يجرّم أي فعل مشين.
الأمر مردّه يقظة العامة وعدم الاستجابة إلا بعد التيقن، لأن مساعدة محتاج حقيقي، فيها من الأجر والثواب ما يصعب حصره، ولكن مساعدة محتال، فيها ضياع للمال، والمساعدة في تكاثرهم.