الأمم المتحدة.. في حالة من عدم الوحدة! | مقال افتتاحي في الخليج

لطالما حاولت الأمم المتحدة ككيان سياسي دولي تأسس عام 1945 على أنقاض عصبة الأمم، وفي أعقاب الدمار الذي خلفته الحرب العالمية الثانية، تنفيذ ما ورد في ميثاقها ووكّل إليها بمهمة مركزية واحدة هي، صون السلام والأمن الدوليين، ومنع الصراعات، ومساعدة أطراف النزاع على صنع السلام، من خلال الآليات الدبلوماسية، والوساطة، والمساعي الحميدة، وعمليات حفظ السلام.
لقد نجحت المنظمة الأممية في بعض المهام، لكنها مع الأسف فشلت في مواجهة معظم الأزمات الدولية، ولم تتمكن من منع نشوب بعض الصراعات، أو تنفيذ قرارات أصدرتها تتعلق بالاحتلال وحق تقرير المصير، كما هو الحال بالنسبة للقضية الفلسطينية.
لم تتمكن المنظمة الدولية مثلاً من منع حروب فيتنام والهند الصينية، ولا الحرب الأفغانية، ولا الحرب على العراق، ولا حالت دون الحرب الأوكرانية، ولا الحروب الأهلية في سوريا والعراق والسودان وليبيا، كما أنها فشلت في وضع حد للاعتداءات الإسرائيلية المتواصلة على لبنان وقطاع غزة وحرب الإبادة الحالية التي يتعرّض لها.. وأخيراً الفشل الذريع في الحؤول دون الهجوم الإسرائيلي الأخير على إيران باستهداف منشآتها النووية والعسكرية، والرد الإيراني على ذلك.
لم يواجه العالم مثل هذا العدد الهائل من الأزمات المتفجرة التي تهدد الأمن والسلم العالميين، والتي يبدو أنها مستعصية على الحل، في الوقت الذي تقف فيه المنظومة الدولية مشلولة تماماً وغير قادرة على القيام بالمهام الموكلة إليها، بحيث تحوّلت فعلاً من «أمم متحدة» إلى «أمم غير متحدة».
إن هذا الجمود والعجز، ليس في الواقع سببه الأمم المتحدة كمنظمة دولية، وليس نقصاً في ميثاقها، وإن كانت تحتاج إلى إصلاح هيكلي، لكن الفشل سببه الدول الأعضاء، وخصوصاً الدول الكبرى التي تملك حق النقض (الفيتو)، والتي تعيق تنفيذ الإصلاحات المطلوبة، كي لا تفقد امتياز هذا «الفيتو» الذي يعرقل تنفيذ أي قرار يخدم الأمن والسلم، ما دام يتعارض مع مصالحها.
ليس الأمر في الحقيقة أن الأمم المتحدة لا تفعل شيئاً، فهي تسعى جهدها لتقديم الدعم الإنساني بقدر استطاعتها لملايين اللاجئين والمهجّرين، كما أن وكالاتها المتعددة تقوم بواجبها الإنساني والصحي للتخفيف من معاناة الجياع والمعوزين، لكن المشكلة تكمن في الأساس بمجلس الأمن الذي يفرض قيوداً على سلطة الأمم المتحدة، ويشلّ عملها وقدرتها على التدخل الفعال في الأزمات الكبرى، من خلال تفعيل ميثاقها والأدوات العقابية التي يمكن استخدامها في مواجهة أي خرق لميثاقها، أو أي انتهاك للقانون الدولي الذي يحكم العلاقات بين الدول بهدف تحقيق السلام والعدالة والتعاون الدولي في مجالات مختلفة مثل حقوق الإنسان والتجارة والبيئة، أو أي انتهاك لسيادة الدول، وانتهاك حرمة أراضيها، أو التدخل في شؤونها الداخلية.
نحن أمام معضلة حقيقية تهدّد وجود المنظمة الدولية، لأنها تتحول إلى منظمة لا حول لها ولا قوة، مثلها مثل عصبة الأمم التي واجهت مصيرها المحتوم، بسبب تخلي الدول عنها وإهمال دورها.