استعادة هيبة القانون الدولي | افتتاحية الخليج

يمر العالم بلحظات فارقة تجعل من الأهمية بمكان ضرورة الاحتكام إلى قواعد القانون الدولي، على أن تطبق هذه القواعد على الجميع دون استثناء. فالعالم اليوم يمر بفترة تحولات كبرى على أكثر من صعيد، هذه التحولات ما لم تنضبط بقواعد مستقرة وراسخة فإن من الممكن أن يتسبب عدم الرضا عنها من قبل البعض في توترات يمكن أن تصل إلى حد النزاعات المسلحة، فضلاً عما قد تحدثه من دمار واسع في ظل القدرة التدميرية المتزايدة للأسلحة التقليدية، ويزداد الأمر قتامة إذا ما تم اللجوء إلى الأسلحة غير التقليدية، بما فيها النووية، حتى تلك التي يقال لها تكتيكية.
العام يشهد بالفعل عدداً غير مسبوق من النزاعات المسلحة خلال ثمانية عقود. الكثير من هذه النزاعات مرتبط بخلافات حول السيادة والحدود، وبعضها داخلي. وفي الحالتين فإن التكلفة البشرية عالية جداً، ليس فقط على صعيد القتلى والجرحى، والخراب والدمار الذي تخلفه تلك الصراعات، وإنما على صعيد من تقذف بهم الصراعات نازحين ولاجئين، تعتصرهم الآلام وتفتك بهم الأمراض، وتعز عليهم حتى لقمة العيش أو حبة الدواء.
وعلى الرغم من هذا العدد غير المسبوق من النزاعات، وهذه الويلات، وفي ظل هذه البيئة المترعة بعدم اليقين بخصوص ما يحدث من تفاعلات، هناك تيار جارف نحو زيادات مهولة في النفقات العسكرية، لدرجة أن المطالب باتت في الكثير من الدول المتقدمة تصل إلى مضاعفة نسبة ما ينفق على التسلح أو أكثر. يحدث هذا بينما يئن العالم من قضايا إنسانية أحوج ما تكون إلى قطرة مما يخصص للأغراض العسكرية، وتزداد الأمور قتامة عندما يكون معظم الضحايا في بلاد فقيرة لم يكن لها أي دور في تلك العوامل التي أفرزت تلك التداعيات الإنسانية.
عندما نشأت الأمم المتحدة على أنقاض ويلات الحرب العالمية الثانية كان الهدف واضحاً كما ورد في ديباجة الميثاق، وهو إنقاذ «الأجيال المقبلة من ويلات الحروب»، والإيمان بالحقوق المتساوية للأمم «كبيرها وصغيرها»، مع تبيان للأحوال «التي يمكن في ظلها تحقيق العدالة واحترام الالتزامات الناشئة عن المعاهدات وغيرها من مصادر القانون الدولي». هذه الأهداف النبيلة لم تتغير، ولكن من الواضح أن آليات ضمان تحقيقها لم تكن تعمل بالقدر الكافي لتحقيقها.
العالم اليوم ما أحراه إلى العودة إلى الالتزام بالقواعد الراسخة في القانون الدولي من حيث احترام سيادة الدول ووحدة أراضيها، ومن ثم اللجوء إلى الوسائل السلمية لما قد ينشأ من منازعات، كما تبقى الحاجة ملحة لمعالجة المظالم التاريخية التي ما زالت تتسبب في أنين الكثير من البشر على الرغم من وجود الكثير من القرارات التي تؤكد حقوقهم غير القابلة للتصرف.
إذا كانت المعاهدات الدولية على رأس مصادر القانون الدولي فإن منظمة الأمم المتحدة على رأس المنظمات التي ترعى تطبيق القانون الدولي، وفي القلب منه ميثاقها، فإن هذه المعاهدات وتلك المنظمة ينبغي أن تحترم قواعدها وقراراتها. وما لم يحدث ذلك فإن العالم قد يدفع ثمناً أكثر فداحة مما دفع في حقب تاريخية سابقة عندما ديست المعاهدات وتشظى التنظيم الدولي الرئيسي.