أواخر أيام الفلاسفة

أواخر أيام الفلاسفة

يتحدث سكوت سومز في هذا الكتاب وعنوانه «العالم الذي صنعته الفلسفة من أفلاطون إلى العصر الرقمي»، ترجمة رزان يوسف سلمان، عن الإسهامات التي قدمها الفلاسفة ولا يزالون يقدمونها، لحضارتنا، بالطبع لم يكن الفلاسفة وحدهم، سواء كانوا غربيين أم لا، هم من صنع العالم المتحضر الذي نتمتع به اليوم، لكن آثار جهودهم كانت أكثر عمقاً وأبعد مدى مما نتصوره عادة، إن ما وصلنا إليه من علوم الطبيعة والرياضيات والتكنولوجيا والاجتماع والمؤسسات السياسية والحياة الاقتصادية والتعليم والثقافة والدين وفهمنا لأنفسنا، قد شكلته الفلسفة، ليس هذا بمصادفة إنه يرجع إلى الترابط الأساسي للفلسفة مع كل المعرفة التأسيسية.

تغطي فصول الكتاب الستة الأولى اليونان القديمة والعصور الوسطى وعصر النهضة ومن القرن السادس عشر حتى القرن الثامن عشر، تليها أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، هناك تطورات ملحوظة في كل أشكال تداخلات الفكر الفلسفي مع الفكر الرياضي والعلمي والسياسي والديني، في عقول فردية حيناً وفي عقول متواصلة مع بعضها البعض حيناً آخر.

* رحلة

يرتفع التركيز قليلاً عندما تنقلك الفصول من السابع وصولاً إلى العاشر، في رحلة عميقة إلى القرن العشرين وما بعده، حيث تبحث نشأة النظريات الحديثة للقرار المنطقي والفعل والجهود المبذولة لتعزيز فهمنا للغة وللعقل والسعي الحثيث لاستيعاب ما تخبرنا به الفيزياء الحديثة عن الكون، يقل هنا التركيز على أصول المنافع الملموسة سهلة الإدراك والتي نتمتع بها اليوم (على الرغم من وجود بعضها)، يزداد على دور الفلاسفة الذين يقودون في بعض الأحيان ويدعمون ويكملون أعمال المختصين أحياناً أخرى، في محاولة تنظيم الظواهر الطبيعية التي يصعب تصورها في كل من العلوم الناشئة الحدية والعلوم راسخة الأسس.

يقول المؤلف: «في هذا الكتاب حديث كثير عن تأثير الفلاسفة وأعمالهم في مجالات متوسعة، من الفكر والعمل، بالإضافة إلى تأثير التطورات خارج الفلسفة على الفلسفة ذاتها، لكن ليس كل المنطق الذي ستجده هنا، يتعلق بالفلسفة، فبعضه فلسفة بحد ذاته، من عرض لبعض الأفكار الرائدة للفلاسفة العظام ونقد لهذه الأفكار وتقييمها وتفكير مستقل، في الموضوعات الفلسفية، باختصار بعض ما تقرأه هو المنطق الفلسفي والحجة الفلسفية بنقاء وبساطة، لذا فأنت مدعو ليس لاستذكار صورة لما صنعته الفلسفة حتى الآن فحسب، بل للتفلسف بنفسك قليلاً من خلال التقييم النقدي للمنطق الفلسفي الذي تطالعه».

* منظور

يضم الكتاب ملاحق أحدها بعنوان «الموت النبيل لكل من سقراط وديفيد هيوم» مع الإشارة إلى أن اثنتين من أشهر الوفيات وأكثرها إلهاماً في الفلسفة كلها، توضحان كيف يمكن للمنظور الفلسفي للحياة أن يؤدي إلى موت نبيل، حدث الموت الأول عام 399 قبل الميلاد، عندما حوكم سقراط في أوائل السبعينيات من عمره وأدين وأعدم بتهمة إفساد الشباب والذي قام به، بزعم محاكميه، من خلال التشكيك في العقيدة الدينية والتظاهر بالحكمة التي لم يكن يمتلكها.

وضع صديقه كريتوس خطة لهروبه والذهاب إلى المنفى باستخدام المال الذي يدخره هو وأصدقاؤه، على الرغم من أن الخطة سهلة، إلا أن كريتوس لا يستطيع إقناع سقراط بالتعاون، يحتج سقراط بأن الهروب هو خرق للقانون، الهروب حتى بعد فشل العدالة هو خطأ أخلاقي على المرء ألا يفعل أي أمر خاطئ أخلاقياً، في الواقع يجادل سقراط بأن القيام بذلك يعني إيذاء الروح وهو دائماً أسوأ من التعرض للأذى.

الوفاة الثانية هي وفاة ديفيد هيوم الذي توفي في عام 1776 عن عمر يناهز 65 عاماً، كان زعيماً للتنوير الاسكتلندي وأشهر تجريبي بريطاني وأحد الفلاسفة البريطانيين البارزين في كل العصور وكان أيضاً مؤرخاً مشهوراً لإنجلترا، كانت مساهماته في الميتافيزيقا ونظرية المعرفة وفلسفة العقل مؤثرة للغاية، كما كانت نظريته الطبيعية في التقييم الأخلاقي التي تؤكد على المشاعر تجاه الآخرين في الطبيعة البشرية وتعارض النظريات الأنانية الضيقة ونظريته في العدالة استناداً إلى تجربتنا المفيدة، مع المؤسسات الاجتماعية والاقتصادية المتطورة تاريخياً، ذات بصيرة وتأثير كبيرين وهما معاً يتلاءمان تماماً مع وجهة نظر الأخلاق باعتبارها تبدأ بتفسير بيولوجي للطبيعة البشرية تساعده قواعد عامة رشيدة للمعاملة بالمثل، وتتوسع من خلال تطوير نظم التعاون الاجتماعي المتطورة على نحو متزايد.

يضم الكتاب مقتطفات من رسالة تصف الأيام الأخيرة لهيوم، كتبها صديقه الفيلسوف والاقتصادي آدم سميث، إلى صديق مشترك لهما، على الرغم من أن وفاة هيوم لم تكن بطولية، إلا أن اتزانه الملحوظ كان ملهماً، كان موت رجل، فعل كل ما في وسعه ولم يترك أي عمل من دون القيام به وليس مساهماته العظيمة في التاريخ والفلسفة فحسب، ولكن أيضاً مخصصاته المالية السخية للعائلة والأصدقاء وبعد أن ضمن إرثه للعالم وللقريبين والأعزاء كان بإمكانه أن يغادره بطريقة سعيدة، كما قد يتخيل المرء.

* بهجة لم تهدأ

يحكي آدم سميث أن هيوم خلال مرضه الأخير عند عودته من أدنبرة، على الرغم من أنه وجد نفسه أضعف بكثير، إلا أن بهجته لم تهدأ أبداً واستمر في مؤانسة نفسه، كالعادة بتصحيح أعماله الخاصة، لطبعة جديدة، مع قراءة كتب التسلية ومحادثة أصدقائه، أحياناً في المساء مع لعبته المفضلة في ورق اللعب، كانت بهجته عظيمة جداً، وكانت محادثاته وملاهيه تدور كثيراً في أشخاصه المعتادين الذين لم يصدقوا أنه كان يموت.

كان يتحدث دائماً عن اقتراب موته ببهجة كبيرة، كان ضعيفاً لدرجة أن صحبة أصدقائه المقربين أرهقته، وسرعان ما أضعفه المرض، حتى أنه لم يكن قادراً على النهوض من سريره.