بولندا تتحول.. وأوروبا تتطور أيضاً! | افتتاحية الخليج

لم يكن انتخاب المرشح القومي كارول ناوروتسكي رئيساً لبولندا، لمدة خمس سنوات، في مواجهة رئيس بلدية وارسو الليبرالي رافال تشاسكوفسكي مفاجئاً، طالما أن القارة الأوروبية تشهد تحولات سياسية، وسط حالة من عدم اليقين، إزاء مستقبل القارة، بعدما بدأ التحالف عبر الأطلسي يشهد تغييرات عميقة في العلاقات التي صمدت طوال فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، حيث بدأت أوروبا تبحث عن استقلالها السياسي والأمني، بعيداً عن «المظلة الأمريكية» التي لم تعد مضمونة.
فانتخاب ناوروتسكي جاء في لحظة مصيرية تتجاوز بولندا، باعتبارها تصويتاً على هوية أوروبا السياسية، وتوازن القوى بين الليبراليين والمحافظين.
معروف عن الرئيس المنتخب أنه من مؤيدي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ومن منتقدي حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي، وخلال حملته الانتخابية تحت شعار «بولندا أولاً.. البولنديون أولاً»، استهدف كارول مليون أوكراني يعيشون في بولندا، ويعارض انضمام أوكرانيا إلى حلف الأطلسي والاتحاد الأوروبي، ما يشكل ضربة قوية للحكومة الحالية التي يترأسها دونالد توسك، خصوصاً ما يتعلق بدعم أوكرانيا، والإجهاض وحقوق المثليين، وقد تؤدي سياساته إلى توتر العلاقة مع بروكسل في ما يتعلق بقضايا سيادة القانون.
لذلك يذهب المحللون إلى أن الصدام حتمي بين الرئيس الجديد ورئيس الوزراء، حيث لكل منهما أجندته السياسية، ويتوقع هؤلاء إجراء انتخابات مبكرة، ربما ليس هذا العام، وإنما في مطلع العام المقبل. إذ يمارس الرئيس في بولندا نفوذاً معيناً على السياسة الخارجية والدفاعية، ويتمتع خصوصاً بحق النقض (الفيتو) على المستوى التشريعي، والذي لا يمكن إبطاله إلا بأغلبية ثلاثة أخماس البرلمان، وهو أمر غير متوافر للحكومة الحالية. وكانت قد تمت عرقلة العديد من الإصلاحات التي سعى رئيس الوزراء توسك إلى إقرارها، وذلك بسبب علاقته المتوترة مع الرئيس الحالي أندريه دودا.
حاولت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، تجاوز مواقف الرئيس الجديد من الاتحاد الأوروبي، وهنأته على فوزه، معربة عن «ثقتها» باستمرار «التعاون الجيد للغاية» مع وارسو، وكذلك فعل الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير الذي هنأه، داعياً البلدين إلى «التعاون الوثيق على أساس الديمقراطية، وسيادة القانون»، أما رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان الذي يتشاطر نفس المبادئ والرؤى السياسية مع كارول فقال: «التهاني للرئيس ناوروتسكي على الفوز الرائع في الرئاسة البولندية»، مضيفاً «نتطلع للعمل معكم»، كما دعا الرئيس الأوكراني زيلينسكي الرئيس البولندي الجديد إلى «تعاون مثمر».
يذكر أن بولندا التي يبلغ عدد سكانها 38 مليون نسمة، عضو في الاتحاد الأوروبي وحلف الأطلسي، وتلعب دوراً مهماً في دعم أوكرانيا، إذ تمر عبر أراضيها معظم الأسلحة والمساعدات الغربية المتجهة إلى كييف، الأمر الذي يلقي علامات استفهام عمّا إذا كان بمقدور وارسو لعب هذا الدور مع انتخاب كارول رئيساً.
إن فوز كارول قد يعمق النزعة القومية البولندية، ويشكل تحالفاً قوياً مع ترامب على حدود حلف الأطلسي الشرقية، وربما يضعف الجبهة الأوروبية الموحدة تجاه روسيا.
انتخابات بولندا لم تكن مجرد منافسة على اختيار رئيس، بل هي استفتاء شعبي على هوية البلاد، وعلى مستقبل العلاقات مع الاتحاد الأوروبي، وربما على مستقبل حلف الأطلسي.