إسرائيل: التحديات في المفاوضات بين أمريكا وإيران | ناجي صادق شراب

د. ناجي صادق شرّاب
الفاعل الرئيسي والمؤثر في مسارات وسيناريوهات المفاوضات الأمريكية – الإيرانية، أو الحاضر الغائب فيها هو إسرائيل. وهنا تكمن العقدة المركّبة لهذه المفاوضات، وأساس هذه العقدة الأمنية أو «العقدة الثيوسيديديسية» أن إسرائيل وبحكم عوامل نشأتها بالقوة لا تسمح بوجود دولة قوة أخرى لها في المنطقة، وما يعنيه ذلك من تحولات في بنية القوة وخصوصاً امتلاك القوة النووية التي ستشكل تهديداً مباشراً لها باعتبارها المالكة الوحيدة للقوة النووية في المنطقة، وتقليصاً لنفوذها وانحسارها في إطار حدود جغرافية محدودة.
وعليه تقوم العقدة الإسرائيلية في هذه المفاوضات على فرضيتين: الأولى هل تذهب إسرائيل لضرب إيران منفردة من دون مشاركة الولايات المتحدة؟ وهذا السيناريو وإن كان قائماً ويتفق والعقيدة الأمنية الإسرائيلية بعدم السماح لأي قوة أخرى بالتفوق أو امتلاك القوة النووية، لكن احتمالات نجاحه لن تكون مضمونة، وقد يفتح باب الحرب على كل الاحتمالات ويدفع بالمنطقة كلها نحو الحرب الشاملة، وستكون إسرائيل من أكبر المتضررين والخاسرين. وحتى مع فرضية مشاركة أمريكا وعدم ترك إسرائيل تقوم بالمهمة وحدها، حفاظاً على بقائها، فهذا أيضاً قد يقود لسيناريو الحرب الشاملة الكونية. والفرضية الثانية أن إسرائيل تدرك أن المفاوضات ليست تنازلات من طرف واحد، وأن إيران دولة قوة وتملك أوراقاً تفاوضية كثيرة ولها مطالب تتعلق بمناطق نفوذها في المنطقة، إضافة إلى إصرارها على تخصيب اليورانيوم كحق لها في إطار برنامجها النووي السلمي، وهو ما يعني أن لا مفاوضات ناجحة من دون الاستجابة لبعض هذه المطالب التي ترى فيها إسرائيل تهديداً لها. كما أن تدرك إسرائيل بأن هذه المفاوضات لم تأت في أعقاب حرب هزمت فيها إيران كي تستسلم وتستجيب بالكامل لما يفرض عليها من مطالب تتعلق بقدراتها النووية والتسليحية.
فهي مفاوضات لا بد من التوصل فيها إلى تنازلات متبادلة بين الولايات المتحدة وإيران، لكن هذه التنازلات لن تكون مقبولة لإسرائيل، إذ قد تقبل إيران ببعض المطالب حفاظاً على نظامها، وتفادياً لمواجهة عسكرية كتفكيك جزئي لقدراتها النووية. وحتى الولايات تخشى خيار الحرب الشاملة مع إيران لأنها ستمس مصالحها في المنطقة وتهدد مصالح دول المنطقة الحليفة لها.
ومن ناحية أخرى، قد تكون هذه الحرب في صالح دول أخرى منافسة للولايات المتحدة كالصين وروسيا، ولديها تجربتها في أفغانستان والعراق. وكما أشارت صحيفة «يديعوت أحرونوت» فإن نتنياهو يرغب في شن هجوم جوي على إيران، لكن ذلك لن يحقق نتائج فعلية من دون عملية برية، وهذا أمر مستحيل. وما يدعو نتنياهو للتفكير بذلك هو تراجع وانحسار الوجود الإيراني في سوريا التي أصبحت الآن مجالاً مفتوحاً أمام القوات الإسرائيلية.
وتعتقد إسرائيل أن لا مصلحة لأحد في امتلاك إيران القوة النووية لأن من شأن ذلك أن يغيركل أشكال التحالفات الإقليمية وقد يفتح الباب أمام مزيد من التنافس النووي. وما يشجع إسرائيل على الخيار العسكري ضعف وتراجع دور حزب الله بعد توجيه ضربات مباشرة له، وتراجع قوة حماس والجهاد. ومع ذلك هناك من يرى أن ذلك ليس معناه القيام بالهجوم البري، لأن نتائجه غير مضمونة، فقد يتحول إلى مستنقع يصعب الخروج منه.
إن مثل هذا الهجوم في حال حصوله قد يدفع إيران إلى الانسحاب من وكالة الطاقة الدولية وعدم السماح بتفتيش منشآتها النووية، وربما العمل على إنتاج السلاح النووي.
ويلخص أحد المسؤولين الإسرائيليين أن القرار بيد دونالد ترامب، ولا يمكن لإسرائيل الذهاب لمثل خيار كهذا من دون موافقة ودعم أمريكا. وفي سياق هذه المعضلة، فإن هدف نتنياهو من جعل إسرائيل الحاضر الغائب على طاولة المفاوضات هو السعي لفرض مزيد من التنازلات على إيران. في حين تريد إسرائيل أن ترسل رسالة مفادها أن الخيار العسكري جاهز، وأنه في حسابات الخسارة والربح فإن إيران ستخسر أكبر بكثير من عدم استجابتها للمفاوضات.
عموماً هذه المفاوضات تفرض السيناريوهات التالية: السيناريو الأول قبول إيران واستجابتها لمطالب إسرائيل بتفكيك قدراتها النووية دون اللجوء للخيار العسكري، والسيناريو الثاني فشل المفاوضات من دون التوصل لاتفاق، وهو سيناريو مستبعد لأن الكل فيه خاسر. والسيناريو الثالث، الوصول إلى صيغة اتفاق أمريكي إيراني لا يلبي كل المطالب الإسرائيلية ولا يؤدى إلى تفكيك كامل لقدرات إيران النووية.
ويبقى السيناريو الأول مرفوض، لأنه يعني تحولاً في موازين القوى في المنطقة، والتسليم بإسرائيل كقوة أحادية. وفشل المفاوضات مستبعد لأنه يقود للخيارات البديلة التي تتعارض مع مصالح كل الأطراف. ويبقى أن سيناريو التوصل لحل وسط يحقق لكل طرف ما يريد أو يفسره كما يريد هو الأكثر احتمالاً. ففي النهاية المفاوضات تنازلات متبادلة بين كل الأطراف. وهذا هو حل العقدة الإسرائيلية.
[email protected]