غزو ‘شبكة العنكبوت’ يفاقم قواعد الاشتباك | محمد السعيد إدريس

د. محمد السعيد إدريس
تبددت فجأة أغلب الطموحات التي تولدت عقب الاجتماع الروسي – الأوكراني الذي استضافته تركيا في إسطنبول (الجمعة 16/5/2025)، وكذلك تبددت أغلب التفاؤلات التي أثارتها المحادثة الهاتفية التي جرت بين الرئيسين الأمريكي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين (الاثنين 19/5/2025) التي استمرت لساعتين وتركزت حول الأزمة الأوكرانية.. تحولت التفاؤلات إلى تشاؤم يرى أن الأزمة الأوكرانية مازال أمامها الكثير كي تصل بأطرافها إلى «بر الأمان» الذي لم تتحدد معالمه بعد في ظل ضبابية المواقف والأهداف المعلنة لإنهاء هذه الحرب من جانب كل الأطراف وليس فقط الطرفين المباشرين الروسي والأوكراني، حيث يزداد تورط الأوروبيين يوماً بعد يوم في هذه الحرب، ويزداد غموض حقيقة النوايا والأدوار الأمريكية.. المعلنة منها والخفية.
سبب التدهور الحادث هو ذلك الهجوم غير المسبوق وغير المتوقع الذي شنته مسيرات أوكرانية يوم الأحد الفائت (1/6/2025) أي قبل يوم واحد من موعد انعقاد الاجتماع الثاني الروسي- الأوكراني في إسطنبول يوم الاثنين، على مطارات وقواعد جوية ما أسفر عن أضرار بالغة في سلاح الجو الروسي وفقاً للتقارير الأوكرانية.
وفقاً لهذه التقارير، تسبب ذلك الهجوم الذي أعطته كييف اسم «شبكة العنكبوت» بصدمة كبيرة داخل روسيا لأسباب كثيرة، أولها أنه الهجوم الأوسع عمقاً الذي تقوم به أوكرانيا في العمق الروسي والذي امتد إلى سيبيريا في أقصى الشرق الروسي، وثانياً لأنه أصاب سلاح القاذفات الاستراتيجية الروسية القادرة على حمل رؤوس نووية بخسائر فادحة شملت 4 مطارات عسكرية ودمرت 41 طائرة حربية استراتيجية، وشلت «ثلث قاذفات روسيا الاستراتيجية»، حسب التقديرات الأوكرانية، وثالثاً، وهذا هو الأهم والأخطر بالنسبة لروسيا، هو التكتيك الذي اتبع في شن هذا الهجوم، حيث جرى تنفيذه عبر إدخال عشرات الشاحنات المموهة حاملة مئات الطائرات المسيّرة، وسارت هذه الشاحنات في العمق الروسي آلاف الكيلومترات قبل أن تنطلق تلك المسيّرات نحو أهدافها لتدميرها.
هذا الهجوم، على هذا النحو، من شأنه تغيير قواعد الاشتباك بين أوكرانيا وروسيا نظراً لأن تلك الشاحنات الأوكرانية سارت ما يقرب من 6 آلاف كيلومتر داخل الأراضي الروسية ووصلت إلى مسافات تتراوح بين 30 و115 كيلو متراً من القواعد الجوية الروسية قبل أن تنطلق المسيّرات التي على متنها لتدمير أهدافها، من دون أن تواجه بأي اعتراض أمني روسي، أو أي اعتراض عسكري من مضادات أرضية لتلك الطائرات، ولم تقم الرادارات الروسية بأي دور في اعتراض وإسقاط تلك المسيّرات.
السؤال الذي فرض نفسه سريعاً عقب حدوث هذا الهجوم «الخرافي» هو: كيف ستتعامل روسيا مع المحادثات التي تجريها مع أوكرانيا لإنهاء الحرب باستضافة تركية، وهل مازال هناك مستقبل لمقترح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بنقل تلك الاجتماعات والمحادثات إلى الفاتيكان وبوساطة أمريكية؟ حيث كان الرئيس الأمريكي قد أعلن عقب محادثته الهاتفية الأخيرة مع بوتين (19/5/2025) أن «روسيا وأوكرانيا ستبدآن فوراً مفاوضات للوصول إلى اتفاق لوقف إطلاق النار»، كما أكد أن أمريكا لن تتراجع عن المشاركة في محادثات روسيا وأوكرانيا، وتابع ترامب أنه سيتم التفاوض على شروط إنهاء الحرب.
رغم أهمية هذا السؤال، إلا أنه ليس السؤال الوحيد الذي يشغل القيادة الروسية بسبب هذا الهجوم الأخير.
من بين هذه الأسئلة: كيف حدث كل هذا الإخفاق الروسي الأمني والاستخباراتي والعسكري الذي سمح بوقوع هذا الهجوم؟ وما هي الترتيبات العسكرية الروسية لمعالجة كل تلك الاختلالات في استخباراتها؟ وما هو الدور الأوروبي – الأمريكي في التخطيط وتسيير هذا الهجوم، خاصة ما يتعلق بالمعلومات التي حصلت عليها أوكرانيا من أقمار صناعية صديقة أمريكية وأوروبية للوصول إلى مواقع المطارات والقواعد الجوية في العمق الروسي؟ وكيف سيكون رد الفعل الروسي على هذا كله؟ وكيف ستتعامل روسيا مع احتمال شن أوكرانيا هجمات صاروخية في العمق الروسي مستخدمة صواريخ ألمانية من طراز «نوروس» بعد أن سمحت ألمانيا مؤخراً لأوكرانيا باستخدام هذه الصواريخ ضد مناطق داخل العمق الروسي؟
أما السؤال الأكثر أهمية فهو ذلك الثأر الذي يجب أن تقوم به رداً على هذا الهجوم والكفيل بإعادة التفوق العسكري مجدداً لروسيا في حربها مع أوكرانيا، وإعادة التماسك الداخلي الداعم لخيار الحرب، وهل مازال في مقدور روسيا إعادة فرض قواعد اشتباك تؤمن تفوقها، وهل يمكن تحقيق ذلك من دون إعادة توسيع الحرب، وكيف سيكون حال الوساطة الأمريكية في هذه الحال، هل يتخلى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن وساطته ويقبل بالتورط الأمريكي مجدداً في الحرب ضد روسيا على نحو ما كان يفعل الرئيس السابق جو بايدن؟
أسئلة تكشف عمق الأزمة الروسية بعد هجوم «شبكة العنكبوت».
[email protected]