هدية نقدية في العيد | عبداللطيف الزبيدي

هل انصرف ذهنك إلى ما يُنقد نقداً في الأعياد من جميل عادة العيديّة؟ إذاً تكون قد قنعت من البحر بقطرة، مثلما فعل العالمان العربي والإسلامي، اللذان اكتفيا بابتلال القدمين على الشاطئ، وزهدا في الإقلاع نحو الغوص في الأعماق البعيدة. هنا، يستوجب الأمر النظرة النقديّة لذات الأمة.
أوّل ما يتبادر إلى ضرورة الإدراك، هو غياب المسار التطوّري في النظر إلى المناسبات الدينية، والتحليل العمليّ لمدى تطابق الممارسات، ضمن العادات والتقاليد، مع مستجدّات العصر، من جهة، واستحقاقات البلدان والشعوب، من جهة أخرى. بعبارة أخرى، من غير الجائز أن يكون العالم الإسلامي، بمساحته الجغرافية الأقيانوسيّة، ونفوسه التي تقارب المليارين، في القرن الحادي والعشرين، في حين يظل الإطار الزمني للمناسبات لا يتغيّر عبر القرون.
إذا كان المفهوم الكليّ لعيد الأضحى مكثفاً في التضحية، فهل تتغيّر وتتطوّر شجرة الأفكار المتفرّعة، في عصر المعلوماتية والذكاء الاصطناعي، وفي بيئة أضحت فيها التنمية الشاملة مسؤولية وأمانة إزاء الأوطان؟، تجديد الفكر في هذه القضايا نستمدّه من خير منهل ومَعين، من الحديث الشريف: «أنتم أعلم بشؤون دنياكم»، أو كما قال.
بداهة، إذا تغيّرت ظروف الزمان والمكان، في نطاق المواصلات والاتصالات، وتحوّل الافتراضي إلى واقعي، والذكاء الاصطناعي إلى لاعب حتمي في جميع مجالات الحياة العامة، فإن الحفاظ على المناسبات وما في مضامينها من أسمى القيم والتعاليم، يستوجب مجانستها مع الظروف المستحدثة، ودمجها في النموذج الفكري للحياة اليوم.
الأمل وطيد في أن مئات الملايين من العقول النيّرة، في العالم الإسلامي، وعشرات الملايين من حملة الأمانة والمسؤولية في أمتنا العربية، لا يروقهم أن تقلّ ملاحم البطولات، وتنتشر في كل زقاق وشارع، ملاحم باعة اللحوم. أولئك أسنى وعياً من أن تنحصر البطولات في ملاعب كرات القدم واليد والمضرب، وأن تظل عيون الجماهير المليارية، تتطلع إلى نجوم البطولات العلمية، الاقتصادية، الاختراعية، الإبداعية في كل إبداع بديع.
أما التضحيات العلمية، فأمرها لا يحتاج إلى معجزة وعي عام. يكفي أن تفكّر العقول المهاجرة في روعة الحنين إلى الأوطان والتضحية في سبيل إسعادها بتحقيق التنمية الشاملة. الصين اليوم بلغت القمّة، ومع ذلك تعود إلى حضن التنين، أسراب من الأدمغة النادرة في العلوم، الرياضيات تحديداً، من الولايات المتحدة وأوروبا. لكن على التنميات المتعثرة أن تقلّص المسافات بينها وبين شقيقاتها العربية. لقد أضحت دول متقدمة تتمنى اللحاق بما أبدعته دولة الإمارات من نهضة تكنولوجية فريدة، بذكاء اصطناعي يحار فيه الذكاء البشري.
لزوم ما يلزم: النتيجة العيدية: كل عام وأنتم بخير نهضة تنموية، ووعي تضحويّ في فداء الأوطان.