إبداعات صناعية | عثمان حسن

عثمان حسن
تصاعدت في الآونة الأخيرة دعوات لتجديد الخطاب الثقافي من قبل جمهور المثقفين والمفكرين في العالم، وذلك في ظل الموجة العارمة للتكنولوجيا وتطور وسائل التواصل الاجتماعي وعوالم الرقمنة، ويتشعب مفهوم تجديد الخطاب الثقافي هنا، ليشمل مجموعة كبيرة من العناوين الفرعية التي يرى خبراء الثقافة أن بعضها يشكل نقطة مفصلية في عناصر هذا التجديد، فهم يرون أن الخطاب الثقافي يحتضن مجالات عديدة من أشكال الإبداع تتجاوز الأدب المقروء نحو فضاءات الفن التشكيلي والموسيقى والسينما والمسرح والفنون الأدائية، وهذه كلها تندرج تحت عنوان «الممارسات الثقافية»، بل إن بعضهم يعتقد أن الخطاب يتجاوز هذه الممارسات نحو طرق وكيفيات التفاعل مع هذه الممارسات من قبل المواطنين العاديين، عبر مواقع التواصل الاجتماعي بوصفها باتت اليوم تشكل جزءاً لا يتجزأ من الممارسات الثقافية للشعوب كافة.
ومما لا شك فيه، أن الخطاب الثقافي الجديد، ومن واقع ما شهدته السنوات الأخيرة، قد أصبح اليوم يشكل مظلة لمناقشة العديد من العناوين الفرعية ومنها: الثقافة والإعلام، دور التكنولوجيا في تجديد الثقافة، إدارة العمل الثقافي وتسويق المنتج الثقافي، نحو ما صار يعرف اليوم بمفهوم «الصناعات الإبداعية» وهذا الأخير، بات محوراً أساسياً لدى العاملين في الحقل الثقافي والإبداعي، لأنه يتعلق بتلك الأنشطة المتفرعة عن الإبداع الفردي، وما يتبع ذلك من مهارات ومواهب قادرة على خلق الثروة وفرص العمل، وهنا، صار ثمة دور لمجموعة من المؤسسات المنخرطة في صناعة الإبداع لتشمل كل ما له صلة بالتصميم والموسيقى والنشر والهندسة المعمارية والأفلام والحرف والفنون البصرية وغيرها كألعاب الكمبيوتر والفنون المسرحية.
هذه السعة من المجالات دعت منظمات كبرى معنية بالثقافة والإبداع إلى المشاركة بوضع تعريفات مختلفة للقطاع الإبداعي، ومن ذلك «اليونسكو» التي أضافت في السنوات الأخيرة موضوع «حماية التراث الثقافي» ضمن سجل الصناعات الإبداعية.
أصبحت الصناعات الإبداعية لدى صانعي القرار في كثير من دول العالم ذات أهمية متزايدة للرفاه الاقتصادي، باعتبارها حصيلة النتاج المتراكم للأفراد، الذين أصبحوا قوة محركة للموارد الاقتصادية للدول، وقد شهد القرن الـ 21 ثورة دينامية متصاعدة في توليد المعرفة التي تأثرت بقوة الثورة التكنولوجية، التي تطورت اليوم بفضل القفزة الهائلة للذكاء الاصطناعي وما شهده من تطورات سريعة في السنوات الأخيرة، من خلال تأثيره في مختلف الصناعات، وبفضل ما يمتلكه الذكاء الاصطناعي من قدرة على إحداث ثورة هائلة في مناحي الإبداع المختلفة تدين لتأثيراته على التفكير والإبداع، وذلك لما يوفره من تطبيقات وخوارزميات معقدة لإنتاج أعمال إبداعية أكثر تعقيداً وتنوعاً وفاعلية، أعمال بمستوى جديد، وخيارات لا حصر لها من إنتاج الفنون المحفزة للقدرات والمثيرة للدهشة بكل ما للكلمة من معنى.
[email protected]