خطابات الصراع ومخاطر الانقسام الدولي | افتتاحية الخليج

لا يكاد يمر يوم إلا وتحمل الأخبار جديداً بخصوص دعوات وخطوات على صعيد الاستعدادات الحربية، خاصة بالنسبة للقوى العظمى والكبرى، ومن آخر ما صدر بهذا الخصوص ما صرح به رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر من أن حكومته عازمة على «ترميم جاهزية بريطانيا للحرب». طبعاً هذا الترميم يقتضي نفقات عسكرية إضافية، وإنتاجاً أكثر للسلاح، ومخصصات أضخم للتجهيزات والتدريبات وغيرها من الأمور ذات الصلة.
هذه المسألة لا تقف عند بريطانيا، بل هي موجة في أوروبا خاصة على ضوء المطالبة الأمريكية الصريحة بضرورة القفز بنسبة الإنفاق العسكري لتصل إلى 5% من الناتج المحلي الإجمالي. هذه نسبة عالية جداً ويكفي معرفة أن السقف الذي كان مطلوباً من أعضاء حلف شمال الأطلسي (الناتو) قبل ذلك كان الوصول إلى 2% من الناتج المحلي الإجمالي، الذي تم تحديده في عام 2006، وحتى عام 2014 لم يكن قد حقق المستهدف هذا إلا ثلاث من الدول الأعضاء، وفي عام 2024 وصل العدد إلى 22 عضواً فقط.
هذا التوجه في التحالف عبر الأطلسي يمكن رصد دلالات مشابهة له في التحالفات عبر المحيط الهادئ، وفي الحالين توجد واشنطن. ما يحدث في هاتين المنطقتين من العالم سيكون له تأثيره في باقي المناطق، فضلاً عن تأثيره في تلك الدول التي قيل إن زيادة الاستعداد للحرب جاءت للرد على تصرفاتها، وعلى رأسها روسيا والصين.
إنه سباق التسلح الذي بات يشمل الأسلحة غير التقليدية، خاصة النووية. وهنا لا تخفى المناظرة الكبرى الدائرة بين كل من واشنطن من ناحية وبكين وموسكو من ناحية أخرى بخصوص ترسانات كل منها، ويزداد الأمر خطورةً في ظل تصاعد الخطاب التهديدي بالاستخدام الفعلي لتلك الأسلحة الكفيلة بفناء العالم بأسره، لا سيما في ظل تآكل الأطر القانونية التي كانت تحكم عمليات خفض وضبط التسلح، وفي الوقت نفسه تعثر المفاوضات في الأطر متعددة الأطراف، وعلى رأسها مؤتمر نزع السلاح في الأمم المتحدة.
إذا أضيف إلى كل ذلك إصرار دول امتلكت السلاح النووي خارج نطاق معاهدة منع الانتشار النووي على عدم التخلي عن سلاحها معتبرة أنه بمثابة الضمانة الأولى لأمنها، والرادع لأعدائها، فإن الأمور تزداد تعقيداً، ويصبح العالم يسير نحو معادلات عسكرية أكثر خطورة، ليس فقط في إطار ما ذكر، وإنما في مجالات تسلح الفضاء، وحتى التحول إلى أسلحة تقليدية تعمل بالطاقة النووية، والمثال الأبرز لذلك تحالف «أوكوس»، الذي يمكّن أستراليا من حيازة غواصات تعمل بالطاقة النووية، وهو ما تعده الصين ودول أخرى إطلاقاً لسباق تسلح نوعي، وتذهب إلى أنه مخالف للنظام الدولي لمنع الانتشار النووي، وهذا ما تنفيه كل من أستراليا والولايات المتحدة وبريطانيا شركاء التحالف المذكور.
هذه المؤشرات ستثير الكثير من الإشكاليات الأمنية، خاصة في ظل التناقض في المواقف ما بين السماح في حالات والرفض في حالات مشابهة، والتيسير على دول، وفرض عقوبات على أخرى بحجة ما تقوم به على صعيد التسلح والاستعدادات الحربية.
العالم في أمسّ الحاجة إلى فرملة هذه التوجهات التسليحية والالتفات إلى الأولويات التنموية وتغليب لغة التعاون والتفاهمات على لهجة الصراع والتهديدات.