فلسفات شرقية تروّج لتقدير الجهل

القاهرة- «الخليج»
عندما يواجه الأكاديميون فكرة جديدة لا تتوافق مع تصوراتهم المسبقة، غالباً ما تكون هناك سلسلة من ثلاثة ردود أفعال: أولاً التجاهل، ثم الرفض، وأخيراً الإعلان أنها واضحة، رد الفعل الأولي لفكرة تتحدى وجهة نظر الأكاديمي للعالم هو تجاهلها، افتراض أنها لا تستحق الوقت والتفكير، إذا لم ينجح ذلك، إذا أجبره ضغط المجتمع على مواجهة الفكرة، يأتي الأكاديميون بأسباب لرفضها.
هناك استنتاج مفاده أن الأفكار الواردة في هذا الكتاب بدهية، الكتاب عنوانه «وهم المعرفة.. لماذا نفكر بمفردنا أبداً؟» (ترجمة أحمد م. أحمد) لمؤلفيه ستيفن سلومان– فيليب فيرنباخ، أليس من الواضح أن الأفراد جاهلون بمعنى أنهم لا يعرفون إلا القليل مقارنة بما يمكن معرفته؟ من الواضح أن العالم معقد وهناك الكثير مما يجب معرفته، من المدهش أننا نعتقد أننا نعرف أكثر مما نعرفه.
يوضح الكتاب أن الادعاء بأن الفكر هو امتداد للفعل يكاد يكون غنياً عن القول، والاقتراح بأن التفكير سببي في المقام الأول ليس صادماً تماماً بالنظر إلى مدى اتساع تلك الفئة، حقيقة أننا نعيش في مجتمع المعرفة ليست ثورية في كل مرة تطرح فيها سؤالاً على شخص آخر، أنت تعول على حقيقة أنك تعتم على الآخرين في المعرفة، كل التداعيات والتفاصيل التي ناقشها الكتاب ليست واضحة، لكن الأفكار الرئيسية تتفق مع ما يعتقده معظم الناس بالفعل.
لكن السؤال: لماذا يقدم الكتاب أفكاراً لا يتوقع أن يعتقد الناس بأنها جديدة حقاً؟ لماذا يكتب المؤلفان كتاباً يعلن ما هو واضح؟ السبب هو أن الأفكار تكون واضحة عندما تفكر فيها فحسب، عندما لا تفعل ذلك، عندما تمضي حياتك اليومية ولا تكون واعياً بها، فإنك تفكر بشكل مختلف تماماً، يميل الناس إلى العيش في وهم الفهم، ونحن نركز على الأفراد– قوتهم ومواهبهم ومهاراتهم وإنجازاتهم– عوضاً عن تقدير أننا مواطنون في مجتمع المعرفة.
يرى الكتاب أن الجهل ليس نعمة، لكن لا يجب أن يشكل بؤساً، إن الجهل بالنسبة إلى البشر أمر لا مفر منه: إنه حالتنا الطبيعية يوجد الكثير من التعقيد في العالم، بحيث يتعذر على أي فرد إتقانه، يمكن للجهل أن يكون محبطاً، لكن المشكلة ليست الجهل في حد ذاته، بل العناء الذي نواجهه بسبب عدم تمييزنا له.
إن جهلنا بشكل عام، يشكل حياتنا بطرق لا نعرف عنها شيئاً، ببساطة يميل الناس إلى فعل ما يعرفونه، ويفشلون في القيام بما لا يملكون تصوراً عنه، وهكذا يوجه الجهل بعمق المسار الذي نتخذه في الحياة، يفشل الناس في تحقيق إمكاناتهم باعتبار أنهم مهنيون وعشاق، آباء وأشخاص لمجرد أهم غير مدركين للممكن.
إنها حقيقة من حقائق الحياة، لا يمكننا اختيار أمر لا نعرف وجوده، في معظم الأحيان هذه ليست مشكلة لن نفتقد ديزني لاند إذا لم نكن نعرف أنها موجودة، إن معرفة الاحتمالات الجذابة هي وحدها ما يجعلنا نفتقدها، هذا هو السبب في أن الفوز باليانصيب يمكن أن يكون عبئاً أكثر منه متعة: بمجرد تذوقنا الحصول على ما نريد، لا يمكننا العودة إلى حالة الجهل.
يقول الكتاب إن بعض الفلسفات الشرقية تشجع أتباعها على تقدير جهلهم: على قبول حقيقة أنهم يعرفون القليل، واحترام ما يعرفه الآخرون، وتذهب بعض التقاليد إلى أبعد من ذلك بالفعل، وتشجع الناس على الامتنان للمعرفة التي يمتلكها الآخرون، نحن نرى هذا درساً من دروس العلوم المعرفية أيضاً، يمكننا أن نتعلم ونتصور كمية محدودة فحسب باعتبارنا أفراداً، ونحتاج إلى مجتمع لتحقيق أشياء أعظم.
يوضح الكتاب أننا نعيش في وهم أننا نفهم كل شيء بشكل أفضل مما نفهمه، فهل نحتاج إلى تبديد الوهم؟ هل يجب أن نسعى دائماً إلى امتلاك معتقدات وأهداف واقعية قدر الإمكان؟ عند تجنب الوهم من المرجح أن تكون أكثر صواباً، ستدرك ما تعرفه وما لا تعرفه، ويمكن أن يساعدك ذلك على تحقيق أهدافك، لن تأخذ على عاتقك مشاريع تتجاوز قدراتك، وستقل احتمالية خيبة أمل الآخرين، وسوف تكون في وضع أفضل للوفاء بوعودك. كن الوهم متعة، يقضي الكثير منا عمداً جزءاً كبيراً من حياته في وهم، نعزي أنفسنا بعوالم خيالية لا تقدم أي ادعاء بأنها حقيقية ونحن نتخيل لأجل متعة القيام بذلك فحسب، ولتعزيز إبداعنا أيضاً، يمكن للأوهام أن تحفز المنتجات الإبداعية من خلال إلهامنا لتخيل عوالم وأهداف ونتائج بديلة ويمكنها تحفيزنا على محاولة القيام بأشياء لم نكن لنحاول القيام بها في خلاف ذلك، هل هذا خطأ؟ هل يجب علينا حقاً التقليل من أوهامنا؟
فهم أفضل
يقدم الكتاب رؤية حول كيفية تفاعلنا مع المعرفة وكيف يمكن لهذا التفاعل أن يؤثر في قراراتنا اليومية، سواء في الحياة الشخصية أو في السياقات الاجتماعية والسياسية..
تصورات
إن جهلنا بشكل عام، يشكل حياتنا بطرق لا نعرف عنها شيئاً، ببساطة يميل الناس إلى فعل ما يعرفونه، ويفشلون في القيام بما لا يملكون تصوراً عنه، وهكذا يوجه الجهل بعمق المسار الذي نتخذه في الحياة، يفشل الناس في تحقيق إمكاناتهم باعتبار أنهم مهنيون وعشاق، آباء وأشخاص لمجرد أهم غير مدركين للممكن.