وساطات من أجل التهدئة: أحداث الصراع خلف الكواليس بين ترامب وماسك

وساطات من أجل التهدئة: أحداث الصراع خلف الكواليس بين ترامب وماسك

لم تقتصر الحرب الكلامية العنيفة بين الرئيس دونالد ترامب والملياردير إيلون ماسك على التصريحات العلنية، بل دارت مناوشات أكثر غضباً في أروقة الإدارة الأمريكية والدوائر المقربة من كلا الرجلين، بعد انهيار تحالف استمر قرابة عام بينهما، فيما يسعى مقربون إلى عقد هدنة مبنية على المصالح في المقام الأول.

«مدمن مخدرات كبير»

وتكشف المصادر المطلعة أنه في أعقاب هجمات ماسك العلنية ودعوته الصريحة لعزل ترامب، أجرى الرئيس الأمريكي اتصالات هاتفية، مع مقربين من ماسك محاولاً استيضاح أسباب هجماته المفاجئة، وفي إحدى هذه المكالمات قال ترامب إن حليفه السابق «مدمن مخدرات كبير»، وفقاً لشخص مطلع، نقلت عنه صحيفة واشنطن بوست.
ومع أن الخلاف بين ماسك وترامب لم يظهر للعلن إلا قبل أيام، فإن التصدعات كانت مبكرة، خصوصاً مع تحرك الملياردير الأمريكي السريع الكاسر للقواعد، لتخفيض أعداد الموظفين الفيدراليين، ضمن إشرافه على مشروع «الكفاءة الحكومية»، ما أدى إلى نفور مسؤولين كبار في البيت الأبيض، بمن فيهم رئيسة الموظفين سوزي وايلز، كما تشاجر مع عدد من الوزراء ودخل في مشادة كلامية مع أحدهم.

الانتقام خلف الأبواب المغلقة

لكن خلف الأبواب المغلقة، كان الانتقام من ماسك هو موضوع المحادثات بين مسؤولي الإدارة الأمريكية، ودعا ترامب، عبر منصة «تروث سوشيال»، إلى تدقيق عام في عقود ماسك الحكومية، ما قد يُعرّض إمبراطوريته التجارية للخطر. في الوقت نفسه، يخشى الجمهوريون من أن يستخدم أغنى رجل في العالم ثروته الطائلة للانتقام منهم، لا سيما مع طرحه فكرة تأسيس حزب سياسي ثالث.
ويقول السيناتور تيد كروز الجمهوري من تكساس: «أشعر وكأنني طفل يعيش أجواء طلاق مرير، وأقول فقط.. يا ليت أبي وأمي يتوقفان عن الصراخ».

ماسك ينسحب بعد إهمال مرشحه الفضائي

وفي أواخر إبريل، أعلن ماسك انسحابه من واشنطن للتركيز أكثر على أعماله، وخاصةً تيسلا التي كانت تواجه صعوبات مالية. وأكد أنه سيظل يقضي جزءاً من وقته في واشنطن، لكن أثناء غيابه، أتيحت لخصومه داخل الإدارة فرصة لتقويضه. وتعلق الأمر بجاريد إسحاقمان، الذي رشّحه ترامب لمنصب مدير ناسا بناءً على إلحاح ماسك.
ومن المعروف أن ماسك يحلم باستعمار المريخ، وكان وجود حليف له على رأس ناسا هدفاً رئيسياً له. لكن تكشفت تفاصيل حول دعم إسحاقمان لمرشحين ديمقراطيين، فقبل أكثر من أسبوع، وفي اليوم الأخير لماسك كموظف حكومي خاص، سلّم سيرجيو غور، مدير شؤون الموظفين الرئاسيين، ترامب مطبوعات تُظهر تبرعات إسحاقمان، فقام الرئيس بإبلاغ ماسك بسحب ترشيح إسحاقمان بسبب مخاوف بشأن ولائه.

شكوك حول تسريبات

ولم يكن دور غور محض صدفة، فقد اختلف مساعد ترامب المخضرم مع ماسك طوال الفترة الانتقالية، واختلفا حول توصيات التعيينات. وتصاعدت التوترات بينهما في مارس/آذار بعد أن اعتقد ماسك أن غور سرّب خبراً حول اجتماعٍ تصادم فيه ماسك مع عدد من أعضاء مجلس الوزراء، وفقاً لشخصٍ مطلع على الوضع، الذي أضاف أن شكوك ماسك ازدادت لأن الخبر لم يذكر انتقاده لمكتب غور. كما نقلت مصادر عن غور قوله إنه يريد الانتقام من ماسك.

وعندما قرر ترامب سحب ترشيح إسحاقمان، بدا القرار ضربة لطموحات ماسك في الفضاء. وقال ستيفن تشيونغ، المتحدث باسم البيت الأبيض: «سيرجيو عضو أساسي في الفريق، وقد ساعد ترامب على تشكيل إدارةٍ لا مثيل لها». وأضاف: «بصفته مستشاراً مخضرماً، لا يوجد من هو أقدر منه على ضمان امتلاك الحكومة لأشخاص منسجمين مع مهمة جعل أمريكا عظيمةً مجددًا، والعمل على تنفيذ أجندة الرئيس».
وصل ماسك إلى واشنطن في يناير/ كانون الثاني كأقوى حليف لترامب، حيث أمضى ليالي في غرفة نوم الرئيس الأمريكي الراحل إبراهم لينكولن أثناء عمله مستشاراً كبيراً للبيت الأبيض. لكن لم تكن فترة شهر العسل طويلة، إذ أدت أساليب ماسك العدوانية، وافتقاره إلى الفطنة السياسية، واختلافاته الأيديولوجية مع قاعدة «لنجعل أمريكا عظيمة مجدداً» إلى تآكل علاقته بكبار مسؤولي الإدارة، وفي النهاية بالرئيس.
وظهرت أولى علامات التصدع خلال فبراير/شباط الماضي، عندما وصلت رسالة إلى صناديق البريد الوارد في جميع أنحاء الحكومة الفيدرالية تطلب من الموظفين وصف إنجازاتهم خلال أسبوع مضى، ولكن لم يتم إبلاغ مسؤولي مجلس الوزراء والوكالات الأخرى مسبقاً بالمذكرة، ما أثار قلقاً في أعلى مستويات إدارة ترامب.
وعندما علم المسؤولون أن البريد الإلكتروني قد أُرسِل إلى بعض قضاة المقاطعات الفيدرالية، الذين ليسوا جزءاً من السلطة التنفيذية، وآخرين يتعاملون مع معلومات سرية، تزايد الشعور بأن ماسك أساء فهم الحكومة الفيدرالية بشكل جوهري، أو لم يمتلك البراعة اللازمة للتعامل معها. ورغم التوتر، وقف ترامب إلى جانب ماسك، رغم انزعاج عدد من المسؤولين.

واقعة تبادل اللكمات

كان ماسك، كغيره من قادة الأعمال، يشعر بخيبة أمل متزايدة تجاه سياسات ترامب الاقتصادية. وفي الثاني من إبريل، عندما فرض الرئيس رسوماً جمركية تهدف إلى إعادة تشكيل الاقتصاد العالمي، لجأ ماسك إلى موقع إكس للتعبير عن استيائه من الرسوم، واصفاً مستشار ترامب التجاري وحليفه القديم بيتر نافارو بأنه «أحمق».
وفي جلسات خاصة، وجّه ماسك نداءات شخصية إلى ترامب لإلغاء الرسوم الجمركية، لكنه لم يستجب ولم يتراجع إلا بعد أيام قليلة، إثر انخفاض حاد في أسواق السندات.
تحول التوتر بين ماسك وفريق ترامب التجاري إلى ضربات، حيث دخل في مشادة كلامية مع وزير الخزانة سكوت بيسنت، كما قال ستيفن بانون، المذيع اليميني المؤثر والمستشار السياسي السابق لترامب.
وفي منتصف إبريل، توجه ماسك وبيسنت إلى المكتب البيضاوي لعرض حججهما حول تفضيلهما لمنصب مفوض دائرة الإيرادات الداخلية بالإنابة، وقرر ترامب دعم اختيار بيسنت.
وذكرت المصادر أنه بعد أن خرج بيسنت وماسك من المكتب البيضاوي وهما في الردهة، بدأ الرجلان في تبادل الإهانات، حيث أعاد بيسنت تكرار مزاعم ماسك حول أنه سيكشف عن أكثر من تريليون دولار مهدرة في الإنفاق الحكومي، وهو ما لم ينجح في القيام به. ثم قال بيسنت لماسك: «أنت محتال. أنت محتال تماماً».
وحينها قام ماسك بصدم بيسنت بكتفه في صدره «كلاعب رغبي»، فردّ عليه بيسنت بلكمة، ثم تدخل عدة أشخاص لفضّ الشجار مع وصول الرجلين إلى مكتب مستشار الأمن القومي، وأُخرج ماسك من الجناح الغربي. وقالت مصادر مطلعة: «لقد سمع ترامب عن ذلك الشجار.. وقال: هذا كثير للغاية».

هل الهدنة بين ترامب وماسك ممكنة؟

رغم قوة الهجمات، فقد عمل مقربون من الحليفين السابقين خلف الكواليس، لتهدئة التوتر، وظهرت بعض بوادر التهدئة، فقد حذف ماسك بعضاً من أكثر منشوراته إثارةً للجدل على مواقع التواصل الاجتماعي، والتي زعم فيها تورط ترامب في وثائق تتعلق بجيفري إبستين، المدان بتهم مشينة قبل وفاته في السجن عام 2019.
ومن بين منشورات ماسك المحذوفة الأخرى، تعهده بأن تُوقف شركته سبيس إكس تشغيل مركبة دراغون الفضائية، التي استخدمتها ناسا لنقل رواد الفضاء إلى محطة الفضاء الدولية. والذي جاء رداً على منشورٍ ترامب على موقع «تروث سوشيال» أفاد فيه بأنه يستطيع توفير مليارات الدولارات للحكومة بإلغاء عقود ماسك الفيدرالية.
وقال أحد حلفاء البيت الأبيض المقربين من ترامب وماسك: «هناك أمل في حدوث مصالحة، لكن الأمور لن تعود كما كانت أبداً».
وربما تنبع الهدنة من المصالح، حيث يمتلك ترامب القدرة على تعزيز أو شل أعمال ماسك، وخاصة شركته الصاروخية «سبيس إكس»، التي تعتمد على العقود الفيدرالية. كما أن لماسك نفوذه الخاص. فقد أُتيحت له نافذة على عالم ترامب، وقد أعرب بعض مستشاريه عن قلقهم من استخدامه تلك الأسرار كسلاح.
كما يعد ماسك أكبر مانح في الساحة السياسية الجمهورية، ولديه وعدٌ قائمٌ بتبرعٍ بقيمة 100 مليون دولار لمجموعات ترامب الخارجية، ويمتلك عملاق التواصل الاجتماعي إكس.

دور نائب الرئيس

ويبدو أن نائب الرئيس جي دي فانس استجاب لنصيحة ترامب، الذي وجهه بضرورة التعامل بحذر مع ملف ماسك، حيث اتخذ مساراً تصالحياً، وظهر في بودكاست الخميس في ذروة الحرب الكلامية، قائلاً: «إيلون، إنه رجل أعمال رائع. يا رجل، سأظل دائماً وفياً للرئيس، وآمل أن يعود إلى صفوفنا في نهاية المطاف».
وأشاد فانس بعمل ماسك مع وزارة كفاءة الحكومة، وتعاطف مع إحباطاته إزاء العملية السياسية في واشنطن، وأشار إلى أن «أعماله تتعرض للهجوم بلا توقف». وقال: «أعتقد أن هذا خطأ فادح من جانب أغنى رجل في العالم، أن يخوض حرباً مع أقوى رجل في العالم»، ومؤخراً تجنب ترامب الهجوم على ماسك في ظل إلحاح الصحفيين على متن طائرته الرئاسية حيث قال إنه يتمنى له ولشركاته كل التوفيق، وسط ترجيحات بمحاولات، لإيجاد حليف بديل لماسك من داخل وادي السيلكون.