الإنصاف لأفريقيا | كلمة افتتاحية في الخليج

الإنصاف لأفريقيا | كلمة افتتاحية في الخليج

«دعونا نعمل معاً من أجل شراكات قائمة على الإنصاف، لضمان عدم ترك أي بلد أو قارة خلف الركب، ولتحقيق العدالة لإفريقيا والمنحدرين من أصل إفريقي» بهذه الكلمات اختتم الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيرش كلمته عند افتتاح سلسلة الحوار الإفريقي للعام الحالي. هذا الحوار الذي يقام بشكل سنوي مركّزاً على قضايا القارة الإفريقية، ويضم إلى جانب ممثلي الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، وهيئاتها المتعددة، ومنظمات دولية وإقليمية أخرى ممثلين عن كل من المجتمعين المدني والأكاديمي أيضاً، وكان موضوعه الرئيسي هذا العام بعنوان «العدالة للأفارقة والمنحدرين من أصل إفريقي من خلال التعويضات».
غوتيرش اعتبر أن ما حدث للشعوب الإفريقية في الماضي من قبل الاستعمار الغربي ما زال يشوه الواقع، وأنه رغم انتهاء الاستعمار ما تزال هناك «هياكل وتحيزات استغلالية» تطال الأفارقة والمنحدرين من أصل إفريقي، ومن ثم فإن العدالة التعويضية بأطرها المتنوعة تعد «حاسمة لمعالجة الأخطاء التاريخية، ومواجهة تحديات اليوم، وضمان حقوق وكرامة الجميع».
نقطة البدء في العدالة التعويضية من وجهة نظر فيلمون يانغ رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة والسياسي الكاميروني هي «الاعتراف بالتاريخ»، خاصة وأن «إرث الاستعباد الوحشي الذي تعرض له أكثر من 12 مليون إفريقي لا يمكن قياسه بالأرقام وحدها، بل يظل راسخاً في مجتمعاتنا وتجارب المنحدرين من أصل إفريقي اليوم». وكان يانغ قد وصف هذه المسألة في مارس/ آذار الماضي بأنها «واحد من أحلك فصول تاريخ البشرية»، معتبراً أنها ما تزال «قائمة في سياسات ومؤسسات تديم العنصرية والقمع المنهجي ضد المنحدرين من أصل إفريقي».
أما وإن الأمر بهذه القتامة فكيف يمكن التعامل معه؟ المسؤولان الدوليان المذكوران أتيا على مبادئ عامة يمكن الاسترشاد بها، فالأمين العام للأمم المتحدة دعا إلى «نهج شامل لتحقيق المساءلة والتعويض» والجدير بالذكر أن غوتيرش لم يقصر الأمر على ما حدث في الماضي فقط، وإنما أشار إلى مسألة تتعلق بموارد القارة الطبيعية وسبل استغلالها، والتي لا تعود عليها إلا بالقليل، على ضوء طبيعة العقود المبرمة وهي على الأغلب مع دول استعمارية سابقة، وفي ظل ضعف بنيتها الصناعية. كما أن غوتيرش تحدث عن عدالة مناخية لإفريقيا، التي «لم تتسبب في أزمة المناخ لكنها تعاني بشكل غير متناسب».
رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة كان واضحاً في قوله: «حانت لحظة تحويل الاعتراف إلى حقوق، والاعتذارات إلى أفعال». فهل يحدث ذلك؟ الأمر في حاجة إلى أجندة إفريقية واضحة أولاً، تتبناها التنظيمات الإقليمية في القارة وعلى رأسها الاتحاد الإفريقي بمؤسساته المختلفة، كما يقتضي الأمر وضع هذه القضية على رأس جدول أعمال السياسات الخارجية للدول الإفريقية. ومن بعد ذلك يأتي التنسيق مع الدول والتجمعات الداعمة للحقوق الإفريقية.
إفريقيا ليست في حاجة إلى اعتراف المستعمرين بجرائمهم والتعويض عنها فقط، وإنما يتطلب الأمر برامج تنموية واضحة يكون من شأنها انتشال هذه القارة من وهدة الفقر والجوع. هذه البرامج فضلاً عن ضرورة أن تكون طويلة المدى، فإنها تقتضي أن تصبح مؤسسية، بحيث لا يكون الأمر مجرد نداءات. وهنا على المستعمرين السابقين والمستغلين الحاليين تقع تبعات كبيرة.