الجوع في عصر الرفاهية | افتتاحية الخليج

بينما يفتك الجوع بالناس في غزة، حيث تقف، وعلى مدار أشهر، الشاحنات الممتلئة بالمساعدات، والتي يحال بينها وبين من يحتاجون إليها، ومن ثم يفسد الكثير من المساعدات، علماً بأن هناك برامج أممية واضحة لتوزيعها، وهذا ما عبّر عنه مؤخراً توم فليتشر منسق الأمم المتحدة للإغاثة الطارئة ووكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية عندما قال «لدينا الفرق، والخطة، والإمدادات، والخبرة. افتحوا المعابر جميعها. اسمحوا بدخول المساعدات المنقذة للحياة على نطاق واسع، من جميع الاتجاهات. ارفعوا القيود المفروضة على نوعية وكمية المساعدات التي يمكننا إدخالها. اضمنوا عدم توقف قوافلنا جراء التأخير والرفض».
الجوع ليس في غزة وحدها، فللعام الخامس على التوالي يزيد معدل انتشار انعدام الأمن الغذائي الحاد على الخمس، حيث بلغت النسبة 22.6% من بين من تم تقييمهم من السكان، بحسب العدد الجديد من التقرير العالمي حول أزمات الغذاء، إذ بلغ عدد من يواجهون مستويات حادة من الجوع 295 مليون إنسان، وبزيادة حوالي 14 مليوناً عما كان عليه في العام 2023. ومن المفزع أن عدد من يتعرضون لمستويات كارثية من الجوع حوالي مليوني شخص، وهو الرقم الأعلى الذي يتم تسجيله منذ بدأت عملية الرصد في العام 2016.
من الطبيعي أن تكون الفئات الأضعف هي الأكثر تأثراً بظروف الجوع، ممثلة في النساء والأطفال وكبار السن، وأولئك الذين اضطرتهم الحروب والنزاعات إلى النزوح داخلياً وخارجياً، فضلاً عن الحالات التي يُستخدم فيها الطعام كسلاح، حيث يُمنع بشكل كامل ومطلق ولفترات طويلة عن عدد كبير من السكان، بينما يتوالى نزول حمم القصف على رؤوسهم في الخيام وفي العراء بعدما هدمت معظم بيوتهم، وبعدما ارتحلوا أكثر من مرة.
ليست النزاعات والحروب وحدها التي تفاقم من ظروف الجوع في العالم، فهناك عوامل اقتصادية، من بينها الانخفاض في قيمة العملات الوطنية، وزيادة معدلات التضخم. هذه العوامل الاقتصادية كان لها تأثير في حوالي 60 مليون إنسان في خمس عشرة دولة. يضاف إلى ذلك العوامل المناخية التي دفعت بثماني عشرة دولة إلى «حلقة الأزمات الغذائية».
هذا الواقع يأتي في ظل توجه واضح بخصوص تخفيض المساعدات الإنسانية، ومن ثم تشير التوقعات إلى «استمرار أزمات الجوع خلال عام 2025»، بينما الواقع يحتاج إلى تمويل أكثر، ليس فقط على صعيد المساعدات في الحالات الطارئة، وإنما من أجل توجيه الجهود نحو «النظم الغذائية المحلية وخدمات التغذية المتكاملة من أجل معالجة نقاط الضعف الطويلة الأجل وبناء القدرة على الصمود في وجه الصدمات».
العالم لا يعدم تدبير الموارد من أجل التعامل مع أزمات الجوع، وصولاً إلى القضاء عليه، طبقاً لما هو مقرر في أجندة التنمية المستدامة، لكن تبقى المسألة رهن الإرادة التي تخصص الموارد. ففي الوقت الذي تزيد همة الدول باتجاه زيادة الإنفاق العسكري بنسب غير مسبوقة منذ سنوات طويلة، فإن منظمات الإغاثة الدولية تجأر من شح التمويل. ولقد كانت كلمات كاثرين راسيل المديرة التنفيذية لليونيسف معبّرة بصدق عن هذا الواقع المختل «في عالم ينعم بالوفرة لا يوجد عذر لجوع الأطفال أو موتهم بسبب سوء التغذية».