طرق لفهم تاريخ الجرائم | صحيفة الخليج

القاهرة: «الخليج»
صدر عن المركز القومي للترجمة طبعة جديدة ومزيدة من كتاب «التاريخ الإجرامي للجنس البشري» لكولن ويلسون وترجمة الدكتور رفعت السيد، الكتاب يجيب عن أسئلة عديدة تخص تاريخ الإنسان على الأرض وما ارتكبه من مذابح جماعية وتعذيب وقهر، فتاريخ البشر المسجل منذ عام 2500 قبل الميلاد يحتوي على قدر هائل ومتواصل من العنف والقتل وإراقة الدماء.
هناك من يرى أن التاريخ البشري ليس سوى تاريخ عظيم وحافل بالاختراعات والإنجازات وأن التاريخ لم يكن إلا معركة طويلة ومتواصلة ضد المخاطر الناجمة عن سلوكيات عدة للإنسان، فذكاء البشر صاحبه بعض الجنوح والخلل وعدم التوازن، كما نتج عنه مخاوف ضيقة دفعته إلى الانغماس في حسابات مستمرة وقسوة متحجرة، لا تعرف الرحمة، تلك القسوة التي تدفع البشر إلى انتهاج الطرق المختصرة، لتحقيق الغايات والرغبات، أي اللجوء إلى الجريمة.
لماذا حدث كل هذا العنف ومن ثم الدمار؟ ربما تكون الإجابة كما يرى ويلسون في رؤيتنا وتفسيرنا للأفكار، فدوافع هتلر لارتكاب عمليات الإبادة الجماعية، لم تكن من نوع القيود المفروضة على الإنسان الطبيعي واللازمة لاستمرار المجتمع وبقائه ككل والتي يمكن أن تدفع الفرد للتمرد عليها، بل على العكس من ذلك، كانت دوافعه نتاج نوع مشوه من الأفكار، دفعته إلى محاولة خلق «عالم مختلف» من وجهة نظره.
يواصل ويلسون التأكيد على فكرته أن دوافع ارتكاب نوع من الإبادة الجماعية، يعود إلى اعتناق الفرد لأفكار منحرفة وهو أيضاً الدافع ذاته الذي كان لدى منظمة الألوية الحمراء اليابانية، وكذلك التي كانت لدى الإرهابيين الإيطاليين، الذين اقتحموا قاعة محاضرات في الجامعة وأطلقوا الرصاص على ساقي المحاضر بدعوى أنه «يبث في الطلاب قيماً برجوازية سامة».
هنا يصل ويلسون إلى خلاصة تقول: إن الإجرام نتيجة حتمية مصاحبة لتطور الذكاء البشري ونموه، أو هو الوجه الآخر –كرد فعل عنيف– لنمو قدرة البشر على الخلق والإبداع وبالفعل فإن أسوأ أنواع الجرائم لا يرتكبها الحمقى والأغبياء، بل يرتكبها متحضرون أذكياء، يتخذون تلك القرارت، بعد أن يوفروا لها المبررات والدوافع الكافية التي يتعللون بها.
يشير ويلسون إلى أن الجريمة تتجدد مع كل جيل. فعند نهاية الحرب العالمية الثانية حدث ارتفاع حاد في الجريمة وهو ارتفاع يلي في العادة كل الحروب الكبرى في التاريخ وبحلول عام 1946 كان معدل الجرائم قد تضاعف عن معدلها قبل الحرب، تضاعفت السرقات والسطو والاغتصاب والجرائم المصحوبة باللجوء إلى العنف، حتى في أمريكا التي كانت في مأمن من ويلات الحرب المباشرة، بسبب بعد المسافة التي تفصلها عن ساحة الحرب، ارتفع معدل الجرائم بها بمقدار الثلثين.
في بداية الخمسينيات بدأت الإحصائيات تظهر تراجعاً وفي 1954 أصبحت بالفعل أقل مما كانت عليه في عام 1945 بدا الأمر وكأن الأزمة قد انتهت وتم تجاوزها وعادت الأمور إلى طبيعتها المعتادة، لكن الفحص المدقق للإحصائيات أظهر ميولاً جديدة وتوجهات مستجدة مرعبة، لقد تراجعت أعمال السطو تراجعاً حاداً، بسبب زيادة الرخاء الاقتصادي، لكن العنف والجرائم الجنسية استمرا في التصاعد.
هذا الكتاب ليس سوى محاولة لفهم قصة الجنس البشري على ضوء التناقض بين الجريمة والإبداع، ثم الاستعانة بالنتائج التي يمكن التوصل إليها للتنبؤ بالمراحل المقبلة من تطور الجنس البشري.
في هذا الكتاب يمتزج علم النفس والفلسفة والاقتصاد والجغرافيا والتاريخ وعلم أصول الإنسان (الأنثروبولوجيا) وعلم الاجتماع وكل العلوم التي أنجزها الإنسان في سبيكة فريدة، يقدم فيها المؤلف خلاصة فكره وثقافته وتجاربه مع ظاهرة الجنس البشري ورؤيته لذلك الكائن الذي يجمع في داخله بين كل المتناقضات ومن أبرزها الإبداع والجريمة.