«السلط» و«المعمودية» و«عجلون»: معالم تعكس غنى التراث الأردني المتنوع

في قلب المملكة الأردنية الهاشمية، يتجاوز سحر المكان حدود المواقع والمعالم الشهيرة التي اعتاد الزوّار التوافد إليها، كاشفاً عن كنوز خفية تنتظر من ينصت لحكاياتها. فهي جواهر نادرة، قلّما تصدّرت المشهد السياحي، لكنها تحتضن تجارب أصيلة تنسج في ذاكرة الزائر مشاهد لا تُنسى وتُعد مدينة السلط وموقع المعمودية ومحمية عجلون الطبيعية، نوافذ فريدة على تنوّع التراث الأردني وغناه وعراقته، بدءاً من مواقع تنبض برمزية روحية عميقة، وصولاً إلى معالم معمارية تجسّد عبقرية المكان والزمان.
وقال د. عبد الرزاق عربيات، المدير العام لهيئة تنشيط السياحة الأردنية: «رغم أن الأردن يشتهر عالمياً بمواقع مثل البترا ووادي رم والبحر الميت، إلا أن هناك كنوزاً أخرى لا تقلّ جمالاً وأهمية وتمنح الزائر فرصة لاكتشاف وجه أكثر خصوصية وأصالة من الأردن، فكل موقع منها يروي قصة ويعكس جانباً مختلفاً من حضارتنا العريقة» وأشار عربيات إلى تنامي الاهتمام بمناطق مثل مدينة السلط وموقع المعمودية، لما تحمله من دلالات ثقافية وروحانية مميزة، مضيفاً: «ما يميّز هذه الوجهات هو التمازج الفريد بين الأصالة والمقومات السياحية العصرية، من أماكن إقامة فاخرة إلى بنية تحتية مريحة، ما يجعل من التجربة رحلة متكاملة بكل المقاييس».
تحف معمارية
تُعد مدينة السلط، المدرجة على قائمة «اليونسكو» للتراث العالمي، أحد أبرز الشواهد على التعايش الذي ميّز تاريخ المملكة لعقود طويلة وتحتضن المدينة تحفاً معمارية رائعة تعود إلى أواخر الحقبة العثمانية، وتروي مبانيها المشيّدة من الحجر الجيري الذهبي، ونوافذها الطويلة وقبابها المميّزة، حكاية مدينة ظلّت على مدى قرون نموذجاً فريداً للتآلف بين الرسالات السماوية والثقافات ويمكن للزوّار أيضاً استكشاف قلب المدينة التاريخي، حيث لا تزال القصور الفخمة التي شيدتها عائلات تجارية ثرية في أواخر القرن التاسع عشر شامخة حتى اليوم، شاهدة على المكانة الاقتصادية التي كانت تحتلها السلط كمركز تجاري إقليمي مزدهر.
وللرحلة في السلط وجه آخر لا يقل سحراً؛ فأسواقها التقليدية وبازاراتها التاريخية ما زالت تنبض بالحياة وتُعدّ مركزاً حيوياً للتفاعل المجتمعي، حيث تمنح الزائر لمحة حيّة عن تفاصيل الحياة اليومية في الأردن، أما ساحة العين، التي تتوسطها مبانٍ تعود إلى الحقبة العثمانية، فتُعد بمثابة قلب المدينة النابض، حيث يلتقي السكان المحليون ويعيش الزوّار لحظات دافئة من كرم الضيافة الأردنية الأصيلة.
ويُعد موقع المعمودية «بيت عنيا عبر الأردن» أحد أهم المواقع المدرجة على قائمة «اليونسكو» للتراث العالمي، لما يحمله من أهمية روحية بالغة ويأخذ هذا الموقع زواره في رحلة عبر الزمن، وسط أطلال كنائس بيزنطية وأنظمة مائية تعود إلى العصور الرومانية.
مسارات المشي
في قلب الشمال الأردني، ترسم محمية عجلون الطبيعية لوحة مختلفة تماماً عن صحارى المملكة، إذ تغمرها غابات من البلوط والصنوبر والفستق البري، وتدعو زوّارها إلى الانغماس في مسارات المشي وتجارب بيئية فريدة تعانق الطبيعة وفي أعالي التلال، تقف قلعة عجلون شامخة منذ القرن الثاني عشر، تجسّد روعة العمارة العسكرية الإسلامية وتُطل على الريف المحيط بإطلالات تخطف الأبصار. ولا تكتمل الرحلة دون المرور بـ«مسار بيت الصابون»، حيث يعيش الزائر تجربة أصيلة وسط الطبيعة، يتأمل فيها حرفة صناعة صابون الزيتون التقليدي كما كانت تُمارس منذ قرون، بإتقان لا يزال ينبض بالحياة، هذا الانسجام الأخّاذ بين الجمال الطبيعي والكنوز التاريخية والتقاليد المتوارثة، يجعل من عجلون وجهة لا تُنسى لمن يبحث عن تجربة أردنية أصيلة تعكس عمق التراث وتنوّع المكان.
وتواصل هيئة تنشيط السياحة الأردنية تكثيف جهودها للترويج لهذه الوجهات ضمن استراتيجية شاملة تُبرز تنوّع المنتج السياحي في المملكة وفي هذا الإطار، شدّد عبد الرزاق عربيات، على أهمية التوازن بين الأصالة والتطوّر، قائلاً: «نركّز على تطوير السياحة المستدامة، مع تعزيز عروض السياحة الفاخرة في الأردن ونعمل على صون التجارب الثقافية الأصيلة، مع مواكبة تطلعات المسافرين العصريين الذين تتغير اهتماماتهم باستمرار».
وتشكّل هذه الوجهات نماذج حيّة من الإرث الثقافي العريق الذي تتميّز به المملكة الأردنية الهاشمية، إذ يُقدّم كل موقع منها نافذة فريدة لفهم العمق التاريخي والتقاليد المتجذّرة في الأردن ومع ما تشهده المملكة من تطوّر مستمر في البنية التحتية وتحسين شبكات الربط، بات الوصول إلى هذه المواقع أسهل من أي وقت مضى، لتمنح الزوّار الباحثين عن تجارب أصيلة فرصة فريدة تتجاوز حدود المسارات السياحية التقليدية.