أعماق المحيطات وتأثيرها على السياسة العالمية | افتتاحية الخليج

أعماق المحيطات وتأثيرها على السياسة العالمية | افتتاحية الخليج

اجتمعت دول العالم ومعها منظمات المجتمع المدني والعلماء وشركاء من القطاع الخاص، وجهات أخرى عالمية وإقليمية ومحلية معنية بمحيطات العالم وبحاره، وما يجري فيها من أجل الحفاظ عليها في إطار الموضوع العام لمؤتمر الأمم المتحدة للمحيطات لعام 2025 الذي استضافته مدينة نيس الفرنسية في الفترة
من التاسع إلى الثالث عشر من يونيو/حزيران الحالي، والذي يتمثل في «تسريع العمل وتعبئة جميع الجهات الفاعلة لحفظ المحيطات واستخدامها على نحو مستدام».
ليس هذا مجال لتعداد فوائد المحيطات للحياة البشرية، لكن تكفي الإشارة إلى أن الهدف الرابع عشر من أهداف التنمية المستدامة قد خصص لها، كما أن هناك معاهدة خاصة بحماية الحياة البحرية في أعالي البحار تم اعتمادها منتصف عام 2023، وفتح المجال للتوقيع عليها في سبتمبر/أيلول من نفس العام، ومع ذلك لم تدخل حيز التنفيذ بعد، حيث تحتاج إلى تصديق ستين عضواً من الأعضاء الموقعين، وهو ما لم يتحقق بعد، وإن كانت هناك آمال في حدوث ذلك خلال انعقاد المؤتمر.
وبغض النظر عن إمكانية تحقق ذلك في هذا التوقيت، وربط نجاح المؤتمر بهذا الأمر، فإن هناك مسائل أخرى تبقى ذات أهمية بالغة بالنسبة للحفاظ على المحيطات أياً كان التوقيت الذي ستدخل فيه الاتفاقية المذكورة حيز النفاذ. على رأس هذه المسائل مدى شمولية المعاهدة بمعنى انضمام العدد الأكبر من دول العالم إليها، وعلى رأسها الدول الكبرى، والتي تمتلك الإمكانيات المادية والتكنولوجية والعلمية الضخمة التي تمكّنها من الولوج إلى مياه المحيطات وتحقيق فوائد لا يمكن لغيرها الوصول إليها، كما أنه سيناط بها العمل على تحقيق أهداف الاتفاقية المشار إليها.
يشار هنا إلى أن الولايات المتحدة لم ترسل مندوبين إلى المؤتمر المذكور، كما أنها لم تنضم إلى معاهدة الحياة البحرية في أعالي البحار، ليس هذا فحسب، بل إنها أعلنت مؤخراً سعيها إلى القيام بعمليات تعدين في ما يتعلق بالمعادن النادرة في قاع المحيطات والبحار بشكل منفرد. هذان الموقفان للولايات المتحدة يتسقان مع موقفها المبدئي من الاتفاقية الدولية الرئيسية التي تنظم عالم البحار وهي اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار 1982، حيث لم تصادق عليها الولايات المتحدة بعد، على الرغم من مرور كل هذه السنوات، بما يعني أن ذلك يعد موقفاً ثابتاً لا علاقة له بنوعية الإدارة التي تحكم، أضف إلى ذلك موقف الإدارة الأمريكية الحالية في ما يتعلق بقضايا التغير المناخي إجمالاً، وما يتعلق بالمنظمات الدولية وأدوارها كذلك.
الأمر لا يقف عند السلوك الأمريكي، وإنما يتعلق بمسألة أساسية أخرى تتعلق بمدى ترجمة المبادئ والأسس والقواعد والترتيبات والإجراءات التي تتضمنها الاتفاقية الخاصة بأعالي البحار إلى خطوات عملية على أرض الواقع، خاصة أن الخبرة التاريخية فيما يتعلق بمعاهدات أخرى كثيرة تشير إلى فجوة كبيرة بين ما هو على الورق وما هو مطبق.
من الواضح أن مسألة حماية أعالي البحار مسألة سياسية قبل أن تكون مسألة فنية، وهي تحتاج إلى قرارات سياسية، قرارات من الواضح أنها ما زالت متعارضة خاصة بين القوى صاحبة التأثير، وتلك إحدى إشكاليات النظام الدولي برمته.