فقط لم يكن مكتوبًا له أن يحدث.

فقط لم يكن مكتوبًا له أن يحدث.

فقط لم يكن مقدرًا..أن أكون شاعرة تخلط الكلمات فتصنع منها كعكة أو فطيرة أُهديها للطفلة الصغيرة التى جاءتنى بالأمس، ونادت: «ماما.. ماما»، ولم أستطع أن أرد عليها، سأعجن الفطيرة من كلمة «أحبك»، وأدخلها فرن «أشتاقُ إليك»، وأزينها بعبارة: «أنتِ أميرتى». وفى انتظار الزيارة القادمة سأصنع حلقًا وتاجًا وقلبًا كبيرًا تجلس فيه كلما افتقدت ماما.فقط لم يكن مقدرًا..أن أكون رسامةً أجدل الألوان فى ضفيرتى، وعندما يغيب النهار، وأحلُّ شعرى، تشرق الشمس فى قلب الليل، فتنضبط الساعة البيولوجية للخلايا النافرة، يدبُّ الدفء فى أوردتى، وتتحوّل السوائل التى تخرج منى بألوانها الباهتة، الشاحبة، الشفافة، الصفراء، الخضراء إلى اللون الأحمر، فيستدعى مناعتى، مقاومتى، عافيتى، وتصحو الحياة فى خلاياى النائمة.فقط لم يكن مُقدرًا..أن أسكن فى أعلى تلة تطل على بحيرة فى غابة سويسرية.أن أكون موجودة بدرجة تجعل الآخرين يشعرون بالفقد لغيابى.أن أكون ثقبًا أسود يبتلع العالم.فقط لم يكن مقدرًا..أن أرى لهفة فى عينيك.. أن تتجمع الخيوط الدقيقة الحمراء وترسم لى صورة فى حدقتيك. أن أضبط قلقًا ساكنًا فى يديك، تشنجًا، رفضًا لما يحدث، خط ألم يسكن وجهك. خطوط الغضب تنحفر فى الجبهة. خطوط الألم تتجمع حول الفم، وتتسرب للخدين. أن ألمس ارتعاشًا فى أحبالك الصوتية: «إزيِّك، حاسة بيه، الألم خف؟ قولى لى كل حاجة، شوش شوش.. أنا حاسس بيكى». لكن صوتك ظل ثابتًا، دون تشويش، دون لجلجلة، دون كسرات أو ثنيات أو شهقات خانقة مباغتة.فقط لم يكن مُقدرًا..أن تفقد شهيتك قليلًا للكلام ربما.. للطعام قطعًا.. أن تتسع قمصانك، أن تبدو مُتهدلًا، مشوشًا، أن يطاردك كابوس غيابى، فتخاصم النوم.أن تهدينى قيامة ابتسامة من قبر الأسى، تنهيدة تغالب ضلوع قفصك الصدرى، زهرة تتماوج فى يديك أو قلبًا صغيرًا، ميدالية بها حرف من اسمى. إحقاقًا للحق، دفعت كل تكاليف المسكنات، لكنك لم تشاركنى أيًا من مُخفّفات ألمى.. أن تمسك بكفّى الواهنة وتهزّها وكأننا ملاكمان سينتصران ويوجهان ضربتهما القاضية للحياة.أن نشاهد فیلم brave heart.أن ندندن مع عبدالوهاب: «فأقول وأوشك أعبده».أن تكون لنا كلمة سر، لا يعرف شفرتها سوانا.. كلمة قد تضحكنا أو تبكينا، لكننا وحدنا اخترعناها.أن تستحسن طعم التوست الأسمر، خليط الأفوكادو والسالمون، أن تستطيب قرمشة التفاح الأخضر مع زبدة الفول السودانى. أن تُثمّن كل السوائل التى تخرج منى وتتعامل معها كقرابين مقدسة للحياة.فقط كان مُقدرًا..أن تكون الخضروات الطازجة دون طعم، لكنها صحية. أن آكل التفاحة، أن أخوض التجربة، أن أمشى وحدى، أن أتألم وحدى. أن أكون مجرد رقم، صُدفة، أن أكون يتيمة، وأن تكون ثُقبًا أسود يبتلعنى.وكان مقدرًا..أن أتفهم دوافعك، وإن كنت لا أتعاطف معك وأنت تكرر سؤالك: «هل أنا السبب فيما حدث لك؟». وأنا أجيبك بوهنٍ: «كلنا أسباب».وكان مقدرًا..للشىء الوحيد الذى قلت له: أنا حزينة. أن يجيبنى بحياد «روبوت» على موبايل أيفون: إيمان يمكنك البكاء إن أردت، فسطحى الزجاجى المكون من سليكات الألمونيوم مقاوم للدموع.