الرد الإيراني والمساعي لتجديد مفهوم الحدود الحمراء

الرد الإيراني والمساعي لتجديد مفهوم الحدود الحمراء

بعد أقل من 24 ساعة على الضربة الإسرائيلية لمنشآت نووية إيرانية واستهداف عددا من القادة والجنرالات الإيرانيين، جاء الرد الإيراني على تل أبيب من 3 دفعات متتالية من الصواريخ الباليستية بحوالي 500 صاروخ، استهدفت في إحداها قاعدة “نيفاتيم” الجوية الحساسة، وبلغ عدد المصابين من الإسرائيليين – حتى الآن – 14 جريحًا على الأقل
لأول مرة يكون الرد الإيراني على الاستفزازات الإسرائيلية بهذه السرعة، فالواضح أنه ليس مجرد تطور ميداني مفاجئ، بل إعلان صريح بأن قواعد الاشتباك قد تغيرت، وأن مرحلة “الصبر الاستراتيجي” الإيراني قد وصلت إلى نهايتها، بعد أن تجاوزت إسرائيل الخط الأحمر واستهدفت عصب الأمن القومي الإيراني.اللحظة السياسية والرمزية التي اختارتها طهران للهجوم تحمل دلالات أوسع من مجرد رد عسكري عابر، أو رغبة في حفظ ماء الوجه.ما يلفت الانتباه هو التوقيت. فجاء الرد الإيراني بعد خطاب مباشر من المرشد الأعلى علي خامنئي وبتزامن محسوب مع إعلان الانسحاب الإيراني من مفاوضات مسقط النووية مع واشنطن، المقررة يوم الأحد المقبل.هذه ليست مجرد مصادفة، بل موقف متكامل ومركب
الضربة الصاروخية السريعة تعني أن إيران قررت الدخول إلى قلب المعركة، لا عبر الوكلاء، بل مباشرة من طهران إلى تل أبيب.
والانسحاب من المفاوضات هو رسالة إلى واشنطن تحديدًا، بأن “ورقة النووي” لن تُستخدم لابتزاز إيران أو مساومتها بعد اليوم، لا على أمنها ولا على نفوذها الإقليمي.استهداف قاعدة “نيفاتيم” تحديدًا، وهي واحدة من أهم القواعد الجوية التي تُستخدم كمركز عمليات للطائرات المقاتلة وطائرات الشبح الأمريكية، يُعد تصعيدًا عالي المستوى، ليس فقط لأنها قاعدة استراتيجية، بل لأنها ترتبط مباشرة بأي سيناريو لضرب منشآت إيران النوويةوبالتالي، فاختيار هذا الهدف ليس عبثًا، بل رد ضمني على نوايا الهجوم الاستباقي على منشآت نطنز وفوردو.التحول في المزاج الإيراني من ضبط النفس إلى المجاهرة بالتصعيد قد يعود إلى عدة أسباب متزامنة:
– تآكل الردع التقليدي: إيران أدركت أن انتظار اللحظة المثالية للرد لم يعد مجديًا، وأن الهدوء يُفهم كضعف، خصوصًا في ظل تحركات إسرائيل لإسقاط كل منظوماتها الأمنية في الإقليم.
– ضغوط داخلية: القيادة الإيرانية تواجه استياء داخليا متصاعدا، وتجلى أكثر في المسيرات الشعبية الاحتجاجية التي أعقبت القصف الإسرائيلية في عدة مدن إيرانية. وتحتاج إلى استعادة زمام المبادرة عبر خطاب تعبوي خارجي يعيد التماسك إلى الجبهة الداخلية.
– رسالة ردع استباقية: طهران تخشى أن تفهم إسرائيل وحلفاؤها صمتها كموافقة ضمنية على مشروع “إنهاء المهمة”، أي تفكيك القدرات الصاروخية الإيرانية وضرب برنامجها النووي بشكل شامل، وبالتالي، فإن ضرب تل أبيب مباشرة هو محاولة لإعادة تعريف الخطوط الحمراء.من الواضح أن المنطقة دخلت الآن مرحلة ما بعد الردع، حيث لا أحد يملك السيطرة الكاملة على وتيرة التصعيد.
رغم أن الوقت لا يزال مبكرًا للحكم النهائي على ما ستؤول إليه الأمور، إلا أن ملامح التأزم في المشهد الإيراني بدأت تتضح بجلاء. نحن أمام دولة استُبيحت أرضها وسماؤها، بعد صمود دام لسنوات في وجه أعقد أجهزة المخابرات في العالم، وفي مواجهة مؤسسات للقوة العسكرية والتكنولوجية فائقة التطور، تتصدرها الولايات المتحدة، وإسرائيل، ومعظم دول الغرب.إيران الآن تحارب وحدها. تقاتل للحفاظ على ما تبقى من ترسانتها العسكرية، وبنيتها الأمنية، في وقت تحاول فيه القوى العظمى تقليم أظافرها، وقص أجنحتها واحدة تلو الأخرى.الضربة الإيرانية ليست النهاية، بل بداية فصل جديد في معادلات الشرق الأوسط، وربما تكون هذه هي اللحظة التي يُعاد فيها تشكيل الإقليم بالكامل.