إيران وكيان الاحتلال الإسرائيلي

العلاقة بين إيران وإسرائيل قديمة، كانت على أيام شاه إيران، آخر الحكام الليبراليين لإيران. كانت علاقة شاه إيران بإسرائيل سرية، خارج نطاق وزارة الخارجية الإيرانية، مع أن إسرائيل ضغطت بشدة عليه للاعتراف بها وتحويل العلاقة إلى علنية وسربت من أجل ذلك أخبارًا إلى الصحافة، إلا أنه رفض رفضًا قاطعًا الاعتراف بوجودها كدولة، مؤثرًا عدم استفزاز جيرانه العرب. لكن العلاقة ما لبثت أن تطورت بسبب نشاط الطائفة اليهودية الإيرانية. في تلك المرحلة قدّم الشاه لإسرائيل خدمات من خلال تسهيل هجرة اليهود الإيرانيين والعراقيين إليها عبر الخط التركي.
عندما توترت العلاقات بين الشاه وبين العراق حول شط العرب، ظهرت إسرائيل بتقنياتها الحديثة، وعرضت المساعدة على الشاه ، استفاد الشاه من التقدم التقني والعسكري الإسرائيلي، وتم الاتفاق بين الشاه وإسرائيل على تواجد بعثة إسرائيلية سرية في طهران، تشرف على ارسال بعثات من الضباط الإيرانيين إلى اسرائيل للتدريب العسكري، واستقبال الضباط الإسرائيليين لتدريب أجهزة الأمن الإيرانية المعروف بالسافاك، على كيفية استجواب المعارضين لحكم الشاه والمتهمين، كانت كل التحركات سرية، حتى إن الشاه أبقى زيارات مسؤوليه طي الكتمان، وكانت إسرائيل تراعي عدم إحراجه فلا تختم جوازاتهم عند دخولهم إليها أو خروجهم تاركة الختم التركي، وحده عليها. أما البعثة الإيرانية في إسرائيل فقد تم اعتبارها سفارة غير رسمية.
وبعد توقيع معاهدة الجزائر مع العراق لتقاسم مياه شط العرب، شعر الشاه بأهمية علاقته مع جيرانه العرب فبدأت علاقته بإسرائيل تضعف واقتصرت على تنمية ترسانته العسكرية والاعتماد عليها في تحقيق الطموح الإيراني للسيطرة على المنطقة.
وفي 1979 وعقب اندلاع ثورة الخميني، التي أطاحت بالشاه، بدأ العهد الجديد بسياسات جديدة، مناقضة تمامًا لسياسة الشاه، ولا سيما علاقته بالغرب وإسرائيل. فتم طرد البعثة الإسرائيلية من طهران واقتحم الثوار مكتبها وأحرقوه، وقطعت حكومة مهدي بازرجان كافة العلاقات مع إسرائيل، بما في ذلك مبيعات النفط والرحلات الجوية، ورأى الثوريون المتدينون أن إسرائيل مغتصبة لأرض إسلامية والواجب الديني يفرض على كل مسلم محاربتها، أما الثوريون اليساريون فكان موقفهم مشابهًا للمتدينين من خلال رؤيتهم لإسرائيل على أنها الباب الأمامي للإمبريالية الأمريكية في الشرق الأوسط
انطلقت إيران بثقة استراتيجية عالية، معلنة بكل فخر رغبتها في تصدير الثورة الإسلامية الى جيرانها من العرب، عبر عن نفوذها الممتد إلى أربع عواصم عربية رئيسية (بغداد، دمشق، بيروت، صنعاء). لم تعد طهران ترى نفسها محصورة في حدودها، بل قدمت نفسها كقائد لـ محور المقاومة، وهو مشروع أيديولوجي وسياسي يهدف لمواجهة ما يعرف بالاستكبار الغربي وإلى جانبه المشروع الصهيوني بحسب زعمها.
اعتمدت طهران بشكل أساسي على بناء شبكة من القوى المحلية المسلحة في الدول العربية المجاورة، التي تدين لها بالولاء العقائدي والسياسي، مثل حزب الله في لبنان، والحشد الشعبي في العراق، والحوثيين في اليمن… منحتها هذه الاستراتيجية عمقا ونفوذا مكنها من إدارة الصراع عن بعد، وتوجيه رسائل الردع دون التورط في مواجهة عسكرية مباشرة، مما عزز صورتها كقوة إقليمية قادرة على المناورة رغم الحصار الاقتصادي.
وفي عام 2005، مع انتخاب محمود أحمدي نجاد، رئيسا للجمهورية الإسلامية، وهو متعصب للسياسية الإيرانية، أصبحت علاقات الجمهورية الإسلامية مع الدول الغربية متوترة بشكل متزايد، إذ أصبحت منخرطة في سلسلة من الصراعات بالوكالة وتنفذ عمليات سرية ضد بعضها.
وظل الوضع حتى قامت حماس بغزو إسرائيل في 7 أكتوبر 2023. وتحمس حزب الله في لبنان، والحوثيون في اليمن لمناصرة حماس، واعتقدت اسرائيل أن إيران تقوم بتحريض حزب الله وحماس والحوثيين على مهاجمة إسرائيل. ثم بدأت الموجة الحالية من التصعيد العنيف بعد سلسلة ضربات إسرائيلية استهدفت شحنات أسلحة إيرانية ومواقع عسكرية تابعة لطهران في العراق وسوريا ولبنان عام 2019.
وتحول الصراع إلى البحر، مع تبادل استهداف السفن التجارية والعسكرية، وهو ما شكّل مسرحًا جديدًا للمواجهة بعيدًا عن الجبهات التقليدية. اتهمت إيران إسرائيل باغتيال العقيد في الحرس الثوري صياد خدائي في طهران، واغتيال علماء عبر وسائل غير تقليدية كالتسميم.
فقد أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خطة لضرب منشآت نووية إيرانية على الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي قرر التريث والسعي لحل دبلوماسي. غير أن إسرائيل بدأت بالفعل تنفيذ عمليات واسعة تحت مسمى “الأسد الصاعد”، استهدفت فيها أكثر من 20 قائدًا عسكريًا إيرانيًا.
وفي رد مباشر، أطلقت إيران عملية “الوعد الصادق 3″، التي شملت إطلاق دفعات من الصواريخ أدت إلى سقوط قتلى وجرحى داخل إسرائيل، بينما تستمر المعارك بين الجانبين على أكثر من جبهة، في ظل تصاعد التوتر الإقليمي وتخوف دولي من تحول المواجهة إلى حرب شاملة تهدد أمن المنطقة والعالم.
ولا زالت الحرب قائمة لم تضع أوزارها.