إيران والكيان الصهيوني ودول الخليج العربي

إيران والكيان الصهيوني ودول الخليج العربي

مع التقارب الذى شهدته العلاقات بين الجانبين، خلال السنوات الثلاث الماضية، لا تزال هناك أسباب عديدة تدفع دول الخليج العربى إلى التعامل بحذر مع «الجمهورية الإسلامية الإيرانية»، أبرزها استمرار احتلال الأخيرة الجزر الإماراتية الثلاث، طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبوموسى، وعدم توقفها عن التدخل فى الشئون الداخلية ودعمها حركات، جماعات، أو ميليشيات مسلحة فى عدة دول عربية. ومع ذلك، سارعت دول الخليج إلى إدانة الهجمات الإسرائيلية على إيران.يضم «مجلس التعاون لدول الخليج العربية» الإمارات والسعودية والكويت والبحرين، وسلطنة عُمان، وإمارة قطر. وفى موقف موحد، أدانت دول المجلس الهجوم الإسرائيلى الأخير على إيران، معتبرة إياه «انتهاكًا صارخًا للقانون الدولى وميثاق الأمم المتحدة»، و«عدوانًا غاشمًا يهدّد أمن المنطقة واستقرارها». ولعلك تتذكر أننا كنا قد أوضحنا، أمس، أن العدوان، الذى اختارت له إسرائيل اسم «الأسد الصاعد»، يمثل، فى رأينا، ورأى الدولة المصرية وكل عقلاء هذا الكوكب، تصعيدًا إقليميًا سافرًا بالغ الخطورة، وانتهاكًا فاضحًا للقانون الدولى والميثاق الأممى، وتهديدًا مباشرًا للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.ناقلًا موقف دول مجلس التعاون الخليجى، أجرى جاسم البديوى، الأمين العام للمجلس، اتصالًا تليفونيًا مع عباس عراقجى، وزير الخارجية الإيرانى، أكد خلاله رفض استخدام القوة، وشدّد على ضرورة انتهاج الحوار لحل الخلافات، وقال إن الهجوم الإسرائيلى «يعوق جهود تهدئة الوضع والتوصل إلى حلول دبلوماسية»، ودعا المجتمع الدولى ومجلس الأمن إلى «تحمل مسئولياتهما»، لوقف هذا العدوان فورًا و«تجنب التصعيد الذى قد يشعل صراعًا أوسع، ستكون له عواقب وخيمة على السلم الإقليمى والدولى».هذا الموقف، لم يكن جديدًا، أو مفاجئًا، إذ سبقته إدانة جماعية، أعربت عنها دول الخليج العربى إزاء ما وصفتها الحكومة الإسرائيلية بالهجمات «الدقيقة والمحددة» على أهداف إيرانية، أواخر أكتوبر الماضى. ووقتها اتفقت الدول الشقيقة الست، فى بيانات أصدرتها على عدة نقاط، أهمها «إدانة الهجوم العسكرى الذى تعرضت له إيران»، و«رفض انتهاك سيادة الدول ومخالفة القوانين والأعراف الدولية»، و«رفض استمرار التصعيد فى منطقة الشرق الأوسط، وتوسيع رقعة الصراع القائم».العلاقات بين إيران ودول الخليج، مرت منذ الثورة الإيرانية، سنة ١٩٧٩، بسلسلة من التحولات، تراوحت بين التصعيد والانفراج، أو تأرجحت بين التصاعد والتنازل، وصولًا إلى حالة من الهدوء النسبى، حققتها «سياسة بناء الثقة»، التى انتهجها الرئيس الإيرانى الراحل إبراهيم رئيسى، منذ توليه الرئاسة، سنة ٢٠٢١، مدعومًا بجهود دبلوماسية من سلطنة عمان، ورغبة سعودية إماراتية كويتية فى تحسين العلاقات، وخمس جولات من المفاوضات، غير المباشرة، بين الرياض وطهران، استضافتها العاصمة العراقية بغداد، قادت أو مهّدت الطريق إلى اتفاق استئناف العلاقات السعودية الإيرانية.اتفاق استئناف العلاقات بين السعودية وإيران، الذى تم الإعلان عنه فى ١٠ مارس ٢٠٢٣، جرى برعاية أو بوساطة صينية، ونقل العلاقات بين البلدين من حافة الهاوية إلى شاطئ التسوية، وكسر ارتباطها بالتفاهم الإيرانى الأمريكى، الذى كتبنا وقتها أنه «قد يحدث قريبًا.. وقد لا يحدث أبدًا». ولعلك تتذكر أن مصر كانت قد أكدت أنها تابعت، باهتمام، الاتفاق بين البلدين، وأعربت، حسب بيان أصدرته رئاسة الجمهورية، عن تقديرها هذه الخطوة المهمة، وتثمينها التوجه، الذى انتهجته السعودية، وتمنّت أن يكون لهذا التطور مردود إيجابى إزاء سياسات إيران الإقليمية والدولية، وأن يشكّل فرصة سانحة لتأكيد توجهها نحو انتهاج سياسة تراعى الشواغل المشروعة لدول المنطقة، بما يعزز فرص التعاون وتوطيد التواصل الإيجابى فيما بينها، من أجل رسم مسار للعلاقات يلبى آمال شعوب المنطقة فى الازدهار والتقدم… وتبقى الإشارة إلى أن الرئيس الإيرانى الحالى مسعود بزشكيان عمل منذ توليه المنصب، فى يوليو الماضى، على تخفيف حدة التوترات الإقليمية، وتعزيز التعاون مع دول الخليج العربى، والدول العربية إجمالًا، التى ركزت، من جانبها، على الانتقال من التنافس الجيوسياسى إلى التعاون الاقتصادى، والحفاظ واتباع سياسة تصفير المشكلات، بدلًا من العزف على الخلافات والصراعات.