دراسة مُثيرة حول “الإخوان”: الولاء للجماعة قبل الوطن والعمليات الإرهابية تُعتبر “جهادًا من أجل السلطة”

دراسة مُثيرة حول “الإخوان”: الولاء للجماعة قبل الوطن والعمليات الإرهابية تُعتبر “جهادًا من أجل السلطة”

أعد المستشار الدكتور محمد عبدالوهاب خفاجى، نائب رئيس مجلس الدولة، دراسة فى غاية الأهمية تحمل عنوان: «الإخوان: التاريخ السرى لتنظيم استخدم الدين لهدم الدولة».الدراسة الحديثة تتناول الأبعاد التاريخية والسياسية والدينية المتعلقة بجماعة «الإخوان» الإرهابية، منذ تأسيسها عام ١٩٢٨ على يد حسن البنا، وتحلل الأساليب التى استخدمتها الجماعة لتطويع الدين لأغراض سياسية. وتحلل الدراسة التى تنشرها «الدستور» فى السطور التالية، جذور أيديولوجيا العنف لدى «الإخوان»، وبنية التنظيم، والتمويل العابر للحدود والاختراق العالمى، إلى جانب أبرز الجرائم المرتكبة محليًا وعالميًا باسم «المشروع الإسلامى»، وتقييم أثرها على المجتمعات والدول. وتكشف الدراسة تفاصيل إقدام الجماعة الإرهابية على إنشاء جناح عسكرى عُرف باسم «النظام الخاص»، وهو عبارة عن تنظيم مسلح سرّى، نفذ العديد من العمليات الإرهابية، منذ الثلاثينيات حتى السنوات القليلة الماضية، بالتزامن مع اعتمادها على مبدأ «السمع والطاعة»، الذى حوّلها إلى كيان شبه عسكرى، يرتكز على الولاء للتنظيم دون الولاء للأمة أو الوطن. «السمع والطاعة» حوّل الجماعة إلى كيان شبه عسكرى تأسست جماعة «الإخوان» فى مدينة الإسماعيلية، عام ١٩٢٨، على يد حسن البنا، مدرس اللغة العربية، فى سياق سياسى واجتماعى شديد الاضطراب، بعد سقوط الخلافة العثمانية عام ١٩٢٤.مَثَل هذا الحدث بالنسبة لـ«البنا» انهيارًا للمرجعية الإسلامية الجامعة، وفتح الباب أمام مشاريع التغريب فى العالم الإسلامى، بعدما استغلت الجماعة شعورًا عامًا بالإحباط القومى والدينى، وسعت لملء الفراغ بهوية إسلامية جديدة.هذا بالنسبة لتأسيس الجماعة وظروف نشأتها فى مصر ما بين الحربين. أما عن البنية الفكرية، اعتمد فكر الجماعة على مبدأ «شمولية الإسلام»، أى أن الإسلام ليس دينًا فحسب، بل نظام حكم واقتصاد وثقافة وحياة يومية.روّج حسن البنا لفكرة أن الإسلام يُعالج كل شئون الحياة، ما أوجد تصورًا بأن إقامة «دولة إسلامية» هو واجب دينى، وهو الطرح الذى كان اللبنة الأولى فى دمج «الدعوى» بـ«السياسى».وعن البناء التنظيمى، نجد أن الجماعة أنشأت ما يسمى «النظام الخاص»، ابتداء من أواخر الثلاثينيات، وهو تنظيم مسلح سرى، كانت مهمته تنفيذ العمليات النوعية وعلى رأسها الاغتيالات، والتحريض ضد الوجود البريطانى والخصوم المحليين.واتُهم هذا الجهاز لاحقًا بتنفيذ عمليات تصفية جسدية لخصوم سياسيين، بمن فيهم قضاة ووزراء، مثل القاضى أحمد الخازندار، ورئيس الوزراء محمود النقراشى، وهو النهج الذى استمرت عليه الجماعة، ولم تغيره حتى فى الألفية الجديدة، عبر اغتيال النائب العام الأسبق، المستشار هشام بركات.بُنيت جماعة «الإخوان» على فكر سياسى دينى مغلق، وفى هذه المرحلة، لم تنشأ الجماعة كمجرد حركة دينية دعوية، بل كتنظيم سياسى ذى طابع أيديولوجى واضح، يهدف للوصول إلى الحكم. اعتمدت «الإخوان» على «الهيكل الحركى المغلق»، وتبنت مبدأ «السمع والطاعة»، الذى حوّلها إلى كيان شبه عسكرى، يرتكز على الولاء للتنظيم أكثر من الولاء للأمة أو الوطن.ولا ريب أن هذا النموذج التنظيمى أسس لفكرة أن «الغاية تبرر الوسيلة»، ما دام الهدف فى ظاهره هو «نُصرة الإسلام»، كما فُهِم داخل الجماعة. هكذا رأينا كيف تلاعبت جماعة «الإخوان» بالدين لخدمة مشروعها السياسى، وكيف أن اختلاط العقيدة بالسياسة أنتج عنفًا واضطرابًا اجتماعيًا واسعًا. الخلاصة مما سبق، أن تفكيك فكر جماعة «الإخوان» يكشف عن بنية أيديولوجية مغلقة، تستخدم الدين غطاءً لتحقيق مكاسب سلطوية لا علاقة لها بالمبادئ الإسلامية الأصيلة. اتخذت من «فقه الضرورة» غطاءً للعنف وتبرير الدم تبنت جماعة «الإخوان» العنف كأداة للتغيير السياسى، فى الفترة من ١٩٢٨ إلى ١٩٤٥، وهو ما ظهر فى الاغتيالات السياسية لكل من «الخازندار» و«النقراشى» على سبيل المثال.وشهدت مصر خلال الأربعينيات سلسلة من الاغتيالات السياسية، اتُهم فيها «النظام الخاص» التابع لجماعة «الإخوان»، أو قُل تنظيمها المسلح السرّى، كان من بينها اغتيال القاضى أحمد الخازندار، فى عام ١٩٤٨، بسبب أحكامه ضد أعضاء الجماعة.لم تكتفِ «الإخوان» بذلك، واغتالت رئيس الوزراء المصرى، محمود النقراشى، فى نفس العام، بعد قراره حل الجماعة، وهو ما يعبر عن تحولها إلى العنف الصريح، وتخليها عن العمل السلمى.وأهم حدث يدل على عنف الجماعة وإرهابها منذ القرن الماضى، كان محاولة اغتيال الرئيس الأسبق جمال عبدالناصر، التى كشفت عن التنظيم السرى لـ«الإخوان»، وعلاقته بالمشروع السياسى.ونفذت جماعة «الإخوان» محاولة فاشلة لاغتيال «عبدالناصر»، أثناء إلقائه خطابًا بميدان المنشية بالإسكندرية، فى أكتوبر ١٩٥٤. وأشارت التحقيقات إلى أن عناصر من «النظام الخاص» للجماعة كانت وراء العملية، التى جاءت فى سياق صراع على النفوذ بين الجماعة ومجلس قيادة الثورة.ويرتبط عنف وإرهاب «الإخوان» بـ«أيديولوجيات دينية»، وهو ما ظهر فى استخدام الجماعة الجهاد كغطاء أيديولوجى للعنف، إلى جانب اعتمادها، منذ نشأتها، على توظيف مفاهيم الجهاد بشكل سياسى.الجهاد لدى «الإخوان» لم يكن أداة للدفاع، بل تحول إلى وسيلة للتغيير السياسى والعسكرى، والجماعة أعادت تفسيره ليبرر العمليات المسلحة ضد من يُعتبرون «خصوم الإسلام»، سواء كانوا سياسيين أو إداريين أو حتى رجال أمن. وقد تم التأسيس لهذا المفهوم من خلال أدبيات الجماعة، خاصة فى رسائل حسن البنا وخُطب سيد قطب لاحقًا. واتخذت الجماعة من «فقه الضرورة» وسيلة لتبرير العنف والعمليات المسلحة، مع تجاوز القواعد الشرعية لما يخدم مصلحة التنظيم، إلى جانب استخدام الفتاوى الداخلية كأداة لتبرير الاغتيالات والتفجيرات. واعتمدت «الإخوان» تأويلات خاصة لنصوص قرآنية، مثل آية «وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة»، قبل أن توظف هذا الفهم الخاطئ فى سياق الصراع السياسى، وليس الجهاد المشروع. هذا التوظيف سمح بإلباس العنف ثوبًا دينيًا، ما مهّد لتحول خطير فى مسار الحركات الإسلامية لاحقًا.