«إنسانولوجي».. ذوو الإعاقة الحركية يبدعون على المسرح

نجح فريق عمل المشروع المسرحى «أحلام مشبكة للفنون الأدائية الدامجة» فى تحقيق هدفه بصناعة عرض مسرحى يدمج ذوى الإعاقة الحركية، ويمنح لهم مساحة آمنة للإبداع، وأثمر المشروع عن مسرحية «إنسانولوجى»، التى تستعرض حكاية الإنسان فى القرن الحادى والعشرين، بكل ما يحمله من تناقضات وهشاشة وقوة. أسست المشروع رشا آرنست، بالتعاون مع المخرجة والمدربة ريهام رمزى، والعرض يضم الفنانين: إيمان حسين وحسين رمضان ومى مصطفى وياسمين سليمان ومادلين أشرف ومحمود أحمد وبسنت رمضان وفاطمة سلفاب «من السودان»، وأمل ألماظ وهدى عبدالرحمن وباسم حسين «من فلسطين» ودينا أشرف وسيزا سوركتى «من السودان»، ومحمد سبيع ونور الهدى وبسمة الشريف، وتعليق صوتى أبانوب زكريا، وإضاءة عمر شيرين، ومساعدا الإخراج شيماء فوزى وطوسون عبدالحميد. «الدستور» حاورت مجموعة من عناصر الفريق، لمعرفة سر نجاحهم، وخططهم المستقبلية.رشا آرنست: نحتفى بالتنوع والاختلاف.. ونقدم «مساحة آمنة» لذوى القدرات الجسدية المختلفةرشا آرنست، مؤسس وصاحب فكرة مشروع «أحلام مشبكة»، تعمل فى مجال الإدارة والتنمية الثقافية منذ أكثر من ١٥ عامًا، وتحاضر بشكل دائم بدبلوم التنمية الثقافية، بكلية الآداب جامعة القاهرة، وبسبب طبيعة عملها تولت مراجعة وتقييم مشروعات ثقافية دامجة كثيرة، وكانت دائمًا تتمنى تنفيذ نموذج داعم للفنانين ذوى القدرات الجسدية المختلفة، والذى يعطيهم المساحة الحرة للتعبير.وقالت «رشا»: «هذا ما دفعنى لتأسيس فرقة مسرح دامجة، واشتبك حلمى مع حلم صديقتى الفنانة ريهام رمزى، التى كان لديها حلم بإطلاق مشروع ثقافى يتجول فى أماكن كثيرة، واتفقنا أن نعمل معًا على المشروع، واخترنا الاسم».وأضافت: «قدمت الفكرة فى مسابقة الصندوق العربى للثقافة والفنون (آفاق)، فى نهاية ٢٠٢٤، وبالفعل فزت بالجائزة لتنفيذ الحلم».وأوضحت: «المشروع يضم ١٨ عضوًا أغلبهم من النساء، والهدف هو صناعة مساحة للتعبير الحرّ والإبداع، نسعى من خلالها لكسر الحواجز وخلق آفاق جديدة للتنوع من أجل مجتمع أكثر شمولًا تتألق فيه قدرات الجميع الفريدة».وواصلت: «نحتفى بالتنوع والاختلاف على عدة مستويات؛ منها الاختلاف الجسدى ومنها اختلاف الهويات والثقافات، ويضم الفريق ٦ من ذوى الإعاقة الحركية و٤ من السودان وفلسطين».ولفتت إلى أن الدمج الذى تستهدف تحقيقه كنموذج ريادى يبدأ من التخطيط للفكرة، وفى كل خطوة من خطوات التنفيذ «نشارك الأعضاء ونعرف احتياجاتهم وتحدياتهم.. هدفنا أن يكون الفن للجميع دون إقصاء أو تمييز». وقالت: «تسهم معنا فى التنفيذ جمعية جزويت القاهرة، التى آمنت بفكرتنا وقدمت لنا جميع التسهيلات لإجراء التدريبات والعرض بمسرح استديو ناصبيان العريق داخل الجمعية، وجرى تسهيل الوصول إلى المكان بقدر كبير من الاستقلالية للجميع».وشددت على أنه من حق كل فرد أن يصل للفنون ويتمتع ويشارك وتتاح له الفرصة كاملة للإبداع والتعبير الحرّ.. وهذا ما نسعى لتحقيقه بمشاركة كل أعضاء «أحلام مشبكة».وعن مستقبل البرنامج، أوضحت: «لدينا خطة طموحة؛ فمع نهاية تدريب الدفعة الأولى الحالية سيكون هناك عرض مسرحى ثانٍ فى أكتوبر المقبل. ونخطط أن ننطلق بالعرض المسرحى من القاهرة الى محافظتين على الأقل، ثم إلى أكثر من ذلك. مع استمرار الأعضاء الحاليين واستقبال دفعة جديدة مع بداية عام ٢٠٢٦.وأكدت أن «أحلام مشبكة» مساحة متاحة دائمًا لاستقبال إبداعات الفنانين أيًا كانت إمكاناتهم.ريهام رمزى: نتحرر من الفهم التقليدى لشكل المسرح.. ونهتم بالتجريب والتجديدأكدت المخرجة والمدربة ريهام رمزى أن الدمج بين القدرات المختلفة هو جوهر الخلق الإبداعى فى الفن المسرحى، موضحة: «الدمج يحررنا من الفهم التقليدى لشكل المسرح، ويفتح لنا مساحات أرحب للتجريب والتجديد، ويمنحنا رؤى ومعانى مختلفة للواقع». وشددت على أن الدمج لا يضيف فقط بعدًا إنسانيًا، بل يمثل مصدر إلهام وبحث للعاملين فى العمل المسرحى، بما يحمله من طاقات وتعبيرات متنوعة تثرى العملية الإبداعية. وعن فكرة العرض، قالت: «الخيال والإبداع غريزة إنسانية لا تقل أهمية عن الأكل والنوم والمسكن.. وهى التى تبنى الحضارات والمجتمعات.. كل إنسان يبدع فى حياته اليومية، وهذا الإبداع قد يكون مسرحًا أو أغنية أو لحظة سينمائية، ومن هنا انطلقت فكرة العرض».وأوضحت: «الفكرة هى تحويل اليومى والعادى إلى مادة مسرحية؛ فحياتنا اليومية مليئة بلحظات روتينية وأحداث ملحمية، من صراعات محلية لحروب عالمية.. والسؤال هو أين الإنسان من كل ذلك؟». وأكملت: «بهذا المنظور، جاء عرض (إنسانولوجى) كعمل أدائى دامج، يستعرض حكاية الإنسان فى القرن الحادى والعشرين، وهو كائن نجا من الطبيعة، لكنه بالكاد ينجو من نفسه.. عرض عن الإنسان بكل تناقضاته، يرصد أحلامه وضعفه وقوته.. من أول نظرة لآخر همسة على الخشبة.. العرض يحكى حكايتنا كلنا، ولكن بطريقتنا نحن».وتابعت: «يضم العرض مجموعة من الفنانين من خلفيات وتجارب متنوعة، ويركز على الاختلاف باعتباره مصدر قوة، وعلى الشمول كمبدأ أساسى.. هناك ضحك ودموع ولحظات ستشعر أنها تحدث بداخلك».وعن مدة التحضير والبروفات، قالت: «الفريق عمل على مدى خمسة أشهر، بواقع ٦٦ ساعة من اللقاءات، للتدريب على المسرح الجسدى والتعارف واستكشاف الأجسام وحكايات المشاركين، عبر منهجية قائمة على الارتجال».وذكرت أن طول أو قصر العملية الإبداعية لا يرتبط بفكرة الدمج فى حد ذاته، لكن يعتمد على ديناميكية المجموعة، وروح الإبداع، وهنا يأتى دور التحضير الجيد لما قبل التدريب والخلق الفنى.ياسمين سليمان: ألعب شخصية قطة بلدىقالت الفنان ياسمين سليمان إنها جسدت شخصية «قطة بلدى»، موضحة: «أقدم شخصية قطة شارع بسيطة، ضمن مشهد مستوحى من فكرة برنامج (ذا فويس)، إذ تدخل هذه القطة المسابقة بهدف الفوز على قطة شيرازى أنيقة، فى منافسة تمثل الفارق بين الحظوظ والواقع القاسى».وأوضحت: «القطة البلدى مرت بتجارب صعبة فى الشارع، وكانت تحاول كسب المسابقة ليس لتثبت نفسها، ولكن لتجد طعامًا لأولادها.. كان مشهدًا يمزج بين الألم والطموح، وغنيت (إسكتش) خاص داخل العرض».وأضافت: «أما فى بقية العرض، فكنت أشارك فى التشكيلات الحركية بالقدر الذى تسمح به حالتى الجسدية؛ فأنا من أصحاب الهمم، ولدى إعاقة تجعلنى لا أستطيع الجلوس أو الوقوف بسهولة أو الجرى. لكن كنت حريصة على أن أكون جزءًا من الصورة العامة، وشاركت فى الحركات داخل نطاق قدرتى الحركية». سيزا سوركتى: أجسد «طفلة أنانية».. وأرقص بتناغم تام مع زميل على كرسى متحرك قدّمت الفنانة السودانية سيزا سوركتى أداءً لافتًا فى عرض «إنسانولوجى»؛ إذ جسّدت دور طفلة تعيش صراعًا داخليًا وخارجيًا، يعكس ما ينشأ بين الأطفال من خلافات ناتجة عن أنماط تربية غير متوازنة. وقالت «سيزا»: «أجسد شخصية طفلة أنانية، تربّت على أن كل شىء يجب أن يكون لها، فصار الصراع جزءًا من لعبها، ينتهى دومًا بخلاف أو عراك»، مضيفة أن ما جسدته على الخشبة ليس مجرد خلافات صغار، بل صورة مكثّفة لصراعات الحياة بأكملها، مشيرةً إلى أن أحدًا لا يوقف هذا الاحتدام بقول: «أنتم إخوة، هذا لا يليق».وواصلت: «الصراع يولّد الكراهية، تمامًا كما يحدث بين اثنين يتنازعان على السلطة، فلا يفكران سوى فى كيفية إيذاء بعضهما»، لافتة إلى أن الإنسان ربما طُبع على الصراع منذ البداية. وقالت: «هذه أول تجربة لى فى عرض مسرحى دامج، وقد كانت نقطة تحول فى مسيرتى؛ شعرت من خلالها بأن الإعاقة لا تمنع الإبداع، وأن الإرادة هى المحرك الحقيقى. هذا العمل قرّبنى من أشخاص مختلفين، وجعلنى أفهم كيف يعيشون ويتعاملون مع الحياة بإصرار ووعى».وأشارت إلى أن «فى البداية كانت لدى مخاوف من فكرة الرقص مع شخص يستخدم كرسيًا متحركًا، كنت خائفة من أن يتعرض لأذى، لكن المدربة، بخبرتها وحسها الإنسانى، نجحت فى تدريبنا بمهارة عالية، وبنت بيننا علاقة ثقة قوية. أصبحنا نشعر ببعضنا البعض، نفهم ونصغى بانسجام، ومع مرور الوقت تولّد بيننا تناغم حركى عميق ومعبر». ولفتت إلى أن «إنسانولوجى» من أقرب العروض إلى قلبها؛ لأنه جعلها تلمس بصدق قدرة الفن على جمع البشر مهما اختلفت قدراتهم وظروفهم، مؤكدة: «لقد اختبرنا كيف يمكن للجسد والإحساس أن يتواصلا بلغة واحدة تتجاوز الحواجز، وتفتح أبوابًا جديدة للفهم والإبداع».