من غزة إلى إيران: أخطاء نتنياهو تعزل إسرائيل وتظهر للعالم جانبها المظلم

أكدت صحيفة “الجارديان” البريطانية، أن ما يحدث الآن في الشرق الأوسط ما هو إلا امتداد للتاريخ، حيث كان السلام الإقليمي حقيقة مبنية على توازن هش قابل للانهيار في أي لحظة، فهذا التوازن خلق بسبب مجموعة من العوامل التي أدت إلى الاستقرار الوهمي، وجاءت حكومة الاحتلال الإسرائيلي بقيادة بنيامين نتنياهو المتطرفة لتنسف هذا التوازن الوهمي، مدفوعة بأجندة سياسية بحته.وأشارت إلى أن نتنياهو لديه مصالح شخصية من إشعال الحروب في الشرق الأوسط، فضلًا عن إعادة صياغة مستقبل المنطقة بشكل أحادي دون شرح واضح ودون رغبة في فرض ضوابط.
انهيار صورة إسرائيل الدولية وواشنطن تفقد مصداقيتها بسبب جرائم نتنياهو
وأشارت الصحيفة إلى أن أهم ركائز الوضع القائم كانت سياسة تقليص حقوق الفلسطينيين إلى الحد الأدنى المقبول بالنسبة لجميع الأطراف باستثناء الفلسطينيين أنفسهم، حيث نجحت القوى العالمية الكبرى في تحييد القضية الفلسطينية جزئيًا، حتى جاء الهجوم الإسرائيلي على غزة ليكشف للعالم المواقف الحقيقية والوجه القبيح لإسرائيل وليعيد شبح النكبة إلى الواجهة.وأضافت أنه منذ دخول إيران على خط المواجهة، ومع شعور إسرائيل بأنها محصنة من المحاسبة، تبددت الحدود وأصبح من المستحيل العودة إلى الوراء.وأشارت إلى أنه تمدد مبررات إسرائيل إلى حدود يصعب تصديقها، زاد من تشويه صورة إسرائيل أمام العالم وفاقم عزلتها الدولية، فباسم حماية اليهود، وباعتبار إسرائيل شريكًا استراتيجيًا في منطقة حساسة، منحتها الولايات المتحدة وغيرها من الحلفاء تفويضًا مفتوحًا للدفاع عن نفسها، لكن هذا التفويض كان مشروطًا بردود متناسبة لا تزيد من زعزعة الاستقرار، وهو ما لم تلتزم به إسرائيل، بل ذهبت أبعد من ذلك، فحوّلت التهديدات إلى أدوات هجومية، وأصبحت بذلك مصدر تهديد أساسي لأمنها الذاتي ولأمن المنطقة بأكملها.
ويعتمد دعم الحلفاء أيضًا على شرط الشفافية والنوايا الصادقة في إدارة الصراع، لكن نتنياهو حطّم هذه الثقة، حين استغل الحرب لتعزيز شعبيته السياسية الداخلية، لا يكتفي نتنياهو بجعل الإسرائيليين أقل أمانًا، بل يستغل هذا الخوف لتثبيت نفسه في موقع الحامي، في مشهد يعيد إنتاج الخوف لمصالحه.
انهيار العلاقات الإسرائيلية الغربية
وأشارت الصحيفة إلى أن العلاقات بين إسرائيل وحلفائها الغربيين تعرضت لاختبار صعب مع استمرار المجازر في غزة، وسط تزايد الضغوط الشعبية الناتجة عن مشاهد الأطفال الجياع والمستشفيات المحترقة والأكياس السوداء التي تضم جثث الضحايا، لكن في لحظة كانت فيها إسرائيل تحت وطأة هذا الضغط، فتحت جبهة جديدة ضد إيران، في محاولة لإعادة صياغة سردية الصراع: إسرائيل كضحية مرة أخرى، تواجه عدوًا عدوانيًا، وتطلب دعمًا من حلفائها.وأضافت أن بعد تصعيد الحرب مع إيران فجأة وبدون مبررات، تراجعت العناوين المتعلقة بغزة وحكايات الموت جوعًا أو إطلاق النار على من يصطفون في طوابير الإغاثة. وتلاشت أخبار الضربات الإسرائيلية المتواصلة على الضفة الغربية والتوسع في بناء المستوطنات، كما اختفت الدعوات التي كانت تتصاعد للمطالبة بهدنة أو زيادة المساعدات، ليعود الخطاب المألوف الذي يُطالب بـ”ضبط النفس”، وكأن ساعة الحرب أعيد ضبطها.وفي ما يخص الهجمات على إيران، يبدو أن إسرائيل استعارت منطق غزو العراق، مبررةً تصعيدها باعتبارات أمنية تستند إلى معلومات استخباراتية لا يمكن التحقق منها. والسؤال هنا: ما مدى جدية هذا التهديد؟ ومن الذي يمتلك صلاحية تقرير ما إذا كانت الضربة الوقائية مبررة؟ ومن يمتلك الحق في الرد على عدوان أحادي غير مشروع؟وأكدت الصحيفة أن إيران انتهكت التزاماتها ضمن معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية، لكن إسرائيل نفسها لم توقّع قط على هذه المعاهدة.وتابعت أنه في السابق، كان يمكن تجاوز هذه التناقضات، لأن إسرائيل والولايات المتحدة اعتُبرتا “الطرف الخيّر”، فيما صُنفت إيران ضمن “محور الشر”، غير أن تآكل مصداقية واشنطن وتل أبيب كطرفين نزيهين في المعادلة الأمنية، ومع التدهور في التزامهما بالقانون الدولي، باتت حملاتهما العسكرية محل شك واسع.وتابعت أن الحرب الحقيقية التي تخوضها إسرائيل تكمن في أن إيران لا تزال تملك قدرًا من الإرادة السياسية والقدرة العسكرية لا يمكن لإسرائيل تجاهله، ومع تراجع مصداقية تل أبيب، يصبح لزامًا عليها أن تُضعف إيران على المستويين السياسي والعسكري.