مصر تتبنى موقفًا حكيمًا

قدر مصر أن تقع فى قلب المنطقة المضطربة حاليًا، ولكنها تتنقل ببراعة عبر تضاريسها السياسية المعقدة، وتقدم نموذجًا فريدًا من الحكمة وضبط النفس، خاصة فى مواجهة الحرب المتصاعدة بين إسرائيل وإيران. ولطالما التزمت الدبلوماسية المصرية بمبادئ خفض التصعيد، والحوار والبحث عن حلول سلمية، مسترشدة بتاريخ طويل من الخبرة فى إدارة الأزمات الإقليمية. إن موقف القاهرة فى ظل الحرب الأخيرة بين تل أبيب وطهران ليس استثناء، بل هو شهادة على التزامها الثابت بالاستقرار الإقليمى ومنع نشوب صراع أوسع. إن جذور هذا الموقف الحكيم تمتد عميقًا فى العقيدة الاستراتيجية المصرية، التى تدرك أن أى مواجهة عسكرية كبرى فى المنطقة ستكون لها عواقب وخيمة، ليس فقط على الأطراف المتنازعة، بل على المنطقة بأسرها، بما فى ذلك مصر نفسها.إن الاقتصاد المصرى، الذى يعتمد بشكل كبير على الاستقرار الإقليمى وجذب الاستثمار، سيكون عرضة بشكل خاص للاضطرابات الناجمة عن أى حرب إقليمية، ولذلك فإن الحفاظ على قنوات اتصال مفتوحة، والدعوة إلى ضبط النفس، والعمل خلف الكواليس لتخفيف حدة التوترات، لم تكن مجرد خيار لمصر، بل ضرورة استراتيجية.وفيما يتعلق بالحرب الإسرائيلية الإيرانية، فإن الموقف المصرى يتأثر أيضًا بالدرس التاريخى المستفاد من الصراعات السابقة. إن الذاكرة الجماعية المصرية للصراعات السابقة تعزز قناعتها الراسخة بضرورة تجنب التصعيد العسكرى. كما أن الموقف المصرى لا يقوم على الحياد السلبى، بل على حياد إيجابى وبنّاء يسعى بنشاط إلى إيجاد نقاط التقاء، وتقليل الاحتكاكات، وتشجيع الحوار العقلانى. هذا النهج يضمن أن تظل مصر جسرًا للتواصل، وليس طرفًا فى الصراع، ما يسمح لها بالحفاظ على مصداقيتها وقدرتها على التأثير فى جميع الأطراف المعنية.إن تركيز مصر على الاستقرار الإقليمى ينبع أيضًا من رؤيتها الأوسع للأمن القومى. فمصر تدرك أن أمنها لا يمكن فصله عن أمن محيطها الإقليمى، وأى صراع فى المنطقة يمكن أن يهدد الممرات الملاحية الحيوية، ويؤثر على إمدادات الطاقة العالمية، ويؤدى إلى تدفقات للاجئين، وبالتالى فإن الجهود المصرية لوقف الحرب بين إسرائيل وإيران ليست مجرد لفتة دبلوماسية، بل هى عنصر أساسى فى استراتيجيتها الشاملة للحفاظ على أمنها وازدهارها. كما أن التزام مصر بالقانون الدولى وميثاق الأمم المتحدة يلعب دورًا مهمًا فى تحديد موقفها. فهى تدعو دائمًا إلى حل النزاعات بالوسائل السلمية، ورفض استخدام القوة، واحترام سيادة الدول. هذا الالتزام بالمبادئ الأساسية للعلاقات الدولية يمنح الموقف المصرى ثقلًا أخلاقيًا وسياسيًا، ويعزز من دورها كوسيط موثوق به فى الأزمات الإقليمية.بالإضافة إلى ذلك فإن البعد الاقتصادى يلعب دورًا لا يستهان به فى تحديد الموقف المصرى. فمصر تمر بمرحلة دقيقة من التنمية الاقتصادية، وتسعى جاهدة لجذب الاستثمارات الأجنبية، وتعزيز السياحة، وتوسيع قاعدتها الصناعية. وأى صراع إقليمى واسع النطاق من شأنه أن يعرقل هذه الجهود بشكل كبير، ويؤدى إلى هروب رءوس الأموال، وتراجع السياحة، وزيادة تكاليف الشحن والطاقة.إن الموقف المصرى الحكيم الذى يقوم به الرئيس عبدالفتاح السيسى يسعى إلى احتواء التصعيد ووقف الحرب، وهو فى جوهره موقف يهدف إلى حماية مصالح مصر الاقتصادية الحيوية وضمان استقرارها الاجتماعى، كما أن مصر تدرك أن الحرب ليست حلًا لأى مشكلة، بل هى سبب لمشاكل أكبر. فالحرب تولد دائرة من العنف، وتغذى التطرف، وتدمر البنية التحتية، وتخلف وراءها إرثًا من المرارة والكراهية. ولذلك فإن الدبلوماسية المصرية تركز دائمًا على البحث عن بدائل للحرب، وتشجيع الحوار، وبناء الثقة بين الأطراف المتنازعة.إن موقف مصر الحكيم من الحرب الإسرائيلية الإيرانية هو نتاج مزيج من الخبرة التاريخية، والرؤية الاستراتيجية، والمصالح الوطنية الحيوية. فمصر تظل عامل استقرار لا غنى عنه فى المنطقة، وإن التزامها بالدبلوماسية، وخفض التصعيد، والبحث عن حلول سلمية تعكس فهمًا عميقًا لتعقيدات المنطقة ومخاطر التصعيد العسكرى. وفى عالم تتزايد فيه التوترات، يقدم النهج المصرى نموذجًا يمكن الاقتداء به، وهو نموذج يؤكد أهمية الحكمة، وضبط النفس، والسعى المستمر نحو السلام والاستقرار الإقليميين.