المعارضة الإيرانية: مشاهد متقطعة تسعى لإيجاد قيادة موحدة

سوف افترض جدلا ان اسرائيل وامريكا قد نجحا في إسقاط نظام الحكم في إيران سواء بالحرب أو بإشعال احتجاجات داخلية، هنا سوف نجد السؤال هل هناك تيار معارض جاهز فعلًا لاستلام الحكم في إيران ؟ الإجابة معقدة، توجد قوى معارضة متنوعة، لكنها تعاني من تشرذم عميق وضعف التنظيم الداخلي وغياب القيادة الجامعة والقدرة على الحشد الآمن.
كنا نسمع عن المنظمة الشهيرة ولكنها مرفوضة داخليا، إنها منظمة مجاهدي خلق (MEK) التي تضم أبرز المعارضين المسلحين سابقًا وهي في المنفى حاليا، منظمة خلق لديها هيكل تنظيمي هرمي صارم القيادة فيها لمسعود رجوي وزوجته مريم.
كنا نتابع مؤتمراتهم في باريس وغيرها وننتظر رد الفعل في الداخل الإيراني ولكننا لم نجد، وبالرغم من توجهها الفكري نحو العلمانية وهو ما يغري الغاضبين من حكم الملالي ورجال الدين في إيران، إلا أن الداخل الايراني يبحث عن معارضة تنتمي الداخل، معارضة عانت ما عاناه الشعب وتفهم معنى القهر واهمية الحرية.
منظمة خلق تبنت في الماضي العنف ضد النظام الحالي بل وضد الشاه سابقًا، وربما ترجع عزلتها عن الداخل الإيراني بسبب تعاونها مع صدام حسين أثناء الحرب العراقية الإيرانية، مما أفقدها الدعم الشعبي داخل إيران بشكل كبير.
ولكن لكونها كما اسلفنا تحتفظ ببناء تنظيمي صارم نجد أنها تحظى بدعم بعض المحافظين الأمريكيين.
مشكلتها الرئيسية عدم وجود قاعدة شعبية حقيقية داخل إيران، واعتبارها من قبل كثيرين خارجة عن الإجماع الوطني.
لذلك لا نجد في إسقاط حكم خامنئي مكسبا من خلال إحلال حكم مدني وإن كان هناك تيار باهت يسمى ب
“الملكيون” أو (البهلويون) نسبة إلى الشاهنشاه محمد رضا بهلوي، هذا التيار الضعيف يجد من يدعو لعودته وعودة النظام الملكي برئاسة رضا پهلوي (ابن الشاه الأخير) المقيم خاليا في الولايات المتحدة.
وقبل أن نقرر مستقبل هذه الدعوة من المهم أن نعرف بأن توجه البهلويون هو توجه ليبرالي علماني، ويعتمد في جماهيره على الحنين لبعض شرائح الجالية الإيرانية في الخارج وكبار السن داخل إيران، وعلى عكس منظمة خلق نجد أن مشكلة الملكيون هي ضعف التنظيم الداخلي، وغياب برنامج سياسي واضح يليق بالقرن 21، فضلا عن ان هناك وشكوك كبيرة حول قبولهم جماهيريًا داخل إيران، مع ملاحظة أننا لم نشهد على مدار التاريخ ملكية سقطت ثم عادت للحكم باستثناء النموذج الإسباني الذي عاد وفق شروط لها ظروفها.
ثالث التيارات المتاحة على الساحة السياسية الايرانية هم ما يمكن أن نطلق عليهم القوميون والجمهوريون وهم بالطبع علمانيون منتشرون في تيارات متنوعة كتجمع “اتحاد القوى الوطنية” الذي يرفض نظام ولاية الفقيه ويدعو لإقامة جمهورية ديمقراطية علمانية، والتوجه السياسي لهذا التيار هي الليبرالية أو اليسارية المعتدلة، ومشكلة هذا التيار كما في كل أحزاب اليسار هي مشكلة التشرذم الكبير وغياب قيادة كاريزمية موحدة، وصعوبة العمل الآمن داخل إيران.
يبقى حل أخير وهو المعارضة الإصلاحية من الداخل والتي تمثلها شخصيات مثل مير حسين موسوي ومهدي كروبي (قادة الحركة الخضراء 2009) وهم الآن تحت الإقامة الجبرية في طهران، ويمكن اضافة اسم محمد خاتمي لهم، حيث يدعو هؤلاء لإصلاح النظام من داخله، وليس إسقاطه.
إذن ما هي مشكلة جماعة الإصلاحيين، بالطبع القمع الشديد، وعدم رغبة قطاعات واسعة من الشباب المحتج في أي شكل من أشكال “الإصلاح” تحت مظلة النظام الحالي.
يتبقى على الخارطة معارضة الأقليات وهي حركات قومية مثل الأحواز العرب، الأكراد، البلوش، وتلك الحركات تركّز على قضاياها المحلية والحقوق القومية، أما عن مشكلتهم في البروز على السطح السياسي هي أن أنشطتهم ذات طابع، ومع قمع النظام الوحشي لهم في مناطقهم، وصعوبة التحالف مع المعارضة المركزية، نجد أنهم أضعف الحلقات المعارضة في إيران.
يبقى الرهان على الجيل الجديد الذي قاد الاحتجاجات العفوية هناك، ربما هم الأكثر أهمية خيث شباب وشابات إيران خصوصًا خارج طهران، كانوا وقود الاحتجاجات المتكررة (2017، 2019، 2022)، لا تنتمي غالبية هذه الجموع الغفيرة إلى تنظيمات سياسية قائمة، ولكن شعاراتها تتراوح بين “المرأة، الحياة، الحرية” و”يسقط الديكتاتور” بالطبع يعيب على تحركهم اعتمادهم على العفوية مع غياب القيادة والتنظيم، وصعوبة تحويل الغضب إلى برنامج سياسي بديل متماسك.
المعارضة الإيرانية موجودة وقوية في سخطها، لكنها مشتتة وضعيفة التنظيم في الداخل، وتفتقر للقيادة وغياب البديل السياسي الموحد المقنع للغالبية.
ولذلك تبقى المعركة الحقيقية للتغيير في إيران تدور رحاها في شوارع إيران وقلوب وعقول الإيرانيين، وكل ما عداها هو ظلال على الجدار.