فضيحة وهجرة جماعية في إسرائيل تثير سخرية عربية: هل هي شماتة أم دعم لغزة؟

فضيحة وهجرة جماعية في إسرائيل تثير سخرية عربية: هل هي شماتة أم دعم لغزة؟

مشاهد غير معتادة خرجت من شوارع إسرائيل في أعقاب القصف الإيراني الأخير، حيث وثقت عدسات الصحفيين وبعض المدنيين لقطات لمواطنين إسرائيليين يفرون من الضربات وهم في حالة ذعر وارتباك، بل وعراة في بعض الأحيان، مما أثار موجة من التفاعل غير المسبوق على مواقع التواصل الاجتماعي، وبين من رأى فيها شماتة مشروعة انتصارا لغزة، ومن تمسك بالقيم االإنسانية بكونهم مدنيين، لتخرج تحليلات نفسية وسياسية مثيرة حول الموقف.في هذا التقرير، تنقل جريدة الدستور تصريحات للدكتور جمال فرويز، استشاري الطب النفسي، مقدما قراءة لتلك المشاهد وما أثارته من جدل واسع. 

فرويز: الشعوب لا تشمت بل تتنفس وجعا مكبوتا منذ عقود

وقال الدكتور جمال فرويز، استشاري الطب النفسي، إن ردود الفعل العربية على مشاهد الذعر في إسرائيل لا يمكن وصفها بالشماتة المجردة، بل تعبير مكثف عن تراكمات طويلة من الألم والخذلان.وأضاف: حين كانت الطائرات الإسرائيلية تقصف الأبرياء في غزة على مدار سنوات، لم نسمع صوتا عالميا يدين الإهانة لكرامة الإنسان أو يطالب بوقف المجازر، أما اليوم، حين انتقل الخوف إلى الطرف الآخر، وجدنا من يتحدث فجأة عن حقوق الإنسان وكرامة المدنيين. وأوضح فرويز، أن المشاهد الأخيرة تمثل “انكشافا” وليس فقط انهيارا نفسيا، معتبرا أن ما حدث يعبر عن تحول رمزي في ميزان التأثير المعنوي في الصراع، مفيدا بأن هذه الصور تحمل دلالة على أن من اعتاد على ممارسة القهر، بات يذوق شيئا مما زرعه في الآخرين. 

انقسام في المواقف العربية: ضمير حي أم حسابات سياسية؟

وأشار فرويز، إلى أن العالم العربي لم يتعامل مع هذه المشاهد بوصفه كتلة واحدة، بل ظهرت انقسامات واضحة بين شعوبٍ تنبض بالوجدان، وأنظمة تحسب المواقف بدقة سياسية، معقبا: في بعض الدول، هناك من يرى في أي تصدع إسرائيلي بارقة أمل أو انتصار رمزي، أما آخرون، خاصة من يتحالفون أمنيا أو اقتصاديا مع الغرب، فهم أكثر تحفظا في إظهار أي نوع من التأييد لما يحدث. ولفت إلى أن هذا الانقسام يكشف عن الفجوة العميقة بين نبض الشارع العربي وقرارات بعض الحكومات، مؤكدا أن مشاعر الغضب والتعاطف مع غزة ليست وليدة اللحظة، بل نتاج تراكم طويل من المجازر والانتهاكات التي لم تجد يوما إنصافا حقيقيا في المحافل الدولية. 

ازدواجية المعايير

يرى “فرويز” أن ردود الفعل الغربية تجاه الصور القادمة من إسرائيل كشفت مجددا عن ازدواجية صارخة في المعايير، قائلا: أين كان ضمير العالم حين كانت الصور القادمة من غزة تظهر أطفالا تحت الركام، ونساء يسحبن من بين الأنقاض؟ لماذا لم تتحرك مشاعر الإنسانية حين كانت الدبابات تدهس أجساد الأسرى، أو تقصف البيوت على رؤوس ساكنيها؟ واعتبر أن محاولة تصوير ما جرى مؤخرا في إسرائيل على أنه “مأساة كبرى”، هو استخفاف صريح بدماء آلاف الضحايا الذين سقطوا في صمت في مختلف الحروب والنزاعات التي شاركت فيها إسرائيل. ورغم حرصه على عدم الخوض في تفسيرات غيبية، فإن فرويز لم يُخفِ قناعته بأن ما حدث يعكس شكلا من أشكال “الرد الإلهي” الرمزي، قائلا: ليست مسألة شماتة، ولكن حين يذوق الجلاد شيئا مما فعله في ضحاياه، يشعر المظلومون بشيء من التوازن في ميزان العدالة الغائبة، ما رأيناه قد لا يكون كافيا، لكنه يحمل رسالة قوية مفداها: أن من اعتقد أنه فوق المحاسبة، لم يعد كذلك. واختتم فرويز بالتأكيد أن الصراع في جوهره صراع عقائدي وأخلاقي قبل أن يكون عسكريا أو سياسيا، وأن الشعوب لا تنسى بسهولة من خانوا المبادئ والمواثيق، ولو بعد حين. ما بين من رأى في تلك الصور شماتة مبررة ومن تمسك بأخلاقيات الحرب وحقوق الإنسان، يبقى المشهد الإسرائيلي الأخير علامة فارقة في الوعي العربي الجمعي، فالعدالة، ولو كانت رمزية، تسكن في وجدان المقهورين، وتكسر لأول مرة هيبة المحتل نفسيا أمام جمهور اعتاد على مشاهد العجز من الطرف العربي، أما الآن، فقد تغيرت الصورة.