الخوف على الأطفال

لا حيلة للطفل؛ ولذا فإن خوف الكبار على الصغار خوف كبير وصادق، الخوف عليهم صحيا وتعليميا، والخوف عليهم من الشوارع والأندية والملاهي والسوح الرياضية وكل الأماكن. الصحيح أن يكون الخوف طبيعيا، ومحسوبا وألا يجاوز الحد المعقول فينفلت ويكون خوفا مرضيا، والمعنى أنه لا يصح أن يمثل الخوف عليهم عبئا ثقيلا يثير قلقهم فيكبلهم ولا يسمح لهم بالانطلاق الذي يحبذونه (عادة ما يرافق الكبار الصغار في كل الجولات ويقيدونهم بالتعليمات والشروط)!
من حين إلى آخر تنتشر أخبار خطف الأطفال وأخبار أشد فظاعة تفيد باغتصابهم وقتلهم، مجتمعنا طويل وعريض، وفيه شرور ظاهرة وخفية، كما أن الظروف الاقتصادية العسيرة تدعم الإجرام في الصميم، والزحام والفوضى والضغوط المنوعة الهائلة تورث الإنسان أمراضا نفسية لا ينجو من براثنها كثيرون (من ذلك البيدوفيليا أي الولع بالصغار، والكبار المصابون بهذا الشيء يعشقون الصغار ويتربصون بهم للتحرش) وهي الأمور التي تجعل الآباء والأمهات في فزع مستمر، أما الطفل نفسه فمهما حذره المسؤولون عنه من الآخرين، ونهوه عن المشي بمفرده، وعن الميل إلى من يحاولون ملامسة جسده أو استقطابه إلى حيث لا يعلم؛ فإنه لا يبالي لأنه لا يفهم المقصود بدقة، ومن الألطاف أن له حدس وفطرة قد ينبهانه إلى الخطر عند وقوعه… يصبح هذا الخطر معقدا لو كان من يريد به سوءا أحد الأقرباء، وهذا يحدث للأسف، وهو خبر فادح الفحش وحساس للغاية، يحتاج التصرف بشأنه إلى تماسك وذكاء ورأي سديد.
في الحقيقة نحن لا ننظر إلى الأطفال نظرة اعتبار تستحقها أعمارهم الغضة المتطلعة إلى المعرفة، ولا نشعر بوجودهم من الأصل حتى تحدث الكارثة، بل كثيرا ما نلقي بهم في الجحيم نفسه، ونستغرب إذا حاقت بهم النار ومست أيديهم!
توجد حقوق للأطفال، ومواثيق، تشير كلها إلى كيفية معاملتهم وما ينبغي تقديمه إليهم، وتنظم علاقة أولياء الأمور بهم، ولكننا نتعامل مع أطفالنا على أنهم كائنات ليست ناضجة؛ ومن ثم فلا حاجة بنا إلى معرفة ما يخصهم وما يتوجب عينا بإزائهم… وطالما نسبهم إذا ارتكبوا الأخطاء، ولو كانت صغيرة، وكثيرا ما نعاقبهم بالضرب أيضا، وهي جراح جسيمة وإهانات شديدة، قد تمر وينجو الطفل من آثارها السلبية الرهيبة، وقد تقر فيه، وينمو على إيقاعها، ويكبر كما يكبر
وحش منتقم.
أطفال اليوم هم رجال الغد ونساؤه، هذه نقطة بديهية، ومن يئد طفله الآن، بأية صورة من الصور، فهو يحجب المستقبل أو يفنيه عن آخره، هو إنسان فاتته الإنسانية ومواطن لا يحب الوطن؛ فلو تحلى بالإنسانية لأكرم نبتته التي في أحضانه، ولو كان يحب الوطن لجهز له كيانا سويا يحيي العلم وينفع الناس.
موضوع الأطفال من أكثر الموضوعات التي لا تنال اهتمامنا الحقيقي، بالرغم من الصخب الدائر عن الطفولة، ويبدو شكليا، وليتها تناله قبل أن نندم ولا ينقذنا الندم!