بالأرقام| ضحايا بالآلاف واقتصاد ينزف.. معاناة اليمن لا تنتهي منذ 2014

يعيش اليمن منذ 2011 اضطرابات ومعاناة إنسانية طالت الجميع، لكن تعمقت المأساة بعد انقلاب جماعة الحوثي في سبتمبر 2014 على الحكومة الشرعية لتدخل البلاد في حالة من الصراع والحروب مخلفة مئات الآلاف من القتلى والمصابين وملايين النازحين واللاجئين وتدمير البنية التحتية وزادها تصرفات ورعونة جماعة الحوثي منذ 2023 لتجلب تدخل أمريكي بريطاني إسرائيلي لا يتوقف عن قصف اليمن وتدمير مقدراته.وكشفت تقارير وأرقام دولية طبيعة الأوضاع المأساوية في اليمن منذ 2014 جراء استمرار الحرب وممارسات جماعة الحوثي كالتالي:
أرقام منسية.. ضحايا حروب اليمن
أما عن ضحايا الحرب المستمرة منذ 2014 إثر انقلاب جماعة الحوثي وما صحبها من حرب أهلية وبحسب تقديرات دولية حتى فبراير 2025، تسببت الحرب في مقتل وإصابة أكثر من 51.000 مدني من بينهم 18،581 قتيل و32.616 مصاب، لكن تؤكد المنظمات الدولية أن اعداد الضحايا أكبر من ذلك بسبب صعوبة رصد عدد الضحايا الذين يسقطون جراء الحرب.وكان لضحايا الألغام الأرضية النصيب الأكبر من القتلى والمصابين فمنذ 2014 وحتى ديسمبر 2024، قُتل أو أُصيب 9.584 مدنيًا بسبب الألغام الأرضية، منهم 4.501 قتيلًا و5.083 مصابًا. أما عن النازحين داخليًا بسبب الحرب حتى مارس 2025 بلغ أكثر من 4.5 مليون شخص يمثلون نحو 14% من السكان بحسب المفوضية الاممية لشؤون اللاجئين التي أكدت أن العديد من هؤلاء النازحين تعرضوا للنزوح عدة مرات خلال السنوات الماضية بسبب استمرار النزاع وانعدام الأمن كما أصبح 18.2 مليون شخص في حاجة ماسة إلى المساعدة الإنسانية وخدمات الحماية ليكون اليمن من بين أكبر 6 دول من حيث النزوح الداخلي في العالم.المفوضية الاممية لشؤون اللاجئين أكدت في تقريره أيضا أن أكثر من 80% من سكان اليمن الآن تحت خط الفقر، فقد ألحق الصراع والانهيار الاقتصادي أضرارًا بالغة بالخدمات العامة حتى أن 90% من السكان يفتقرون إلى الكهرباء التي توفرها الحكومة بينما لم يحصل معظم موظفو الدولة على رواتبهم بانتظام منذ سنوات.وما فاقم من معاناة اليمن أنه يستضيف حاليا نحو 61.240 لاجئًا وطالب لجوء، معظمهم من الصومال وإثيوبيا حيث يعيش غالبية اللاجئين وطالبي اللجوء في مساكن غير مناسبة دون إمكانية الحصول على المياه في أحياء عدن وصنعاء المكتظة والفقيرة.
انهيار الوضع الغذائي في اليمن
وعن الوضع الغذائي وفي ظل استمرار الصراع الدامي وتدهور الاقتصاد، سبق وأعلن برنامج الأغذية العالمي في 2 مايو الجاري أن أكثر من نصف الأسر اليمنية لم تتمكن من تلبية الحد الأدنى من احتياجاتها الغذائية خلال مارس الماضي، في مؤشر ينذر بتفاقم الأزمة الإنسانية في البلاد.وحذر البرنامج الأممي في أحدث تقرير له من أن معدلات الحرمان الغذائي ارتفعت بشكل حاد مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي، ما يعكس التدهور المستمر في قدرة الأسر على تلبية احتياجاتها الأساسية. وكشف التقرير أن هذا التدهور يرجع إلى عدة عوامل مترابطة في مقدمتها التدهور الاقتصادي المزمن، والنقص الحاد في التمويل الإنساني، إضافة إلى القيود على سبل العيش والظروف المناخية الشبيهة بالجفاف التي أثّرت سلبًا على القطاع الزراعي.وأشار التحديث إلى تصاعد العنف، بما في ذلك الغارات الجوية الأمريكية والعقوبات المرتبطة بالمنظمات الإرهابية، كعوامل إضافية فاقمت الوضع الإنساني المتردي.وأفادت التقارير بأن قرابة نصف أطفال اليمن دون سن الخامسة يعانون من سوء التغذية في حين يواجه 3.5 مليون طفل وامرأة خطر الإصابة بسوء تغذية حاد.كذلك سبق وأكدت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) في تقرير لها مارس الماضي أن 50% من الأطفال دون سن الخامسة في اليمن يعانون من سوء التغذية، وهي “نسبة غير مسبوقة عالميًا”.ووصف ممثل اليونيسف في اليمن، بيتر هوكينز، الوضع بأنه “كارثة من صنع الإنسان”، محذرًا من أن سوء التغذية بلغ مستويات تهدد حياة الأطفال ويمكن الوقاية منها تمامًا.وفي الساحل الغربي ومدينة الحديدة، سجلت اليونيسف أعلى معدلات سوء تغذية حاد وشديد بنسبة بلغت 33%، محذّرة من اتساع رقعة الأزمة إذا لم يتم تأمين تمويل عاجل ومُستدام.وأكدت الأمم المتحدة أن خطة الاستجابة الإنسانية لليمن لعام 2025 لم يمول منها سوى 8% فقط حتى الآن، بينما تحتاج اليونيسف إلى 157 مليون دولار إضافية لتغطية احتياجاتها الأساسية هذا العام.
اقتصاد اليمن.. أسعار مرتفعة وجيوب فارغة
أما بالنسبة للاقتصاد اليمني يشهد انهيار مستمر، فقد شهد الريال اليمني مزيدًا من التدهور سواء في مناطق سيطرة الحكومة الشرعية أو الحوثيين، في حين وصلت أسعار الوقود والغذاء لمستويات قياسية. وبحسب دراسة صادرة عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي قدرت أن اليمن خسر أكثر من 88.8 مليار دولار حتى 2019 فقط بسبب الحرب، وفي حال استمرار النزاع حتى عام 2030، قد تصل الخسائر إلى 657 مليار دولار. كما تقلص الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بحسب تقرير للبنك الدولي في مايو 2023 بنسبة 50% بين عامي 2011 و2022 مع تدمير أو تضرر أكثر من ثلث المنازل والمدارس والمستشفيات ومرافق المياه والصرف الصحي.وبحسب تقرير حديث للبنك الدولي في أكتوبر 2024، زاد انكماش الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي لليمن بنسبة 54% منذ 2015، مما أدى إلى انخفاض حاد في نصيب الفرد من الدخل وارتفاع معدلات الفقر، كما تراجعت إيرادات الحكومة الشرعية بأكثر من 30% في عام 2023، نتيجة لتراجع عائدات النفط وتحويل الواردات إلى موانئ خاضعة لسيطرة الحوثيين، كذلك بلغ اتسع عجز الحساب الجاري إلى 19.3% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2023، مقارنة بـ17.8% في عام 2022، بسبب انخفاض صادرات النفط وزيادة تكاليف الشحن والتأمين. أيضًا قطاع النفط تعرض لخسائر كبيرة فقد تسبب الحصار الحوثي على صادرات النفط في خسائر تجاوزت 1.5 مليار دولار، مما أثر سلبًا على قدرة الحكومة على تقديم الخدمات الأساسية.الريال اليمني هوى بفعل الحرب وانخفضت قيمة الريال في المناطق الخاضعة للحكومة، انخفضت قيمة الريال من 1.619 ريالًا مقابل الدولار في يناير 2024 إلى أكثر من 2.060 ريالًا بحلول ديسمبر من العام ذاته، والآن، في مايو 2025 بلغت قيمة الريال مقابل الدولار أكثر من 244 ريال.وأمام انهيار قيمة العملة ارتفعت أسعار السلع الأساسية فقد أدى انخفاض قيمة الريال إلى زيادة أسعار المواد الغذائية والوقود، ما جعل العديد من الأسر تنفق أكثر من 60% من دخلها على الغذاء. بجانب ارتفاع معدلات الفقر حيث بات أكثر من 60% من السكان يواجهون انعدام الأمن الغذائي مع تزايد معدلات سوء التغذية، خاصة بين الأطفال وفق تقرير البنك الدولي في أكتوبر 2024.
الصحة في اليمن.. مستشفيات مدمرة وجروح لا تندمل
وكذلك الوضع الصحي لم يكن أحسن أحالا، ففي تقرير للبنك الدولي في أبريل 2024 أكد أن أكثر من 20 مليون شخص بحاجة إلى خدمات صحية عاجلة و2.2 مليون طفل يعانون من سوء تغذية حاد، و48% من الأطفال دون سن الخامسة يعانون من التقزم. حتى القطاع الصحي تعرض للتدمير فقدأكد تقرير للأمم المتحدة عام 2023 أن المرافق الصحية المتضررة بلغت نسبا غير مسبوقة فمن بين 3،507 منشأة صحية تم تقييمها، كانت 45% فقط تعمل بشكل كامل، بينما كانت 38% تعمل جزئيًا، و17% غير عاملة وتوجد 49 منطقة من أصل 276 تفتقر إلى أي طبيب و42% من المناطق بها طبيبان أو أقل، وسبق وشهدت اليمن انتشار الكوليرا بشكل غير مسبوق بسبب انهيار القطاع الصحي ما أدى إلى تسجيل أكثر من 2.5 مليون إصابة بالمرض وقرابة 4،000 وفاة بين عامي 2016 و2021. بل إن المجتمع الدولي تخاذل عن دعم القطاع الصحي فوفق الأمم المتحدة عانى القطاع من نقص التمويل حيث تلقت المنظمات الصحية 16% فقط من التمويل المطلوب لعام 2023، ما يعيق تقديم الخدمات الأساسية، ولهذا حذر الخبراء من أن النظام الصحي في اليمن يقترب من الانهيار الكامل إذا لم يتم اتخاذ إجراءات عاجلة.
التعليم في اليمن.. مدارس فارغة وأجيال تائهة
أما بالنسبة لقطاع التعليم لم يكن أحسن حالا، فبحسب تقارير منظمة الطفولة “اليونسيف” تضررت أو دُمرت 2.916 مدرسة في اليمن أي ما يعادل ربع إجمالي المدارس مع توقعات بارتفاع العدد إلى 6 ملايين طالب، فضلا عن استخدم بعض المدارس كملاجئ للنازحين أو مقرات عسكرية، مما يزيد من تعقيد الوضع التعليمي.حتى أن اليونسيف أكدت في تقرير آخر أن أكثر من 170.000 معلم يمني لم يتلقوا رواتبهم بانتظام منذ 2016 وحتى 2021 واستمرت هذه الازمة لاحقا، ما أثر سلبًا على جودة التعليم واستمرارية العملية التعليمية، ما دفع بعض المناطق للاعتماد على معلمين متطوعين لسد النقص، إلا أن هذا الحل كان مؤقت وغير فعال.وأمام هذه التحديات قدرت المنظمة الأممية عدد الأطفال اليمنين خارج المدارس بأكثر من 4.5 مليون طفل، أي ما يقارب 40% من إجمالي الأطفال في سن الدراسة وقد جاء تسرب الأطفال من التعليم بسبب النزوح المستمر وارتفاع نسبة الفقر وانعدام الأمن فضلا عن تدهور البنية التحتية التعليمية.وفي محاولة لتحسين هذا الوضع سبق وأطلق البنك الدولي مشروع “استعادة التعليم والتعلم” بقيمة 100 مليون دولار لتحسين جودة التعليم، استفاد منه أكثر من 593.000 طالب حتى عام 2023، فيما أعلنت منظمة اليونيسف في مارس 2024 أنها قدمت دعمًا تعليميًا لأكثر من 827.000 طفل، بما في ذلك توزيع الحقائب المدرسية والمواد التعليمية.
تكلفة إعادة الإعمار في اليمن
وعن تكلفة إعادة الإعمار، وأمام كل هذا الدمار، قدّرت الأمم المتحدة في تقرير لها 2023 أن اليمن بحاجة إلى أكثر من 25 مليار دولار لإعادة الإعمار والتعافي، مع استمرار تدهور البنية التحتية والخدمات الأساسية.