"الثقافة الفلسطينية": أكثر من 195 موقعًا أثريًا تعرض للتدمير في غزة

أحيت وزارة الثقافة الفلسطينية في محافظة أريحا، بالتعاون مع جامعة الاستقلال، يوم التراث العالمي من خلال تنظيم ندوة بعنوان “تراث رغم الإبادة: إرث في خطر“، حيث أقيمت الندوة في مسرح الجامعة، بحضور ممثلين عن مختلف المؤسسات المدنية والشرطية، بالإضافة إلى عدد كبير من طلبة الجامعة وطلبة المدارس، بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم في أريحا.
تأتي هذه الندوة ضمن جهود وزارة الثقافة لتعزيز الوعي بالتراث الثقافي الفلسطيني، ومواجهة التحديات التي يواجهها في ظل حرب الإبادة الحالية التي يعيشها الشعب الفلسطيني في غزة.
وشارك في الندوة نائب رئيس الجامعة للشؤون الإدارية والمالية علي عيايدة، ومدير مكتب وزارة الثقافة في أريحا طارق خضر، وعميد المراكز الجامعية رحاب السعدي، وسفيان دعيس من وزارة السياحة والآثار، بالإضافة إلى فريق سياحي كشفي من مدارس عدة.
وافتتحت الندوة نضال فطافطة من مركز الخدمة المجتمعية بالجامعة، ثم قدم علي عيايدة كلمته الترحيبية، حيث أكد على أهمية التراث كجزء أساسي من الهوية الفلسطينية، مشددًا على أن الاحتلال يسعى لطمس هذا الإرث الغني. كما أعرب عن استعداد الجامعة للتعاون مع المجتمع المحلي في تنظيم فعاليات تعزز الوعي الثقافي.

من جانبه، شكر طارق خضر الجامعة على استضافتها للندوة، ونقل تحيات وزير الثقافة الفلسطيني للحضور، مشيرًا إلى أن استهداف الاحتلال للتراث الفلسطيني ليس جديدًا، وأن الوزارة تعمل على حماية هذا التراث من خلال مبادرات فعالة تشمل توثيق التراث الشفوي والمادي.
كما أكدت رحاب السعدي على أهمية التراث كجزء لا يتجزأ من الهوية الفلسطينية، ودعت إلى ضرورة فضح انتهاكات الاحتلال المستمرة وتعزيز البحث العلمي المرتبط بالتراث.
وقدم الكاتب والمؤرخ الفلسطيني حسام أبو نصر مداخلة حول تاريخ التراث والمواقع الأثرية في قطاع غزة، حيث سلط الضوء على أهمية التراث الثقافي كجزء لا يتجزأ من الهوية الفلسطينية، مشيرًا إلى أن التراث ليس مجرد آثار، بل هو تجسيد لثقافة وحضارة شعب عريق.

وأكد أن التراث الفلسطيني يمتد لأكثر من 5000 عام، حيث شهدت الأرض الفلسطينية تفاعلات ثقافية متنوعة. كما تطرق إلى التحديات التي واجهها التراث الفلسطيني، موضحًا كيف تعرضت المواقع الأثرية للتدمير والسرقة.
وأشار إلى أن الاحتلال لم يكتفِ بتدمير المعالم الأثرية، بل عمل على طمس الهوية الثقافية الفلسطينية من خلال استهداف المتاحف والمراكز الثقافية. وتناول الحروب الأخيرة التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة، موضحًا استهدافها المباشر للمعالم التراثية، خاصة بعد حرب الإبادة الأخيرة في عام 2023.
وفي ختام مداخلته، دعا إلى توحيد الجهود لحماية التراث الثقافي الفلسطيني، مشددًا على أهمية التوثيق والبحث العلمي لإعادة إحياء هذا التراث.
وقدم الأديب والشاعر جواد عقاد، الذي تحدث عبر اتصال مرئي من غزة، مداخلة حول دور المثقفين في حماية ونشر التراث الثقافي الفلسطيني في ظل حرب الإبادة الحالية. وأشار عقاد إلى أن المثقفين يشكلون خط الدفاع الأول عن الهوية الثقافية الفلسطينية، خاصة في ظل محاولات الاحتلال لطمسها.
وأوضح أن المثقفين الفلسطينيين في غزة يعملون في ظروف بالغة الصعوبة لتوثيق التراث المادي والشفوي. وقال: “نعيش حربًا ثقافية موازية للحرب العسكرية، فالاحتلال يدرك أن طمس التراث والهوية هو أحد أهم أهداف الإبادة التي يمارسها ضد شعبنا.”

كما أكد على أهمية التشبيك مع المؤسسات الثقافية الدولية للضغط على الاحتلال، مختتمًا: “المثقف الفلسطيني اليوم يحارب بالكلمة والفكر والتوثيق، ليُبقي جذوة الهوية متقدة رغم كل محاولات الإبادة الثقافية.”
قدم سفيان دعيس، ممثل وزارة السياحة والآثار، عرضًا إحصائيًا حول حجم الدمار الذي لحق بالمعالم الأثرية والتراثية في قطاع غزة. وأوضح دعيس أن الإحصاءات تتغير بشكل متسارع يوميًا بسبب كثافة الاستهدافات للمواقع الأثرية، مما يجعل عملية التوثيق الدقيق تحديًا كبيرًا.
وكشف أرقامًا صادمة حول المواقع التراثية المدمرة، حيث قال: “لدينا توثيق لأكثر من 195 موقعًا أثريًا وتراثيًا تعرض للتدمير الكلي أو الجزئي في غزة منذ بداية الحرب، بما فيها 28 مسجدًا تاريخيًا، و5 كنائس أثرية، و13 متحفًا ومركزًا ثقافيًا، و74 مبنى تراثيًا”.
بدوره قدم الدكتور أشرف أبو الرب، المتخصص في القانون الدولي، مداخلة قانونية حول الإطار القانوني لحماية التراث الثقافي في أوقات النزاعات المسلحة، وأكد على أهمية توثيق الانتهاكات وفضحها دوليًا، مشيرًا إلى أن القانون الدولي يوفر حماية خاصة للتراث الإنساني في مناطق النزاع.

وأوضح أبو الرب أن “استهداف المواقع التراثية والثقافية يعد جريمة حرب وفق اتفاقية لاهاي لعام 1954 والبروتوكولات الإضافية لاتفاقيات جنيف”. وأشار إلى أن التراث الفلسطيني في غزة يتمتع بحماية دولية كونه تراثًا إنسانيًا قبل كل شيء وهامًا للعالم أجمع.
وتطرق إلى الآليات القانونية المتاحة لمحاسبة مرتكبي جرائم تدمير التراث، موضحًا أن “الملاحقة القانونية يجب أن تتم على مستويين: المستوى الجنائي الدولي، والمستوى المدني من خلال المطالبة بالتعويضات”.
وختم أبو الرب مداخلته بالتأكيد على أن “حماية التراث ليست مسؤولية فلسطينية فحسب، بل هي مسؤولية دولية، لأن ما يجري من تدمير للتراث في غزة يمثل خسارة للإنسانية جمعاء”.