هل تندلع الحرب بين الهند وباكستان؟

التصعيد الأخير بين الهند وباكستان يعيد فتح أخطر ملفات الصراع في جنوب آسيا، ويطرح مجددا سؤال الحرب بين قوتين نوويتين تتقاسمان تاريخا من الدماء والعداء.في الساعات الأولى من صباح أمس، أعلنت نيودلهي بدء “عملية سيندور” ضد أهداف وصفتها بـ”الإرهابية” داخل أراضي باكستان، مستهدفة تسعة مواقع في إقليم كشمير المتنازع عليه ومحيط مدينة مظفر آباد.
الصواريخ الهندية قتلت طفلا باكستانيا وأصابت مدنيين اثنين بجروح بالغة وأحدثت من الفزع الشعبي.لم تتأخر إسلام آباد في الرد حيث أعلن المتحدث باسم الجيش الباكستاني إسقاط طائرتين هنديتين من طراز “رافال”، وتوعد برد قاسٍ “في الزمان والمكان المناسبين”. وفي مشهد يعيد الذاكرة إلى مشارهد الحرب الرابعة بين البلدين، أغلقت باكستان مجالها الجوي، وأعلنت حالة الطوارئ، وعلقت التبادل التجاري والعلاقات الدبلوماسية مع الهند.نيودلهي من جانبها، ذهبت إلى ما هو أبعد من القصف، معلنة وقف العمل باتفاقية مياه نهر شيناب الموقعة منذ 1960، في خطوة وصفها مراقبون بـ”اللعب بورقة الحياة”
شبح الحرب عاد ليحوم فوق كشمير، وعادت المنطقة كلها إلى حافة الاشتعال. فهل تتوقف الأمور عند حدود التصعيد المحسوب؟ أم أننا على أعتاب صراع مفتوح يتجاوز التكتيك إلى صدام مسلح؟
منذ أكثر من سبعة عقود، ومشكلة كشمير لم تحسم. عند تقسيم شبه القارة عام 1947،انضم مهراجا كشمير إلى الهند رغم أن الأغلبية الساحقة من السكان كانوا من المسلمين. لم يترك القرار مجالا لتسوية سياسية، فانفجرت الحرب الأولى، وتبعتها حروب أخرى في 1965 و1971 و1999.رُسم “خط المراقبة” كفاصل بين الواقعين الهندي والباكستاني في كشمير، لكنه لم ينهي الخصومة، بل عمقها. لم تكن الحروب وحدها هي الشاهد على استحالة التوافق، بل أيضا المواجهات بالوكالة، والاختراقات الأمنية، والعمليات الإرهابية المتبادلة.البعد النووي الذي دخل على المعادلة منذ التسعينيات، جعل من كل توتر – مهما بدا محدودا – مصدر رعب إقليمي ودولي.منذ سنوات، والهند تبني صعودها الاستراتيجي على قاعدة “التفوق الصامت”. اقتصاد بحجم ثلاثة تريليونات دولار، وتحالفات عسكرية متقدمة مع واشنطن وباريس وتل أبيب، وجيش يعد من بين الأكبر عالميا، وقوة نووية مزودة بمنظومات إطلاق حديثة.في المقابل، تقف باكستان محاصرة بأزمتها الداخلية: اضطراب سياسي مزمن، اقتصاد على حافة الانهيار، ومجتمع يئن تحت ضغوط الغلاء والتطرف. لكنها رغم كل شيء، تملك سلاحا لا يستهان به: النووي، والردع العقائدي، وشبكات نفوذ في كشمير، وعلاقة استراتيجية مع الصين لا يمكن تجاهلها.الاختلال في موازين القوى التقليدية بين الطرفين، تقابله موازين ردع غير تقليدية. فلا أحد يجرؤ على تجاوز “الخط الأحمر النووي”. لكن، إلى أي مدى يمكن الركون إلى حسابات العقل في بيئة محتقنة بالمشاعر القومية والدينية؟منذ لحظة التصعيد الأخيرة، بدا المشهد كأنه يتكرر: ضربات هندية على معسكرات تصفها بـ”الإرهابية”، ورد باكستاني يعلن إسقاط طائرات وتوجيه ضربات مقابلة. لكن الأهم هذه المرة، ليس فقط في طبيعة الضربات، بل في لحظة وقوعها.الهند تدخل عاما انتخابيا حساسا، وباكستان غارقة في أزماتها الداخلية، ويسعى كل طرف منهما لاستغلال العداء التاريخي من أجل استنفار الداخل.
في الأثناء، يتحرك مجلس الأمن، تصدر بيانات من واشنطن وموسكو وبكين، وتصدر بيانات الشجب والدعوة لضبط النفس من الرياض وطهران وأبوظبي، لكن كل هذا لا يعدو كونه صدى لقلق لا يملك أدوات تأثير حقيقية. لا أحد يريد حربا، لكن لا أحد يستطيع ضمان ألا تحدث.حين تضرب الهند في العمق الباكستاني، فهي تُرسل رسالة مزدوجة: تريد إثبات حضورها كقوة إقليمية مسيطرة في المنطقة، وأن قضية كشمير لم تغلق على الأقل من جانبها. وحين ترد إسلام آباد بسرعة، وتسقط طائرات، فهي تخبر الجميع أنها لن تمرر طموحات الهند بسهولة ولن تتغاضى عن تجاوزاتها.ورغم الرد والرد المضاد، هناك إدراك عميق لدى الطرفين أن الحرب الشاملة لن تكون نزهة. فالنووي يُرعب الجميع وأي مواجهة ستفتح الباب واسعا للتدخلات الدولية في المنطقة كما أن اقتصاد البلدين لا يحتمل حربا مفتوحة.المناوشات بين البلدين حتى هذه اللحظة تدخل في إطار ما يسمى بـ”التصعيد المحسوب”. ضربات محدودة، ردود تكتيكية، خطابات حادة، لكن دون تجاوز نقطة اللاعودة.الاحتمال الأقرب أن يظل الصراع محكوما بسقف الردع. حرب نفسية أكثر منها حرب ميدانية. لكن هل هذا يكفي لتفادي الانفجار القادم؟كشمير ليست مجرد أرض متنازع عليها، بل عقدة هوية في كيانين لا يتسامحان مع الخسارة. والمأزق الحقيقي أن لا أحد يملك خريطة طريق للحل، لا في نيودلهي، ولا في إسلام آباد.ما لم تفتح قنوات التفاوض على أسس جديدة، وتطرح تسوية تاريخية تضمن الحد الأدنى من العدالة للطرفين، فإننا أمام أزمة مؤجلة، لا أزمة منتهية.الحرب ليست قضاء وقدرا، لكنها قرار، وحين تعجز السياسة عن إيجاد المخارج، فإن الدخان قد يسبق الحريق.