بوساطة عمانية.. هل يصمد اتفاق وقف إطلاق النار بين ترامب والحوثيين؟

دخلت المواجهات الأمريكية الحوثية في اليمن مرحلة جديدة، بإعلان سلطنة عمان، توصل الولايات المتحدة وجماعة الحوثي لاتفاق لوقف إطلاق النار. وقال ناطق بوزارة الخارجية العمانية، في بيان، إنه تم إجراء مناقشات واتصالات من قِبل السلطنة مؤخرًا مع الولايات المتحدة الأمريكية والسلطات المعنية في صنعاء بهدف تحقيق خفض التصعيد.وأضاف أن هذه الجهود أسفرت عن التوصل إلى اتفاق على وقف إطلاق النار بين الجانبين.وتابع: في المستقبل، لن يستهدف أي منهما الآخر، بما في ذلك السفن الأمريكية في البحر الأحمر وباب المندب، وبما يؤدي لضمان حرية الملاحة وانسيابية حركة الشحن التجاري الدولي.وكان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد أعلن وقف العملية العسكرية على اليمن، قائلا إن الحوثيين وافقوا على وقف هجماتهم ضد السفن التجارية في البحر الأحمر.
ضغوط عسكرية أمريكية
وقال الحقوقي اليمني هاني الأسودي، رئيس مركز حقي لدعم الحقوق والحريات، إن الاتفاق بين الحوثيين والأمريكيين على وقف إطلاق النار جاء نتيجة الضغوط العسكرية الأمريكية الكبيرة التي استهدفت القيادات الحوثية بشكل مباشر.
وأضاف الأسودي لـ”الدستور” أنه على الرغم من أن الضربات الأمريكية ضد مناطق الحوثيين قي اليمن تسببت في دمار واسع في البنية التحتية وأصابت العديد من المدنيين، إلا أن استهداف القيادات كان له الأثر الأكبر على الحوثيين ودفعهم للتفاوض. لافتا إلى أن استقرار هذا الاتفاق يعتمد بشكل كبير على الضغوط الإيرانية المحتملة على الحوثيين لاستئناف الأنشطة في البحر الأحمر.وتابع بقوله: حاليًا، يبدو أن هناك توجهًا إيرانيًا نحو التهدئة مع أمريكا، ما قد يمكن الاتفاق من الاستمرار لفترة. فالحوثيين يحتاجون إلى فترة هدنة لاستعادة قدراتهم، لذا من المتوقع أن يتم تهدئة استهداف الملاحة البحرية الدولية مؤقتًا.وفيما يتعلق بوقف ضربات الحوثيين ضد إسرائيل، قال الأسودي: يبدو أن هذه الضربات كانت تُستخدم كأداة للمزايدة السياسية وكسب التأييد الشعبي، على الرغم من أن هذه الضربات لم تكن ذات تأثير كبير على إسرائيل، إلا أنها تسببت في دمار واسع في اليمن وهو أمر لا يخفى على أحد.وواصل قائلا: مع استمرار التوتر بين إيران وإسرائيل، أتوقع أن يستمر الحوثيون في توجيه ضربات محدودة وغير مؤثرة لإسرائيل، بهدف الحفاظ على دعم قواعدهم الشعبية وتجنب فقدان التأييد في الشارع اليمني والعربي.واستطرد: يبدو أن استمرار الوضع الراهن بين الحوثيين والولايات المتحدة وإسرائيل هو السيناريو الأكثر احتمالًا؛ فالولايات المتحدة لا تسعى للقضاء الكامل على الحوثيين، ما يشير إلى أن بقاء الوضع على ما هو عليه يخدم مصالحها. وبالإضافة إلى ذلك، يُعتبر الحوثيون ورقة رابحة في يد إيران، وستحرص الأخيرة على الحفاظ على هذه الورقة الاستراتيجية. واختتم الأسودي تصريحاته بالقول: إذا كانت عمليات الحوثيين غير مؤثرة بشكل كبير ضد إسرائيل، فإن هذا الوضع يخدم مصالح إسرائيل أيضًا في إبقاء الحوثيين محصورين داخل اليمن، دون أن يشكلوا تهديدًا حقيقيًا لها. وبالتالي، يبدو أن جميع الأطراف المعنية قد تجد مصلحتها في استمرار الوضع على ما هو عليه.
استمرارية الاتفاق
من ناحيته، قال الكاتب الصحفي والمحلل السياسي اليمني إبراهيم الجحدبي، إنه يصعب التنبؤ بمدى صمود اتفاق وقف إطلاق النار بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والحوثيين الذي توسطت فيه سلطنة عمان، خاصةً مع تعقيدات الصراع الحالية في المنطقة.
وأضاف الجحدبي لـ”الدستور” أنه رغم إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وقفا فوريا للغارات الجوية على الحوثيين، واصفًا الاتفاق بأنه “انتصار دبلوماسي”، إلا أن جماعة الحوثي لم تؤكد رسميًا التزامها الكامل بالاتفاق، ما يثير تساؤلات حول مدى صموده.وتابع بقوله: مع ذلك هناك عدة عوامل قد تؤثر على استمرارية الاتفاق، منها، أن تلعب التدخلات والضغوط الدولية دورًا في تعزيز الالتزام بالاتفاق، ووجود وساطة قوية أو ضمانات دولية قد يساعد في تعزيز فرص النجاح. وكذلك مدى التزام جميع الأطراف بالاتفاق ووقف الأعمال العدائية وأي خروقات ستؤدي إلى تهديد الاتفاق.كما أن المصالح الإقليمية قد تؤثر على نجاح الاتفاق أو عدمه.وأشار إلى أن هناك قضايا عالقة لا يمكن إغفالها، مثل المفاوضات السياسية والأوضاع الاقتصادية وغيرها، والتي قد تؤثر سلبا أو إيجابا على استقرار الاتفاق.وأوضح الجحدبي أنه من غير الواضح ما إذا كانت جماعة الحوثي ستوقف ضرباتها مستقبلا تجاه إسرائيل كجزء من الاتفاق، لأنه يركز بشكل أساسي على وقف الهجمات المتبادلة بين الولايات المتحدة والحوثيين، دون أن يتطرق بشكل مباشر إلى الهجمات التي تشنها الجماعة على إسرائيل.واستطرد قائلا: لا ننسى الإشارة إلى دور إيران المحوري في اللعبة حيث أنها إذا اوعزت إلى أتباعها بالتوقف عن ضرب اسرائيل أو غيرها فسيتوقفون والعكس.وحول السيناريوهات المتوقعة لمستقبل الأوضاع اليمنية، قال الجحدبي، إن التزام الطرفين بالاتفاق قد يؤدي إلى تهدئة التوترات في المنطقة وفتح الباب أمام مفاوضات أوسع تشمل أطرافًا إقليمية ودولية، وهو الهدف الذي تسعى إليه إيران في تحريكها للحوثيين لتحسين شروط المفاوضات، وهنا قد ينجح الاتفاق .وأكمل: في حال عدم التزام أحد الطرفين بالاتفاق، قد تتجدد الأعمال العدائية، ما يزيد من تعقيد الوضع الإقليمي، ويفشل الاتفاق.وإذا استمرت جماعة الحوثي في استهداف إسرائيل، قد يؤدي أي تصعيد في هذا الاتجاه إلى تدخلات عسكرية جديدة وتوسيع دائرة الصراع.
اتفاق هش
وقال الناشط السياسي اليمني مصطفى منصر، إن صمود اتفاق وقف إطلاق النار بين الولايات المتحدة و”سلطة صنعاء” يعتمد على عدة عوامل، أبرزها مدى التزام الأطراف بتعهداتها، وتوفر إرادة حقيقية لخفض التصعيد، بالإضافة إلى الضغوط الإقليمية والدولية نحو التهدئة. لكن في ظل التوترات المستمرة في البحر الأحمر، والتشابك الإقليمي للصراع، فإن الاتفاق يظل هشًا ما لم يترجم إلى خطوات فعلية على الأرض تقود نحو حل شامل.
وأضاف منصر لـ”الدستور” أنه من اللافت أن هذا الاتفاق جاء بعد سلسلة من الهجمات التي استهدفت سفنًا مرتبطة بالولايات المتحدة، ما يطرح تساؤلات حول ما إذا كان التفاهم يشير ضمنًا إلى ترك المجال مفتوحًا أمام استهداف سفن دول أخرى، خصوصًا تلك المرتبطة بإسرائيل. وأن هذا يعكس إشكالية أوسع في الاتفاقات الجزئية، التي قد تفسر بأنها تمنح ضوءًا أخضر لمواصلة أعمال عسكرية انتقائية، ما يهدد أمن الملاحة الدولية ويبقي المنطقة في دائرة التوتر.واستطرد: أعتقد أن وقف هذه الضربات مرهون إلى حد كبير بمدى استمرار أو انتهاء العمليات العسكرية في غزة، ومن غير المتوقع أن تتوقف الهجمات بشكل دائم ما لم تحدث تغييرات جوهرية في المشهد الإقليمي والسياسي.وحول سيناريوهات المرحلة المقبلة في اليمن، قال منصر، إن هناك أكثر من سيناريو، أولها، التهدئة التدريجية، وبدفع دولي وإقليمي، قد تتوسع خطوات التهدئة لتشمل اتفاقات أكثر شمولًا بين الأطراف اليمنية، بما فيها معالجة الوضع الإنساني والرواتب وفتح الطرقات وهذا ما تسعى إليه السعودية تحت مسمى خارطة الطريق وكانت محط ترحيب عالمي وعربي وكانت مصر أبرز المرحبين.وواصل: السيناريو الثاني هو استمرار الوضع الراهن، بأن يظل الجمود السياسي قائمًا مع تبادل محدود للضربات، وتدهور بطيء للوضع الاقتصادي والإنساني، دون انفراج حقيقي.وأوضح أن عودة التصعيد تبقى احتمالا إذا فشلت جهود الوساطة أو وقعت استفزازات كبرى، تعيد المواجهات العسكرية سواء داخليًا أو على مستوى الإقليم (كضربات في البحر الأحمر أو تجاه إسرائيل).ونوه بأن هناك رؤية أخرى لتسوية سياسية شاملة، وهو السيناريو الأبعد والأقرب في آن واحد؛ الأبعد لأن هذا التوافق يتطلب توافقًا واسعًا على شكل الدولة اليمنية، وإنهاء الانقلاب، وإيجاد رؤية واحدة لسحب السلاح من كل الفصائل ودمجه في إطار مؤسسة وطنية واحدة، وتقاسم السلطة، وضمانات أمنية إقليمية ودولية.واختتم منصر تصريحاته بالقول: مستقبل اليمن يتوقف على إرادة الأطراف المحلية، ومدى جدية المجتمع الدولي في دعم حل سياسي شامل ينهي معاناة الشعب.