السر وراء رغبة طه حسين في تغيير اسم "طاهر" بشهادة ميلاده

السر وراء رغبة طه حسين في تغيير اسم "طاهر" بشهادة ميلاده

في عام 1983، نشر الكاتب مصطفى عبد الغني مقالًا نادرًا كشف فيه عن سر بسيط لكنه بالغ الدلالة في حياة طه حسين: تغييره لاسمه من “طاهر” إلى “طه”. لم يكن المقال استعراضًا تقليديًا لسيرة طه حسين، بل محاولة جريئة للغوص في منطقة لم تكن مطروقة وقتها: لماذا غير طه حسين اسمه من “طاهر” إلى “طه”، ومتى؟ وماذا تخبرنا هذه الخطوة عن تحولات حياته الشخصية والفكرية والسياسية؟واليوم، وبعد أكثر من أربعة عقود على نشر هذا المقال، نعيد تقديمه لجيل جديد من القراء، بوصفه وثيقة صحفية وفكرية تكشف عن أبعاد خفية في حياة رجل لم نعرفه كاملًا بعد، رغم كثرة ما كتب عنه.إليكم نص المقال كما نشره مصطفى عبد الغني بتاريخ 24 أكتوبر 1983.

في الذكرى العاشرة لرحيل عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين، التي تحل في 28 أكتوبر، لا تزال الأيام تطوي أسرارًا جديدة عن الرجل الذي عرفناه كأديب ومفكر، لكننا أغفلنا كثيرًا من أدواره، خاصة تلك السياسية التي لعبها في واحدة من أكثر فترات مصر حيوية واحتدامًا.لم تنشر بعد كل الوثائق المتعلقة بحياته، بل إن بعض الملفات المهمة، وعلى رأسها ملف البعثات، ما زال مفقودًا، رغم الجهود المبذولة للوصول إليه. كذلك تظل علاقاته برجالات عصره، كموقفه المعروف من أمير الشعراء أحمد شوقي، تثير تساؤلات. هذا الموقف – كما يروى – لم يكن فقط أدبيًا، بل كان مسنودًا بحسابات سياسية، في ظل العلاقة المتوترة بين محمد محمود باشا وشوقي.ومع توالي الاكتشافات، يقف أمامنا سر بسيط في ظاهره، لكنه شديد الدلالة: طه حسين لم يكن اسمه الحقيقي “طه”.فبحسب ما رصده الكاتب مصطفى عبد الغني في مقاله المنشور بتاريخ 24 أكتوبر 1983، فإن العودة إلى دفاتر مواليد ناحية مغاغة بمحافظة المنيا تكشف أن الاسم المثبت في شهادة الميلاد كان: “طاهر حسين علي”، مولود في 14 نوفمبر 1889.

لكن هذا الاسم لم يستمر طويلًا. ففي محضر رسمي بمحكمة مصر الشرعية الابتدائية، بتاريخ الأربعاء 21 يونيو 1923، تم تسجيل تغيير الاسم من “طاهر” إلى “طه”، وتم توثيق هذا التغيير رسميًا بالعبارة التالية:”تم تغيير الاسم من طاهر حسين علي إلى طه حسين علي، بناءً على طلبه الرسمي.”وهو ما ورد بالحرف في الوثيقة رقم 285777.

لكن السؤال الذي يفرض نفسه: لماذا غير طه حسين اسمه في هذا التوقيت تحديدًا؟قد يرى البعض أن هذا مجرد قرار شخصي، مدفوع برغبة في التميز أو البساطة اللفظية، إلا أن عبد الغني يشير إلى أن عام 1923 لم يكن عامًا عاديًا في حياة طه حسين. لقد كان ذلك توقيت تحوله من مجرد أستاذ جامعي إلى مثقف فاعل في الشأن العام، بدأ يكتب في الصحف عن التعليم والإصلاح، ويتسلل تدريجيًا إلى ساحة السياسة.بل إن إحدى وثائق مجلس الجامعة في 11 أكتوبر 1922 تظهر أنه تقدم بطلب رسمي للكتابة في جريدة “السياسة”، ووافق المجلس على ذلك، معتبرًا أنه من حقه أن يكتب بحرية في المسائل السياسية والعلمية. وفي تلك الفترة، بدأ يوقع مقالاته التعليمية بـ”طه حسين”، بينما ظل يوقع مقالات النقد والهجاء بـ”طاهر”، تحت عنوان “على الهامش”.

هكذا، لم يكن تغيير الاسم مجرد مسألة شكلية، بل ربما كان بداية لتحول داخلي، ولحظة وعي جديدة بأهمية الدور الذي كان يتهيأ له.فهناك، في تلك التفاصيل، نلمح وجهًا آخر لطه حسين: السياسي المتخفي، صاحب الحسابات الدقيقة، الذي اختار أن يبدأ معركته باسم جديد يناسب المرحلة القادمة من حياته.