حرب المياه العظمى.. بدأت من الهند!

غالبًا ما تدور الصراعات على الموارد الطبيعية حول النفط والغاز.. ولكن مع تفاقم تغير المناخ، يبرز مورد آخر كنقطة اشتعال رئيسية.. الماء.. ولا يوجد مكان يتجلى فيه هذا الأمر بشكل أكثر وضوحًا من التوترات المتزايدة بشأن سد النهضة الإثيوبي على نهر النيل، والذي وضع إثيوبيا ومصر والسودان على مسار تصادم خطير.. كذلن تعليق الهند اتفاقية العمل بمعاهدة تقاسم مياه نهر السند المبرمة مع باكستان، والتي تمد أكثر من مائة وعشرين مليو باكستاني بأسباب الحياة.. مما يعني، أن الحديث الذي كان يدور خلال السنوات الماضية، حول أن المياه ستكون موضوع الحروب في العالم السنوات المقبلة، أصبح واقعًا في أراضي شبه القارة الهندية، واحتمالًا في إفريقيا.قبل فترة، قال رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، إن الهند، التي علّقت اتفاقية العمل بمعاهدة تقاسم مياه نهر السند المبرمة مع باكستان، (ستحتفظ الآن بالمياه التي كانت ترسلها إلى الخارج من أجل الاستخدام الداخلي)، بعد أن علقت نيودلهي الشهر الماضي العمل بمعاهدة مياه نهر السند، والتي تضمن إمداد 80% من الحقول الباكستانية بالمياه.. وجاء التعليق بعد هجوم في كشمير أسفر عن سقوط ستة وعشرين شخصًا، زعمت الهند أن إثنين من المهاجمين الثلاثة من باكستان، وأكد مودي، أن (مياه الهند تذهب إلى الخارج، وهذا الأمر سيتوقف الآن من أجل مصالح الهند، وسيتم استخدامها لصالح البلاد).. وهدّدت إسلام أباد باتخاذ إجراء قانوني دولي بسبب تعليق العمل بمعاهدة نهر السند، ونفت أي ضلوع لها في هجوم كشمير، محذرة من أن (أي محاولة لوقف أو تحويل تدفق المياه المخصصة لباكستان.. ستعتبر عملًا من أعمال الحرب)، بينما بدأت الهند العمل على تعزيز القدرة الاستيعابية للخزانات، في مشروعين لتوليد الطاقة الكهرومائية في منطقة كشمير الواقعة في جبال الهيمالايا.. تسود مخاوف في باكستان من وقف تدفق المياه، بعد أن علقت الهند معاهدة تنظم تقاسم المياه، في ظل تدهور العلاقات بين الجارتين بعد هجوم مسلح أسقط ضحايا في كشمير.. ومن المحتمل ألا يشكل العمل تهديدًا فوريًا لإمدادات المياه إلى باكستان، التي تعتمد على الأنهار المتدفقة عبر الهند، في الكثير من أعمال الري وتوليد الطاقة الكهرومائية، ولكن قد تتأثر الإمدادات في نهاية المطاف إذا تم اتخاذ إجراءات مماثلة في مشروعات أخرى.التصريحات الهندية، جاءن بعد ساعات من إعلان الجيش الباكستاني سقوط سبعة جنوده، إثر استهداف مركبتهم بعبوة ناسفة، مُحملًا الهند مسئولية الهجوم.. إذ قال الجيش الباكستاني، إن عناصر من (جيش تحرير بلوشستان)، الذي وصفه بأنه (عميل للهند)، استهدفوا مركبته بعبوة ناسفة بدائية الصنع في إقليم بلوشستان المضطرب، جنوب غربي البلاد.. وهذه الجماعة هي الأكبر من بين عدة جماعات عرقية مسلحة تحارب الحكومة الباكستانية في إقليم بلوشستان الغني بالمعادن، والمتاخم لأفغانستان وإيران، والذي يشهد صراعًا منذ سنوات، إلا أنها كانت السبب في تصاعد التوتر بين طهران وإسلام أباد.ومع أن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، دعا الهند وباكستان (لنزع فتيل التوتر وتجنب الدخول في صراع عسكري)، وسط تصاعد التوتر بين الخصمين المسلحين نوويًا، بعدما أطلعت وزارة الخارجية الباكستانية، أعضاء مجلس الأمن الدولي على الوضع في المنطقة، وأُبلغوا بمعلومات استخباراتية تشير إلى (تهديد وشيك) من الهند.. وهو ما حدث بالفعل، إذ تبادلت الهند وباكستان عمليات القصف العنيف أمس الأربعاء، ما أسفر عن ستة وعشرين قتيلًا في الجانب الباكستاني وإثنا عشر في الطرف الهندي، في أخطر مواجهة عسكرية بين القوتين النوويتين منذ عقدين.. وتبادل الجيشان القصف المدفعي على طول الحدود المتنازع عليها في كشمير، بعد ضربات هندية على أراضٍ باكستانية ردًا على اعتداء باهالجام، قال وزير الدفاع الهندي، رجنات سينج، إنها اقتصرت على (معسكرات إرهابية) حُدِّدت بعناية.. فيما أكد وزير الدفاع الباكستاني، خواجة آصف، أن باكستان أسقطت (خمس طائرات معادية) في المجال الجوي الهندي.●●●في مصر.. يُعدّ نهر النيل شريان الحياة لملايين البشر في شمال شرق إفريقيا، إلا أن مياهه طالما كانت مصدر خلاف سياسي.. فمصر، التي تعتمد على النيل في أكثر من 95% من إمداداتها المائية، تعتبر سد النهضة الإثيوبي الكبير تهديدًا وجوديًا.. وترى إثيوبيا في السد حجر الزاوية في تنميتها الاقتصادية ومصدرًا حيويًا للكهرباء لسكانها، البالغ عددهم مائة وعشرة ملايين نسمة.. ووسط هذه التضاربات، يجد السودان نفسه محصورًا سياسيًا وجغرافيًا في المنتصف، ساعيًا إلى مشاريع سدود خاصة به لدعم الزراعة.وقد تصاعدت التوترات بشكل ملحوظ في السنوات الأخير، لا سيما بعد استمرار إثيوبيا في ملء خزان سد النهضة الإثيوبي، دون اتفاق ملزم مع جيرانها في المصب.. ودعت مصر مرارًا وتكرارًا إلى التزامات حازمة لضمان أمنها المائي، لكن المفاوضات تعثرت.. واشتكت مصر من تجاهل أديس أبابا لمصالحهما، وفشلت جهود الوساطة الدولية ـ بما في ذلك تدخلات الأمم المتحدة والولايات المتحدة، ومؤخرًا الصين ـ في التوصل إلى حل دائم.. وهنا يقول الخبير الأمني الفرنسي، فرانك جالاند، (للأسف، لا تزال إثيوبيا متصلبة تمامًا، وتتصرف كما لو أن هذا المشروع لا يشكل أي مخاطر أمنية).. وأضاف، (بالطبع، يُعد السد بالغ الأهمية لتنمية إثيوبيا، لكنه يمثل تهديدًا خطيرًا للسودان ومصر).. وقد أكد الرئيس عبد الفتاح السيسي، أن إمدادات المياه في البلاد مسألة أمن قومي، دون استبعاد الخيارات العسكرية، وسعى إلى توسيع النفوذ الجيوسياسي لمصر.لسنوات، لم تُسفر المفاوضات بين دولة المنبع ودولتي المصب عن أي نتيجة، ويحذر الخبراء من أن التضليل والدعاية التي تقوم بها إثيوبيا، لا تؤديان إلا إلى تأجيج التوترات.. ومن أبرز نقاط الخلاف، معاهدة عام ١٩٢٩، والتي تمنح مصر حقوقًا في مياه النيل، وإمكانية منع المشاريع المقامة أعلى النهر.. ونظرًا لهذه المظالم التاريخية لتي تقع على مصر، فلا يمكن استبعاد احتمال اندلاع صراع عسكري، وهي النتيجة التي من شأنها أن تترتب عليها عواقب مدمرة على المنطقة، وقد تجتذب القوى الدولية.أحد السيناريوهات المثيرة للقلق بشكل خاص، هو تسليح الوصول إلى المياه.. وحذر جالاند، (كلما طال انتظارنا، زاد خطر التصعيد).. إذا فرضت إثيوبيا قيودًا شديدة على إمدادات المياه لمصر خلال مواسم الجفاف، فقد يكون التأثير على الزراعة والحياة اليومية على طول نهر النيل كارثيًا.. لكن، على الرغم من المخاطر الكبيرة، لا تزال هناك مسارات دبلوماسية يمكن أن تمنع نشوب صراع شامل.. أحد الحلول المحتملة، هو إطار عمل متعدد الأطراف لإدارة المياه، على غرار اتفاقيات التعاون الناجحة التي تُنظّم نهر السنغال.. إضافةً إلى ذلك، يمكن لدول مثل تركيا والصين ـ وكلاهما لهما مصالح راسخة في المنطقة ـ أن تلعب دورًا محوريًا في التوسط للتوصل إلى اتفاق.●●●قبل أقل من عام من الآن.. تساءل جنيفر هولايس، في صحيفة (دويتش فيلله): هل باتت الحرب بين إثيوبيا ومصر وشيكة.. خصوصًا وأن إثيوبيا تسيطر على النيل الأزرق من خلال سدها الضخم، سد النهضة، وتسعى في الوقت نفسه للحصول على منفذ إلى البحر الأحمر.. والقاهرة تحاول اكتساب أوراق ضغط في وجه أديس أبابا، من خلال التدخل في بؤرة الصراع الجيوسياسي في الصومال؟.ويعود إلى القول، أنه بالموازاة مع ارتفاع مستوى مياه سد النهضة الإثيوبي، شمال غرب إثيوبيا، تتصاعد التوترات مع مصر دولة مصب مجرى النيل.. فببناء جدار سد أعلى من الأهرامات، تقوم إثيوبيا بحجز مياه النيل الأزرق؛ وقد وصل خزان السد إلى سعته الكاملة هذا العام.. وتخشى مصر أن تستخدم إثيوبيا تدفق المياه كورقة ضغط في أوقات الجفاف.. لكن النزاع الجيوسياسي بين الدولتين العضوين الجديدتين في مجموعة (بريكس) يتجاوز قضية مياه النيل.منذ البداية، كانت القاهرة معارضة للمشروع الذي تبلغ قيمته أربعة مليارات دولار، منذ انطلاقه عام 2011.. وقال تيموثي كالدايس، نائب مدير معهد التحرير لسياسات الشرق الأوسط في واشنطن، (تعتمد مصر بشكل كبير على مياه النيل العذبة.. ولكن حتى الآن، لم تتمكن مصر من دفع إثيوبيا إلى التوصل إلى اتفاق مُلزم، يضمن حقوق مصر في مواردها المائية، والتي تُعد مسألة أمن قومي).. وتستغل إثيوبيا موسم الأمطار لملء خزان السد.. ولأن هذه الخطوة لم تكن بالتنسيق مع القاهرة، فقد لجأت مصر في بداية سبتمبر إلى مجلس الأمن الدولي.. من وجهة النظر الإثيوبية، فإن هذه الشكوى غير مفهومة، كما توضح سوزان شتولرايتير، رئيسة مكتب إثيوبيا في مؤسسة فريدريش إيبرت، المقربة من الحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني.. التي تضيف أن إثيوبيا طمأنت بأن السد قد شارف على الامتلاء، وتوضح، (كل عمليات ملء السد جرت في موسم الأمطار، مما منع تعرض مصر والسودان لنقص حاد في المياه)، وقد جرت عملية ملء السد بشكل أسرع من المتوقع، بفضل كميات الأمطار فوق المعدل السنوي.ومع أن مشروع السد يُعتبر مصدر فخر لإثيوبيا، إلا أن حماس الشعب الأثيوبيي تضاءل، حيث إن نصف السكان ما زالوا ينتظرون وصول التيار الكهربائي إلى منازلهم، لأن التوربينات لازالت لا تعمل، كما أن أديس أبابا لا تمتلك الشبكة الداخلية المسئولة عن توزيع الكهرباء إلى أنحاء إثيوبيا.. لكن، سد النهضة ليس النقطة الوحيدة للتوتر بين مصر ولإثيوبيا.. في أغسطس، اتفق الرئيس عبد الفتاح السيسي ونظيره الصومالي، حسن شيخ محمود، على اتفاق أمني ومناورات عسكرية مشتركة.. ويقول تيموثي كالدايس، (إن قرار مصر بتزويد الصومال بالأسلحة والمشاركة في المهمة القادمة للاتحاد الإفريقي هناك، يهدف إلى كسب شريك جديد في المنطقة المجاورة لإثيوبيا).. في نهاية أغسطس، هبطت طائرتان مصريتان محملتان بالأسلحة في مقديشو.. وقبل ذلك بقليل، أعلن الاتحاد الإفريقي أن مصر ستشارك للمرة الأولى في مهمة جديدة للاتحاد الإفريقي في الصومالAUSSOM.. هذه التحركات أثارت رد فعل غاضب من إثيوبيا؛ حيث صرّح رئيس الوزراء، أبي أحمد، أن بلاده (لن تتفاوض مع أحد بشأن سيادتها وكرامتها).. وأكد أن (كل من يحاول تهديدنا سيُذَل)، بحسب قوله!!.ولأن إثيوبيا تسعى لتحقيق مصالحها الخاصة في منطقة القرن الأفريقي، فقد تحدث رئيس الوزراء، آبي أحمد، منذ فترة طويلة عن رغبته في الحصول على منفذ بحري، وهو ما فقدته إثيوبيا بعد انفصال إريتريا عنها عام 1993.. في أوائل عام 2024، اقترب آبي من تحقيق هذا الهدف بشكل كبير؛ حيث اتفق مع إقليم أرض الصومال على الوصول إلى ميناء بربرة.. وفي المقابل، ستعترف إثيوبيا باستقلال هذا الكيان غير المعترف به دوليُا.. وكما هو متوقع، أثار هذا الاتفاق صراعًا مع الحكومة المركزية الصومالية في مقديشو، التي كانت تعتبر إثيوبيا شريكًا رئيسيًا حتى ذلك الحين.. فقد نشرت أديس أبابا ما يصل إلى عشرة آلاف جندي في الصومال، سواء بموجب اتفاقيات ثنائية، أو في إطار بعثة الاستقرار التابعة للاتحاد الإفريقي المدعومة من الأمم المتحدة.ومنذ يناير، لم تُسمع أخبار كثيرة عن خطط الميناء، غير أن خبيرة مؤسسة فريدريش إيبرت، شتولرايتير، تعتقد أن إثيوبيا تواصل العمل بهدوء على هذه الخطط، لتجنب تحدي الصومال مرة أخرى بشكل فج.. وبدلًا من ذلك، تسعى إثيوبيا إلى المضي قدمًا، من خلال (فرض الأمر الواقع)، على أمل أن يتم الاعتراف بهذه الخطوات في نهاية المطاف.. لكن هذا الأمر قد لا يكون مقبولًا بالنسبة للصومال.. من وجهة نظر محللة الأمن، سميرة جايد، التي قدمت استشارات للحكومة الصومالية في السابق، فإن مقديشو تتعامل مع الموقف برسالتين واضحتين، (من ناحية، يتم تقديم خيار لإثيوبيا: إما أن تسحب إعلان نيتها، أو أن قواتها لن تكون مرحبًا بها في الصومال.. ومن ناحية أخرى، يتجه الصومال نحو تعزيز علاقاته مع مصر، سواء من خلال العلاقات الثنائية، أو عبر المهمة الجديدة للاتحاد الإفريقي.. ومن هنا، فإن التصعيد الأخير لم يكن مفاجئًا).وعلى الرغم من أن الخطاب العدائي لرئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، قد يوحي بعكس ذلك، إلا أن شتولرايتير لا تعتقد أن إثيوبيا تسعى لتصعيد النزاع أكثر.. تقول، (مصر هي أقوى قوة عسكرية في إفريقيا، وآبي مدرك تمامًا لهذا.. كما أن لديه العديد من الصراعات الداخلية التي يحتاج إلى التعامل معها.. لا أعتقد أن لديه أي مصلحة في الدخول في مواجهة عسكرية مع مصر في الوقت الحالي).. ومؤخرًا، قدمت جيبوتي، أصغر جار لإثيوبيا، عرضًا مهمًا قد يساعد في تخفيف التوترات.. فجيبوتي، التي تعد بوابة إثيوبيا إلى العالم، اقترحت على إثيوبيا إدارة مشتركة لميناء تاجورا الذي افتتح عام 2017.. وتشير شتولرايتير، إلى أن هذا العرض ربما أثار بعض التفكير في الجانب الإثيوبي، حول كيفية التعامل مع التصعيد المحتمل مع الصومال، فيما يخص أرض الصوما، خصوصًا مع تواجد القوات المصرية الذي أوجد وضعًا أمنيًا جديدًا في المنطقة.. حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين