الهند وباكستان.. القاتل الصامت

استدعاء صراع تاريخي متجدد..
يستطيع المتابع للحرب الهندية الباكستانية.. أن يرصد أنها واحدة من أطول الحروب وأعقد الصراعات فى العالم. والتى بدأت منذ نشأة شبه القارة الهندية سنة 1947، وظلت مستمرة إلى اليوم عبر سلسلة من النزاعات المسلحة والسياسية. وهو ما جعل التوترات بينهما تتجدد بين الحين والآخر. وتكون فى الغالب مرتبطة بإقليم كشمير.. محل النزاع والصراع. وهو يمثل الشرارة الأساسية لكل تصعيد عسكرى. ومع تصاعد الصدام خلال الفترة الأخيرة، عاد الصراع ليثير قلق المجتمع الدولى من احتمالية نشوب حرب جديدة بين دولتان تمثلا قوتين نوويتين.تعود جذور الخلاف بين الهند وباكستان إلى سنة 1947، حينما تم تقسيم الهند البريطانية إلى دولتين مستقلتين: الهند ذات الأغلبية الهندوسية، وباكستان ذات الأغلبية المسلمة. وشكل ملف ولاية كشمير التى كان يحكمها حينذاك مهراجا هندوسى ويقطنها أغلبية مسلمة.. محورا للصراع.. فقرر المهراجا الانضمام إلى الهند مما أشعل شرارة الحرب الأولى سنة 1947، والتى انتهت بتقسيم كشمير بين البلدين بدون تسوية نهائية.وظلت الحرب قائمة.. تشتعل بين الحين والآخر مثلما حدث فى سنة 1965 بسبب التمرد فى كشمير ومحاولة باكستان ضم الإقليم بالقوة. وفى سنة 1971 اندلعت الحرب بسبب دعم الهند لاستقلال بنجلاديش عن باكستان، وانتهت بهزيمة باكستان وتقسيمها. وفى سنة 1999، دخلت القوات الباكستانية إلى الجانب الهندى من كشمير، مما أدى إلى معارك عنيفة وانسحاب باكستان تحت الضغط الدولي.. فيما عرف بنزاع كارجيل.تصاعدت حدة التوترات خلال الفترة القليلة الماضية.. بعد سلسلة من الاشتباكات عبر خط المراقبة، واتهامات متبادلة بدعم المتمردين فى كشمير. وقد إشارت التقارير إلى نشاط متزايد للجماعات المسلحة المدعومة من باكستان، فى مقابل ردود هندية قوية، من بينها ضربات محدودة عبر الحدود.أكتب هنا عن بعض الأسباب الهامة لاندلاع الصدام الهندى – الباكستاني الآن:
1- الانتخابات المحلية المزمع عقدها فى البلدين، مما يغذى النزعة القومية لدى الحكومات.
2- التصعيد الملحوظ فى اقليم كشمير بعد تعديل الهند للحالة القانونية للإقليم سنة 2019، وهو ما لم تعترف به باكستان.
3- سباق التسلح المتسارع بعنف، وتطوير برامج الصواريخ والطائرات المسيرة.
4- بروز التحالفات الإقليمية الجديدة مثل تقارب الهند مع الولايات المتحدة، والصين مع باكستان.وإذا لم تتم تهدئة الأحوال، فهناك عدة سيناريوهات محتملة، منها: نزاع محدود فى اقليم كشمير، باستخدام ضربات جوية وصاروخية تكتيكية. أو الانزلاق إلى حرب شاملة، وهو سيناريو خطير جدا نظرا لامتلاك البلدين أسلحة نووية. أو من خلال الضغط الدولى لوقف التصعيد، خاصة مع الصين والولايات المتحدة، وهما طرفان يملكان نفوذا هائلا مباشرا. والنتيجة ستكون كارثية على المستويين الإنسانى والاقتصادى، ومع استمرار وجود احتمال قوى بنزوح جماعى، وتوقف الاستثمارات، وتعطل التجارة في آسيا.وسيكون هناك تأثيرا قويا على السياسة الدولية، فقد تجد الولايات المتحدة الأمريكية نفسها فى وضع معقد بين حليفين إقليميين مهمين.. أما الهند وأما باكستان. كما يمكن أن تستغل الصين.. الوضع لدعم باكستان ولتحقيق مكاسب استراتيجية في منطقة الهيمالايا. وستلعب روسيا دور الوسيط التقليدى، ومع الاحتفاظ بالعلاقات الوثيقة مع الهند. وكالمعتاد، ستدعو الأمم المتحدة إلى التهدئة، لكن فاعليتها ستبقى محدودة بسبب المنافسات الجيوسياسية التى ستؤثر على سلاسل التوريد العالمية، وعلى الهند باعتبارها من الدول الرائدة في التكنولوجيا.نقطة ومن أول الصبر..
أرى أن الحرب بين الهند وباكستان، رغم كون احتمال حدوثها مستبعد على نطاق واسع بسبب الردع النووى، فأنها تظل احتمالات.. يجب أخذها فى الاعتبار مع تصاعد النزعات القومية والدينية فى البلدين. وعلى المجتمع الدولى والقوى الكبرى.. القيام بدور أكثر تأثيرا في الوساطة وضمان عدم الانزلاق نحو الحرب. كما يجب دعم مبادرات التنمية فى اقليم كشمير، ومنح سكانها فرصة لتقرير مصيرهم ضمن حلول سلمية تحفظ استقرار المنطقة.