مع هذا المقترح

مع هذا المقترح

قرأت مؤخرًا مقترحًا مهمًا للصديق والأخ العزيز الكاتب الصحفى الكبير خالد صلاح، حول أهمية توحيد صفوف كل الصحف والمواقع الإلكترونية للتصدى لشركتى الإعلانات جوجل وفيسبوك اللتين تلتهمان تورتة الإعلانات ولا يتبقى منها سوى الفتات. وهذا يتسبب فى عقبات وتحديات كبيرة أمام وسائل الإعلام المصرية، ما يجعلها تعجز عن توفير متطلباتها المالية، ويعرّض الكثير منها للإغلاق بسبب هذا العجز المالى وضعف المحتوى المقدم للجمهور. وفى ظل التحولات الرقمية العاصفة التى تجتاح العالم، تجد المواقع والصحف المصرية نفسها فى مواجهة تحديات وجودية تهدد استدامتها وقدرتها على القيام بدورها الحيوى فى تنوير الرأى العام وإثراء الحوار المجتمعى. وبينما تتوسع إمبراطوريات التكنولوجيا العملاقة، على رأسها شركتا جوجل وفيسبوك، وتستحوذ على الحصة الأكبر من سوق الإعلانات الرقمية، تتضاءل الموارد المتاحة للمواقع والصحف المصرية التى تنفق الوقت والجهد والموارد لإنتاج محتوى إخبارى وتحليلى جيد، الأمر الذى يستدعى وقفة جادة وتفكيرًا استراتيجيًا لتبنى نموذج تعاونى فعال يمكّن هذه المؤسسات الإعلامية من استعادة جزء عادل من عائدات الإعلانات التى تحققها المنصات الرقمية العملاقة من خلال عرض محتواها أو توجيه المستخدمين إليه. وهو السيناريو الذى تجسد بالفعل فى دول أخرى مثل أستراليا وإندونيسيا، كما يقول خالد صلاح، حيث نجحت جهود مماثلة فى تحقيق نتائج ملموسة لصالح الصناعة الإعلامية المحلية. إن الضرورة الملحة لتشكيل تحالف قوى يضم المواقع والصحف المصرية- كما يرى خالد- ليس مجرد خيار، بل ضرورة حتمية لضمان بقاء واستمرار هذه المؤسسات فى أداء رسالتها. التفتت والتناثر يضعف من موقفها التفاوضى الفردى أمام قوة ونفوذ الشركات التكنولوجية العملاقة التى تمتلك خوارزميات معقدة وأنظمة إعلانية متطورة تجعل من الصعب على أى مؤسسة إعلامية بمفردها الحصول على شروط عادلة، بينما يوفر التكتل والتوحد قوة تفاوضية أكبر، ما يمكّن من المطالبة بحقوق مشتركة ومواجهة الضغوط المحتملة بشكل أكثر فاعلية. كما أن هذا التحالف يمكن أن يعمل كمنصة موحدة لتبادل الخبرات والمعرفة حول أفضل الممارسات فى مجال النشر الرقمى وتسويق المحتوى، بالإضافة إلى تطوير حلول تقنية مشتركة يمكن أن تقلل من التكاليف وتزيد من الكفاءة، إضافة إلى إمكانية تنسيق الجهود فى مواجهة التحديات القانونية والتنظيمية المشتركة. إن التجربة الأسترالية على وجه الخصوص، كما يرى خالد صلاح، تقدم نموذجًا ملهمًا لكيفية تحقيق توازن أكبر فى العلاقة بين شركات التكنولوجيا الكبرى ووسائل الإعلام المحلية. فمن خلال قانون المساومة الإلزامى، تم إجبار جوجل وفيسبوك على التفاوض مع المؤسسات الإخبارية الأسترالية ودفع تعويضات لها مقابل استخدام محتواها، وهو ما أدى إلى ضخ ملايين الدولارات فى صناعة الإعلام الأسترالية وتمكينها من الاستثمار فى صحافة عالية الجودة. وكذلك الحال اتخذت إندونيسيا خطوات مماثلة لضمان حصول وسائل الإعلام المحلية على حصة عادلة من عائدات الإعلانات الرقمية، ما يعكس إدراكًا متزايدًا على المستوى العالمى لضرورة تصحيح الخلل فى ميزان القوى بين عمالقة التكنولوجيا وناشرى الأخبار. إن تشكيل تحالف مصرى مماثل يتطلب إرادة قوية وتعاونًا وثيقًا بين جميع الأطراف المعنية، على رأسها المؤسسات الإعلامية نفسها.ومن الضرورى وضع ميثاق شرف وآلية عمل واضحة لهذا التحالف، تحدد الأهداف المشتركة واستراتيجيات التفاوض وآليات توزيع العائدات بشكل عادل وشفاف. كما يجب أن يسعى هذا التحالف إلى بناء علاقات قوية مع الجهات التشريعية والتنفيذية فى مصر لشرح أهمية دعم الإعلام المحلى، وضرورة وضع قوانين أو لوائح تنظم العلاقة بين منصات التكنولوجيا وناشرى الأخبار، بما يضمن حقوق الطرفين ويحقق العدالة فى توزيع عائدات الإعلانات. ويتم ذلك من خلال المجلس الأعلى للإعلام. ويمكن للتحالف أن يلعب دورًا مهمًا فى تعزيز الوعى لدى الجمهور بأهمية دعم الصحافة المستقلة والموثوقة، وتشجيعهم على تفضيل المصادر الإخبارية المحلية التى تستثمر فى إنتاج محتوى ذى جودة عالية يخدم المجتمع. إن التحديات التى تواجه الإعلام المصرى فى العصر الرقمى جسيمة، ولكنها ليست مستعصية على الحل إذا ما توافرت الإرادة الجماعية والرؤية الاستراتيجية. فتحالف المواقع والصحف المصرية ليس مجرد ضرورة اقتصادية لضمان استدامة هذه المؤسسات، بل هو أيضًا ضرورة وطنية للحفاظ على قوة الإعلام المصرى واستقلاليته وقدرته على القيام بدوره فى بناء مجتمع مستنير وواعٍ. ومن خلال الوحدة والتكاتف والتعلم من تجارب الآخرين، يمكن أن نستعيد جزءًا من القوة والمكانة فى المشهد الرقمى المتغير.شكرًا خالد صلاح على هذا المقترح المهم الذى ينتشل الصحافة والمواقع من الإغلاق.