قضية «الإيجار القديم».. «الدستور» تجرى مواجهة بين المُلاك والمستأجرين: كلنا ضحايا ولا بد من حلٍ عادل

لا صوت فى مصر الآن يعلو على قضية «الإيجار القديم»، بالتزامن مع عقد اللجنة المشتركة فى مجلس النواب اجتماعاتها لمناقشة مشروع القانون المُقدم من الحكومة بشأن هذا الملف، وتماسه مع مصالح الملايين، سواء من المُلاك أو المستأجرين.وبينما يؤكد المُلاك أن القانون القديم يبخس حقوقهم، ويجعلهم «مُلاكًا على الورق»، فى ظل تدنى القيمة الإيجارية سواء للمحال التجارية أو الشقق التى يؤجرونها للغير بنظام «الإيجار القديم»، يذهب المستأجرون إلى التنبيه من خطورة إخراجهم من هذه المحال والشقق، خاصة مع تدنى الأوضاع الاقتصادية لكثير منهم.«الدستور» التقت بطرفى القضية للاستماع إلى وجهات نظرهم حول مشروع القانون الجديد، وأوجه الخلاف الحالية بينهما للتوصل إلى حل وسط يناسب الجميع.مُلاك: نطالب بفترة انتقالية سنتين بحد أقصى ومنع التوريثالبداية مع محمد حسن، الذى قال إنه يمتلك محلين تجاريين فى شارع «إسكندر إبراهيم»، وهو أحد الشوارع الحيوية فى منطقة «ميامى» بالإسكندرية، ورغم أن مساحة الواحد منهما تصل إلى ٦٥ مترًا، يُحصل من المستأجر إيجارًا شهريًا لا يتعدى ٣٠ جنيهًا، فى حين أن إيجارات المحال المجاورة تبدأ من ٣٠ ألف جنيه شهريًا، رغم أن مساحاتها أصغر بكثير، مضيفًا: «هذه الفجوة الكبيرة بين الأسعار تثير تساؤلات عديدة عن العدالة فى تحديد الإيجارات ومدى توافقها مع الواقع الاقتصادى».وفيما يتعلق بالعقارات السكنية، أكد «حسن» أن الوضع لا يختلف كثيرًا، فهو يمتلك ٤ شقق تتراوح مساحاتها بين ٧٥ و١١٠ أمتار، ولا يتعدى أعلى إيجار لشقة فيها ١٨ جنيهًا شهريًا، بينما الإيجار العادل فى المنطقة بين ٨ و٢٠ ألف جنيه شهريًا، وفق تجهيزات وموقع كل شقة، مشددًا على أن «هذا التفاوت الهائل يضع المُلاك فى موقف صعب، ويجعلهم فى انتظار قانون الإيجار القديم بفارغ الصبر، رغبة منهم فى تعديل الإيجارات بما يتماشى مع الأسعار الحالية».وأضاف: «أنا ومثلى الكثير من المُلاك نتعاطف بشكل كبير مع المستأجرين، لكننا أيضًا فى حاجة إلى إنصافنا، من خلال تحديد إيجار عادل يعكس الواقع الاقتصادى للمنطقة التى تقع فيها أملاكنا، فضلًا عن ضرورة إعادة الشقق المغلقة من المستأجرين إلى أصحابها لكى تستفيد منها العائلة، بالإضافة إلى إجراء تعديلات منطقية فى إيجارات المحال التجارية، التى أصبحت تحقق أرباحًا هائلة وفقًا للأسعار السائدة اليوم».واقترح «حسن» والعديد من المُلاك بقصر الفترة الانتقالية لخروج المستأجر على سنة أو سنتين على الأكثر، للسماح للمستأجرين بتسليم المحلات أو دفع الإيجار العادل، بما يتناسب مع الأسعار الراهنة.لم يختلف الأمر بالنسبة لمحمد النايب، مالك عقارات إيجار قديم فى محافظتى قنا والإسكندرية، والذى قال: «أمتلك عدة شقق إيجار قديم، لكن المستأجرين أغلقوها، وأصبحت حتى لا أستطيع تحصيل الإيجار المنخفض، وهو ما أثر على دخل أسرتى وحالتها الاقتصادية».وأضاف «النايب»: «من أوجه المعاناة الكبرى المحال التجارية، والتى تُعتبر مصدرًا ثابتًا للربح بالنسبة للمستأجرين، فى حين لا يستفيد مُلاكها الأصليون منها بشكل عادل»، معتبرًا أن «المستأجرين لا يعترفون بالقوانين أو حقوق أصحاب العقارات، ما يجعلنا نعيش فى وضع مأساوى للغاية».وواصل: «الوضع مأساوى بالنسبة للمُلاك. رغم أننى وعائلتى نمتلك أكثر من عقار ومحل تجارى، تُعتبر ملكية ورق فقط، لدرجة أن شقيقى يعانى من ارتفاع أسعار العقارات والمحال، ولا يجد سكنًا يتناسب مع قدرته الاقتصادية ليتزوج، ولا محلًا تجاريًا بقيمة إيجارية مناسبة لفتح مشروع يدر عليه دخلًا اقتصاديًا كريمًا هو وأسرته».ورأى المستشار حماية الأسيوطى، أحد المُلاك فى حى مصر الجديدة، أن القانون بصيغته الحالية، بعد أكثر من ١٣ عامًا على المفاوضات، لم ينصف المُلاك بأى شكل، مضيفًا: «كان من المفترض أن يعمل القانون الجديد على تحقيق العدالة بين المُلاك والمستأجرين، لكنه أنصف المستأجر بمنحه مُهلة، قد يتوفى صاحب العقار خلالها دون أن يحصل على حقه».وانتقد «الأسيوطى» توحيد القيمة الإيجارية لجميع الوحدات خلال «الفترة الانتقالية» عند ١٠٠٠ جنيه شهريًا، بغض النظر عن موقع الوحدة أو قيمتها السوقية. وأبدى تحفظه على تحديد فترة انتقالية مدتها ٥ سنوات لتحرير العلاقة التعاقدية، داعيًا إلى تقليص هذه المدة، مع إلزام الدولة بتوفير بدائل سكنية مناسبة للمستأجرين غير القادرين، حفاظًا على البُعد الاجتماعى.وأضاف: «أزمة الإيجار القديم أن العقد يُورث. إذا كان لا بد من منح مهلة زمنية، يجب هنا تقييد الامتداد القانونى لعقد الإيجار، بحيث يقتصر على الزوجة والأبناء والوالدين وأبناء الابن المستحقين للوصية الواجبة، ومنح المالك الحق فى استرداد الوحدة السكنية حال وجود ضرورة مُلِحة يقدرها القضاء، سواء له أو لأحد أبنائه أو لمن يستحق الوصية الواجبة، مع توفير تعويض عادل للمستأجر».اتحاد مُلاك العقارات القديمة: على الدولة دعم المستأجرين غير القادرين فقطثمّن رئيس اتحاد مُلاك العقارات القديمة، مصطفى عبدالرحمن، الخطوات الجادة التى اتخذتها الدولة فى فتح ملف الإيجار القديم، الذى ظل معلقًا لعقود طويلة دون حلول عملية، معتبرًا أن التحرك التشريعى الحالى يمثل خطوة جدية نحو تصحيح المسار وتحقيق العدالة. وأشار إلى أن اتحاد الملاك يطالب برفع القيمة الإيجارية للوحدات السكنية المؤجرة بعقود الإيجار القديم، بحيث تصل إلى ٢٠٠٠ جنيه شهريًا فى المناطق الشعبية، و٨٠٠٠ جنيه فى المناطق الراقية، لمدة انتقالية لا تتجاوز ثلاث سنوات، يعقبها تحرير العلاقة التعاقدية بالكامل وتوقيع عقود جديدة وفقًا لآليات السوق.وفيما يتعلق بالمحال التجارية، أشار إلى أن المقترح يشمل تحديد حد أدنى للقيمة الإيجارية لا يقل عن ٥٠٠٠ جنيه شهريًا، لمدة عام واحد فقط، تنتهى بعده العقود القديمة ويتم تنظيم العلاقة بعقود جديدة تتماشى مع الواقع الاقتصادى الحالى.وقال: «مدة الخمس سنوات تزيد من استنزاف موارد مُلاك العقارات القديمة، وتزيد مخاوفهم بشأن فرصة للاغتناء غير العادل من قِبل مستأجرين ميسورى الحال، وإعادة تدوير المبانى فى تلك المهلة».وأضاف: «مدة الخمس سنوات لن تساعد الطرفين، فالفئات محدودة الدخل لن يكفيها خمس سنوات حتى تتمكن من توفير وحدة سكنية جديدة، لذا على الدولة تقديم دعم مباشر فقط للمستأجرين غير القادرين، ما يمنع المقتدرين من الاستفادة غير القانونية من الوضع الحالى، ويعجّل بتحقيق فوائد اقتصادية مباشرة للدولة».مستأجرون: دفعنا مبالغ كبيرة منذ ٣٠ عامًا ويجب تعويضناقالت ياسمين عبدالحميد، إحدى المستأجرات فى مصر الجديدة، إن القانون يتجاهل الاختلافات النوعية بين المستأجرين ويعامل السكان جميعًا كتلة واحدة قادرة على توفير بديل، متجاهلة أصحاب المعاشات وأصحاب الأجور المتوسطة، مؤكدة أن الدولة ليس لديها حصر جغرافى لعدد الوحدات المشمولة فى الإيجار القديم وهو ما يورط المستأجرين.وأشارت «عبدالحميد» إلى أن والدها الراحل دفع مبالغ مالية كبيرة ومُرضية لتسوية الوضع مع المالك منذ أكثر من ٣٠ عامًا، وهذه الأموال حاليًا بالقيمة السوقية كانت تمكنهم من شراء شقة فى مكان لا يقل مستواه عن وضعهم الحالى، وفى حال انتهى الأمر إلى إجبارهم على إخلاء السكن فيجب فى المقابل تعويضهم من المالك بخلو وتعويض عادل.من جهته، تساءل محمد رحمى، مستأجر فى مصر القديمة: «أين سأذهب إن تم تعديل قانون الإيجار القديم؟، فإذا تم رفع القيمة الإيجارية لن أتمكن من السداد، وأنا لست وحدى فى هذا الوضع، فهناك كثيرون مثلى من أصحاب المعاشات والأرامل، وغيرهم ممن ظروفهم أشد قسوة»، مضيفًا: «كيف يتم تعديل قانون استقر لعقود طويلة، ليُغيَّر لصالح طرف على حساب آخر؟».وأوضح أن الدولة عليها إجراء إحصاء دقيق حول عدد العقارات وقيمتها المادية، مشيرًا إلى أن قانون الإيجار طُبق حتى عام ١٩٩٦، وكان عدد السكان فى تلك الفترة يقدر بنحو ٧٠ مليون نسمة بخلاف المغتربين، ولو افترضنا أن نصفهم فقط يعيشون فى مساكن إيجار قديم، فإننا نتحدث عما يقرب من ٣٥ مليون وحدة سكنية خاضعة لهذا النظام، وهو رقم لا يمكن تجاهله، إذ من شأنه زعزعة السلم الاجتماعى ويضر بفئات كبيرة.وأوضح أن مشروع القانون الجديد يخالف ما صدر سلفًا عن المحكمة الدستورية العليا بشأن الإيجار القديم، ومن أبرز ما أقرته، أن الامتداد القانونى لعقود الإيجار السكنية لا يتجاوز الجيل الأول، وهو ما طُبِّق كذلك على العقارات التجارية.رابطة المستأجرين:مد الفترة الانتقالية لـ10 سنوات للسلم الاجتماعىقال المستشار القانونى لرابطة المستأجرين، ميشيل حليم، إن بنود مشروع القانون المطروحة حاليًا من شأنها أن تهز السلم الاجتماعى فى مصر، لأن الزيادة المفاجئة للإيجار تتجاوز قدرة كثير من المستأجرين. واقترح «حليم» النص على فترة انتقالية تصل إلى عشر سنوات، حفاظًا على الحقوق المكتسبة، وتفاديًا لأى اضطراب اجتماعى، وخلال هذه المدة سيتمكن المتضررون من توفير وحدة تتماشى مع دخلهم المادى. وأشار إلى أن هناك حلولًا إضافية يمكن أن تعوض المُلاك خلاف إجلاء السكان، منها تطبيق زيادات دورية فى القيمة الإيجارية كل ثلاث سنوات، لضمان تحريك تدريجى للعقود القديمة دون الإخلال باستقرار الأسر، مقابل السماح للمستأجر بالبقاء فى الوحدة السكنية لمدة خمس سنوات إضافية بعد انتهاء الفترة الانتقالية، فى حال رغبته فى ذلك، بعقد جديد تكون المحكمة طرفًا فيه.الرئيس السابق لـ«نقابة المُلاك»: مدة الخمس سنوات تفتح باب الابتزاز سجل الرئيس السابق للنقابة العامة لمُلاك العقارات، مراد منير، بصفته أحد المتضررين، اعتراضًا على بعض بنود مشروع القانون المقدم حاليًا أمام مجلس النواب، والتى تتضمن زيادة القيمة الإيجارية للأماكن المؤجرة لغرض السكنى إلى ٢٠ مِثل القيمة الإيجارية، على ألا تقل عن ٥٠٠ جنيه للوحدة بالقرية و١٠٠٠ لمثيلتها بالمدن، موضحًا أن هذه التسعيرة غير عادلة بالنسبة للمالك، وأنه يجب أن تحدد التسعيرة بين المالك والمستأجر وفقًا للمنطقة السكنية وحالة العقار الحالية. وانتقد «منير» بند الزيادة الدورية فى قيمة الإيجار حتى تنتهى العقود خلال مدة ٥ سنوات من تاريخ العمل بها، مشيرًا إلى أن حالة أغلب عقارات فى المناطق أصبحت سيئة، وبينها ما هو آيل للسقوط. وقال: «الفترة الانتقالية الطويلة قد تدفع العديد من المستأجرين إلى التفاوض مع المُلاك لعقد صفقات مالية، تتيح لهم تسليم الوحدة فورًا مقابل مبالغ طائلة».