هل رفض الأزهر لقانون الفتوى إلقاء بالشوك في طريقها؟

هل رفض الأزهر لقانون الفتوى إلقاء بالشوك في طريقها؟

لن أسأل عن ماذا يعني الأزهر بالنسبة لكل المسلمين في مصر، ولا عما يمثله لكل من يعتنق الإسلام على وجه الأرض؟ فأنا لا أمثل هؤلاء ولا أعبر عن هؤلاء، لكنني سأسأل نفسي عن مكانة الأزهر الشريف في وجداني وعقلي حتى أستطيع أن أسوق المبرر   في مخافتي على تلك الهامة الشاهقة التي اعتدنا ألا تهبط على الأرض قبل أن تلمس السماء، فقد نشأت في كنف جدي الراحل العالم الأزهري المستنير، وكان منشغلًا بالعلم، زاهدًا في الحياة الدنيا، فلم يشغله سوى العلم والعبادة والإنفاق والكرم، وكان منزل والدي – رحمه الله – مفتوحا لسنوات طويلة لهذا الجد العظيم حتى مات فيه، لذلك كان الالتصاق به أكثر، والمعرفة به أقرب، ومعه ولدت محبة الأزهر وإجلال علمائه في قلبي عن يقين وتجربة، وقد ورثت عنه مكتبته التي جمعها في عدة خزائن  احتضنت أمهات وأصول الكتب من علوم الشريعة والفقه واللغة والأدب والتاريخ والتراجم وكنت أرى مٌكثه على القراءة يٌجزم بأنه قد قرأها كلها، فلا يٌمكن أن يمر عليه وقت بلا قراءة، ورأيته وهو يستقر  بعائلتنا على مرفأ التسامح والاستقامة ويقودها في البعد عن البغضاء والشطط واللمم، حتى أن زيه الأزهري            (العمة والقفطان والجبة والكاكولا) كان يكفي وحده وهو معلقا على مسمار مثبت في جدار الحجرة أن يبث فينا ونحن صغار هذا التسامح وتلك الاستقامة دون أن يكون صاحبه بيننا، وظل (مسمار جدي) بعد موته قِبلة لحفيده كلما عاود بيت الأب زائرا بقلب منفطر من قسوة الحياة توجه إليها متذكرا القيم والنصائح التي غرسها في العقل كغرس المسمار في الجدار  متخيلا ارتداءها لعمته وقفطانه وهي تٌعيد الحديث معي من جديد وتصحح وجهتي في الحياة والتغلب على مرارة أحداثها وكَبدَها.         
وفي المدرسة درسنا تاريخا عظيما يٌمجد دور الأزهر التاريخي في مواجهة الاحتلال ومساندة الثورات الشعبية حيث كان للأزهر دائما دور الزعامة والقيادة،ولن استفيض بالقول عن هذه المقاومة الشعبية والثورة الهائلة التي اضطرمت علي الحملة الفرنسية على مصر والتي ذهب ضحيتها آلاف المصريين وحاول بعدها الفرنسيون القبض علي زعماء الثورة «المعممين» ومنهم الشيخ سليمان الجوسقي شيخ طائفة العميان والشيخ أحمد الشرقاوي والشيخ يوسف المصيلحي، وتم اقتيادهم حتي منزل «القومندان» بدرب الجماميز ثم جٌرِدوا من ثيابهم وسٌجنوا في القلعة ليؤكد الجبرتي في كتابته للتاريخ أنهم أعدِمٌوا في اليوم التالي رميا بالرصاص وألقيت جثثهم أعلي سور القلعة وغاب أمرهم عن الناس، وقد تعلمنا أيضا في المدارس أنه في حقبة الاحتلال البريطاني ومن فوق منبر الأزهر  برز القٌمص سيرجيوس وسط الثائرين ضد الاحتلال، وكان أشبه بعبدالله النديم، إذ وهبه الله لسانًا فصيحًا جعله خطيبا رفيعا مُفوها إلى الحد الذي جعل سعد زغلول يطلق عليه لقب خطيب مصر أو خطيب الثورة الأول، وخطب القٌمص سيرجيوس من الأزهر أكثر من مرة، مٌعلنًا أنه مصري أولًا ومصري ثانيًا ومصري ثالثًا، وأن الوطن لا يعرف مٌسلمًا ولا قبطيًا، بل مجاهدين فقط دون تمييز بين عمامة بيضاء وعمامة سوداء. 
أقول ذلك لأعلن للإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الجليل أن الأزهر الشريف لا يٌمثل لي ولا أعتقد لأي مصري مجرد دار للفتوى، ولا مجلس للعلماء، ولا جامعة كبيرة، ولا بيت للزكاة والصدقات، بل هو أيضا تجسيد لرحلة الشهداء الذين فقدٌوا حياتهم من أجل أن تعيش الأجيال القادمة، ومن أجل أن تستقيم الأوطان على أرض العقيدة الصحيحة التي تنادي بالسلام والإخاء والمحبة، ومن أن أجل أن يلتف الشعب حول حلم المواطنة فيستقر الوطن سالما، ومن أجل أن يستمر نضال الأزهر نبراسا يٌقهر الجمود ويدفع بالعلم إلى الأمام ويقبل الرأي الآخر وينتصر لحرية الإنسان المسئولة.
ولا أعرف هل يقرأ الإمام الأكبر ما أكتبه وكل ما يكتبه من هم أفضل مني وأكثر أثرا من الكتاب الإصلاحيين والمفكرين والعلماء والمثقفين المعتبرين الذين يحترمون الأزهر  ويجلون شأنه ووقاره، فقد جَر القلم صاحبه مرارا ونادت الكلمات رفاقها، وانتهت الأوراق من تحت إيدينا، وقد طال الصمت حتى كاد أن يصبح موتا، إلى الحد الذي صدقنا معه أن عقيدتنا في خطر وأن أخلاق الأمة بهتت، وأن ثباتها ووعيها قد ضل، والأزهر هو من كان يقود الوعي ويٌثبت الناس تحت بطش الاستعمار الوحشي، فلما غاب الاستعمار  وتوسع الأزهر في منابره وهيئاته وجامعته ومراكزه ومجامعه والأمة يٌهزم وعيها وقفنا في حالة فقدان للاتزان ولم نصل إلى الحقيقة هل نحن بَعٌدنا عن الأزهر  .. أم أن الأزهر هو الذي فعلها؟ 
لقد كان الحديث عن رفض الأزهر الشريف مشروع القانون الذي يهدف إلى ضبط الفتاوي وتحديد الجهات المختصة بإصدار ها بسبب ما يتضمنه من منح حق إصدار الفتاوى لإدارة ولجنة الفتوى بوزارة الأوقاف أمرا صادما خاصة بعد أن وجه العالم الجليل الدكتور علي جمعه رئيس لجنة الشئون الدينية بمجلس النواب وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف لوما شديدا إلى ممثل الأزهر  العالم الجليل المعتبر الدكتور محمد الضويني وكيل الأزهر  – وفق ما نشرته وسائل الإعلام – بسبب إعلان المؤسسة موقفها الرافض لمشروع القانون عبر وسائل الإعلام قبل انتهاء اللجنة من مناقشاته قائلا: (كان يجب الانتظار حتى انتهاء المناقشات،ما حدث لا يليق، وقد خالف الأعراف البرلمانية  اللجنة مستاءة مما جرى، وعليك أن تبلغ رؤسائك في الأزهر بذلك رسميًا) ! ورد الدكتور الضويني مؤكدا إن الأزهر يضم قطاعات متعددة، من بينها قطاع المعاهد الأزهرية الذي يشمل 170 ألف مدرس، منهم 50 ألفًا على الأقل من خريجي كلية الشريعة والقانون. ورغم ذلك لا يُعطى لهم حق الإفتاء، رغم أنهم من أبناء الأزهر.
كان السبب في هذا الاشتباك أن مشروع القانون الهادف إلى ضبط الفتوى والذي حدد الجهات المختصة بإصدار ها، وعلى رأسها هيئة كبار العلماء ودار الإفتاء المصرية ومجمع البحوث الإسلامية وذلك بالنسبة للفتوي العامة ومركز الأزهر العالمي للفتوى فيما يختص بالفتوى الخاصة، قد حاول الأزهر في مناقشاته حرمان وزارة الأوقاف من الإفتاء رغم أنها تقوم بهذا الدور فعليا من خلال هيكلها التنظيمي الذي يكفله لها القانون ويضم إدارة للفتوى، ورغم حاجة المسلم في كل بقعة على أرض  مصر إلى رأي إمام المسجد في الفتاوى والأحداث اليومية التي يمر بها ويستعصي عليه معرفة الرأي الشرعي فيها، خاصة في القرى والنجوع والكفور والمحافظات والمدن البعيدة التي تبعد مئات الكيلو مترات عن لجنة الفتوى في الأزهر أو دار الإفتاء المصرية، أو قد لا تتمتع بخدمات متاحة للتواصل عن طريق طلب الفتوى الإلكترونية، وخاصة مع البسطاء من الناس والذين لا يجيدون القراءة والكتابة أو استخدام وسائل التواصل، ثم أننا نعلم جيدا أن كل أئمة المساجد التابعين للأوقاف هم من أبناء الأزهر وقد تخرجوا في كلياته الشرعية ولا يجوز  تعينهم إلا لو كانوا من بين خريجي الكليات الشرعية بجامعة الأزهر،وأنهم قد اجتازوا برامج التدريب والتأهيل التي تضعها دار الإفتاء المصرية ولم يعترض عليها الأزهر، وهم في النهاية سوف يكون دورهم في الفتاوي الخاصة التي يحتاج فيها الإنسان البسيط لمشورة عاجلة، وجميع هذه الفتاوى معروفة وصدرت مسبقا سواء من لجنة الفتوى بالأزهر الشريف أو دار الإفتاء المصرية، بالإضافة إلى أن الدكتور أسامه الأزهري وزير الأوقاف أكد أنه ليس كل من يعمل في وزارة الأوقاف يجوز له الإفتاء، لكن الأمر يخضع لاعتبارات كثيرة يمكن للقانون أن يحددها ويضع لها شروطا من خلال الأزهر الشريف ودار الإفتاء المصرية.
ولاشك ان هذا المشهد يثير في القلوب والعقول حالة تجسيد للتباين والفرقة خاصة فيما يتعلق بعقيدة الناس ودينهم وهو الأمر الذي يفتح لأعداء الوطن الأبواب ليبثوا الفتنة والأكاذيب حول محاصرة مؤسسة الأزهر ومحاولة تقزيم دورها وفي ذلك لعب على أوتار مشاعر المصريين الدينية واحتكاك بمكانة الأزهر في نفوسهم، وهو الأمر الذي كان يجب أن تنتبه إليه مؤسسة الأزهر  وتحاول أن تحقق الوفاق بين جميع الأطراف باعتبار أنها البيت الأكبر وصاحبة التقدير والاحترام الأجل خاصة وأن الدكتور أسامه الأزهري وزير الأوقاف يكن كل التقدير والاحترام للإمام الأكبر وقد رأينا ذلك بيانا وعِيانا على شاشات الفضائيات في كثير من المناسبات الرسمية التي يحضرها رئيس الجمهورية، وهو يعتبر نفسه من طلاب عِلم الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، غير أن المشهد يعكس محاولة من الأزهر الشريف للدفاع عن ما قد يفسره البعض بأنه حصار لدوره، والحقيقة أنني أرى أن مؤسسة الأزهر الشريف هي من تحاصر نفسها، وأن هناك العديد من الأمور والقضايا التي لم تثبت فيها مرونتها إعتبارا من قضية تجديد الخطاب الديني وحتى إشكالية قانون الفتوى، ولا أعني بالمرونة عدم التمسك بثوابت الشريعة الإسلامية وأحكام القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، بل أعني مرونة الالتحام مع قضايا المجتمع العقائدية والابتعاد عن تبني نظرية المؤامرة التي قد يعتقد المنتمون للأزهر أنها مرسومة له للقضاء على دوره ومكانته ورسالته، وقد كتبت في هذا الأمر العديد من المقالات وكنت أحاول أن ألفت نظر الإمام الأكبر  إلى رأي أمين حريص على  الأزهر ويٌقدر إمامه الأكبر  ويَغير عليه، وأنه لا يجب الإصرار  على الدوران في كنف فكر واحد ورؤية واحدة لا ترى إلا ما تراه وحدها، فقد تعلمنا في الطب أن زواج الأقارب قد ينتج عنه تشوهات الأجنة والعديد من العيوب الخلقية، ونحن لا نريد من زواج الفكر الواحد أن ينتج عنه عيبا في التواصل مع المجتمع والشعور بأزماته، لكن يبدو أن هناك من يمنع وصل صوتنا للإمام الأكبر.       
ولعل هذا يحفزني على طرح بعض الأسئلة في إشكالية قانون الفتوى:
أولا: هل من حق الأزهر الشريف أن يعترض على مشروع القانون الذي يهدف إلى ضبط الفتاوي:
لقد رأى الأزهر الشريف أن القانون بصورته المطروحة هو تداخل في اختصاصات الأزهر المنصوص عليها دستوريًّا وقانونيًّا وذلك وفقا لما نشره المركز الإعلامي للأزهر الشريف، وهذه الرؤية بالتأكيد تستند إلى المادة (7) من الدستور المصري والتي تنص على أن: (لأزهر الشريف هيئة إسلامية علمية مستقلة، يختص دون غيره بالقيام على كافة شئونه، وهو المرجع الأساسي فى العلوم الدينية والشئون الإسلامية، ويتولى مسئولية الدعوة ونشر علوم الدين واللغة العربية فى مصر والعالم. وتلتزم الدولة بتوفير الاعتمادات المالية الكافية لتحقيق أغراضه. وشيخ الأزهر مستقل غير قابل للعزل، وينظم القانون طريقة اختياره من بين أعضاء هيئة كبار العلماء)
وحقيقة تفسير هذا المادة أن الأزهر مستقل في إدارة كافة شئونه وأن منصب الإمام الأكبر محصن ضد العزل، وأن الدولة ملتزمة بدعمه الكامل لتحقيق مسئولياته في الدعوة ونشر علوم الدين واللغة العربية فى مصر والعالم، وكل ما سبق مٌتفق عليه ولا يوجد أي مساس بشأنه أو الإقلال منه،  أما كونه المرجع الأساسي فى العلوم الدينية والشئون الإسلامية (وهذا متفق عليه أيضا) فلا يَسمح للأزهر الشريف بأن يتدخل في التشريع أو يأخذ اختصاصات السلطة التشريعية ومجلس النواب، بل يٌؤخذ رأيه فقط في توافق القانون مع الشريعة، والقانون المعروض يٌقدم نظاما ولا يقدم عيبا أو حراما، ولا يٌقدم تفسيرا فقهيا أو دينيا من اختصاص مرجعية الأزهر الشريف، ولذلك فإن التحكم في اختيار جهة دون غيرها للفتوى، ليس من الأمور الشرعية، بل من الأمور التنظيمية التي لا يحق للأزهر  التعمق فيها، فسلطة النواب تمكنهم من طلب تعديل الدستور  أما سلطة الأزهر لا تمكنه من ذلك، ولهذا فإن رؤية الأزهر بأن عدم الأخذ برأيه في مشروع قانون تنظيم الفتوى هو تداخل  في اختصاصاته المنصوص عليها دستوريًّا وقانونيًّا هو حصار للأزهر لنفسه والدخول في بوتقة مغلقة تصور له بهذا المفهوم الخاطئ أنه المرجع  لتفسير مواد الدستور  كما أنه المرجع الأساسي في الشئون الإسلامية وعلومها، بخلاف أن ذلك يدفع الشك في نفوس الناس من مصداقية إمام المسجد التابع لوزارة الأوقاف الذي يؤم صلاتهم ويصاحبهم فيها للتواصل مع الله، بينما يرى الأزهر أنه لا يصح استفتاؤه في فتوى خاصة.  
ألا يفتح ذلك بابا للجوء الناس في القرى الفقيرة والنجوع البعيدة لفتاوى الإرهاب والانقضاض على صحيح الدين؟ ألم يفكر الأزهر وقياداته في هذا الخطر؟
ثانيا: ماذا يفسر رد فعل الدكتور علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء ورئيس لجنة الشئون الدينية بمجلس النواب من موقف مؤسسة الأزهر من القانون؟
لا أملك الحديث نيابة عن العالم الجليل الفقيه الحجة، لكني أملك الحديث عن وقع هذا الرد من الفعل علينا كمواطنين نعتنق الإسلام وننظر للأزهر على أنه مرجعيتنا الأساسية في أمور عقيدتنا، فقد عكس ذلك أن هناك جمود في مرونة مؤسسة الأزهر  وأن هناك ثمة خلاف بين القيادات الدينية داخلها فيما يخص أمور العامة وشئون دينهم وهو ما يترتب عليه بالتبعية شئون دنياهم، وهذا أمر يثير القلق بعد أن وصل الاستفزاز  إلى حد قول الدكتور علي جمعة للدكتور الضويني وكيل الأزهر: ( وعليك أن تبلغ رؤسائك في الأزهر بذلك رسميًا) ونحن نعلم جيدا من هو الرئيس الوحيد لوكيل الأزهر في المشيخة!
ثالثا: ما هو السبب والدافع وراء حرص الدولة ومجلس النواب على إصدار قانون لتنظيم الفتوى؟
لقد وصلت فوضى الفتاوى في مصر  إلى درجة لا يمكن الوقوف أمامها وقوف الصُم والبٌكم والعميان وفي نهاية العام الماضي دعا مؤتمر دولي في القاهرة نظمته «الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم»، تحت مظلة دار الإفتاء المصرية، إلى ضوابط لمواجهة فوضى الفتاوى إلى الدرجة التي اعتبرها مفتي الديار المصرية الدكتور نظير عياد واحدة من التحديات الخطيرة التي تواجه أمن المجتمعات، مشيرًا إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي ساعدت على انتشار هذه الفوضى وظهور غير المتخصصين على منابرها وهم يفتون بالخطأ للناس في أمور دينهم ودنياهم.
لكننا لا نخفي أن من أسباب الأزمة وما وصل بها إلى أوجها هذه الآراء الفقهية التي وصفها الكثير  بالشاذة والتي صدرت من بعض أساتذة جامعة الأزهر  من مشاهير الفضائيات، وقد نقدها ورفضها أيضا زملاء لهم  من علماء الدين المشهود لهم من بين أساتذة جامعة الأزهر نفسها ومن داخل أروقة الأزهر الشريف، وقد زاد الطين بِلة موقف الأزهر الذي يكتفي دائما بأن يٌبرئ نفسه من هذه الآراء وأنه غير مسئول عنها، دون أن يأخذ في الاعتبار أن هؤلاء الأساتذة يخرجون على الشاشات ويدخلون البيوت من خلالها تحت التعريف بأنهم أساتذة بجامعة الأزهر،  ورغم أن جامعة الأزهر أعلنت عن إحالة هؤلاء الأساتذة إلى لجان التحقيق إلا أننا لم نسمع عن نتائج هذه التحقيقات وما هي الإجراءات التي اتخذتها مشيخة الأزهر  لحماية الناس من هذا الشطط، وفي الوقت نفسه نجدها تعترض على الفتوى الخاصة التي تصدر عن علماء وأئمة وزارة الأوقاف والذين لم نسمع بشأنهم شكاوى مؤثرة ضدهم بقدر ما نسمع ونشاهد كل يوم هذه الفتاوى والآراء الشاذة التي تصدر من بعض أساتذة كليات جامعة الأزهر الشرعية وتحت ستار الانتماء للجامعة..
إنني أؤيد لجنة الشئون الدينية في مجلس النواب برئاسة العالم الجليل وحبر الأمة الدكتور علي جمعة في إقرارها وموافقتها النهائية على مشروع قانون بشأن تنظيم إصدار الفتوى الشرعية، وأنه على أعضاء مجلس النواب أن يقوموا بمسئولياتهم لإنفاذ هذا القانون الذي يقضي على استباحة أمور الدين والفتوى بهذا الأسلوب الذي يٌفرق الناس أكثر مما يجمعهم، ويشتت بنائهم العقائدي أكثر من بنائه وإعلائه. 
ثم أنني أؤكد ثقتي في علم وأمانة ونزاهة وثقل الأستاذ الدكتور أسامة الأزهري مستشار رئيس الجمهورية للشئون الدينية ووزير الأوقاف وامكاناته الإدارية والتنفيذية الواعدة وأجْل وأقدر دفاعه عن أبناءه من الأئمة والدعاة بوزارة الأوقاف وأيقن جيدا أنه يبدأ عهدا جديدا في إعدادهم وتدريبهم بالطريقة المثلى ليكونوا أئمة التنوير والعلم ومن يٌقدمون للناس يُسر الدين ويٌعينوهم بالفتوى الرشيدة والصحيحة والمتوافقة مع صحيح الشريعة الإسلامية في الأمور الخاصة واليومية.
وأجدني في النهاية أقول لفضيلة إمامنا الأكبر الأستاذ الدكتور احمد الطيب، نحن في حاجة إلى أن تستقر في نفوسنا جلالة الأزهر ومكانته، فنحن لا نستطيع أن نٌخرجها من قلوبنا، وهي تسري فينا مسرى الدماء في العروق، ولا يمكن أن ننتقص منها شيئا وليس بإرادتنا أن نفعل ذلك، ولا يمكن أن تكتمل هويتنا الوطنية والعربية والإسلامية إلا من خلال هذا الوعي والذي لن يٌقيمه إلا الأزهر الشريف… لا تترك المصريين يا فضيلة الإمام بين شد وجذب في أمورهم العقائدية، فهذه هي الكارثة الكبرى التي لن تقوم لنا بعدها قائمة.         
أثق أن هذا القانون سوف يرفع الشوك عن طريق الفتوى في وطن أعياه أن يصبح الدين وظيفة وليس رسالة!