ليس بالدبابات وحدها نحمي الأمن القومي المصري.. بل بالوعي الشعبي أيضا

ليس بالدبابات وحدها نحمي الأمن القومي المصري.. بل بالوعي الشعبي أيضا

في وقتٍ تمر فيه منطقتنا بأخطر المراحل وأكثرها تقلبًا منذ عقود، يقف الشعب المصري ومؤسسات دولته أمام مسؤوليات جسام في حماية الأمن القومي وصون السيادة الوطنية. فقد أصبحت التحديات متعددة الأبعاد، تتقاطع فيها المصالح الدولية مع الأطماع الإقليمية، وتتسلل عبرها الشائعات والضغوط لزعزعة الاستقرار وإرباك المشهد
وفي مرحلة تشهد فيها منطقة الشرق الأوسط تحولات استراتيجية غير مسبوقة، تتزايد التحديات التي تواجه الأمن القومي المصري، في ظل إعادة تشكيل خرائط النفوذ وتنافس القوى الكبرى والإقليمية على الممرات والمواقع الحيوية، يأتي ملفا تيران وصنافير والممرات البديلة لقناة السويس على رأس هذه المخاطر، ما يضع القيادة السياسية المصرية في مواجهة قرارات مصيرية تستوجب الموازنة بين المصالح وحماية الأمن القوميتُعد جزيرتا تيران وصنافير موقعًا استراتيجيًا يتحكم في مدخل خليج العقبة، ويُشكل وجود أي قاعدة عسكرية أجنبية فيهما ـ تحت أي مسمى ـ مساسًا مباشرًا بالأمن القومي المصري. الأنباء المتواترة عن احتمال إقامة قاعدة عسكرية أجنبية  ولو تحت غطاء دولي أو عربي، تثير تساؤلات حول مدى تأثير ذلك على السيادة البحرية المصرية وقدرة الجيش المصري على التحرك بحرية في مناطق حيوية له منذ عقود.الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي قاد مفاوضات إعادة ترسيم الحدود البحرية مع السعودية، حرص على التأكيد بأن “أمن مصر القومي خط أحمر”. وفي عدة مناسبات، ألمح السيسي إلى أن مصر تتابع التحركات في البحر الأحمر عن كثب، وتتعامل مع التهديدات عبر تعزيز الوجود العسكري في الجنوب الشرقي للبلاد، وتطوير الأسطول الجنوبي، وإنشاء قواعد بحرية جديدة كقاعدة “برنيس”، الأقرب إلى تلك المنطقة.
أما التحدي الثاني، فيتمثل في ما يتردد عن ممر تجاري إسرائيلي ـ هندي ـ إماراتي ـ أوروبي عبر الأراضي الإسرائيلية، يهدف إلى منافسة قناة السويس، العمود الفقري للاقتصاد المصري. المشروع، الذي يعتمد على ربط ميناء إيلات على البحر الأحمر بميناء أشدود على المتوسط، عبر خط سكك حديدية وشبكة لوجستية، يُنظر إليه كتهديد مباشر للعوائد الاستراتيجية والاقتصادية لقناة السويس.مصر، من جانبها، لم تلتزم الصمت. الرئيس السيسي أعلن عن مخططات لتطوير محور قناة السويس، وتوسيع قدراتها، وتحويل المنطقة إلى مركز عالمي للخدمات اللوجستية والصناعات الثقيلة، في محاولة استباقية لتعزيز تنافسية الممر المصري. كما تعول القاهرة على علاقاتها المتوازنة مع الهند والإمارات والاتحاد الأوروبي للحد من تأثير هذا المشروع.أمام هذه التحديات الخارجية، يبرز عامل الداخل المصري كخط الدفاع الأول. فرغم الأزمات الاقتصادية وضغوط المعيشة، تبقى الجبهة الداخلية صامدة إلى حد كبير، مدفوعة بوعي متزايد بخطورة اللحظة الإقليمية. الإعلام المصري الرسمي والخاص يساهم في صياغة خطاب تعبوي يربط بين الاستقرار الداخلي والتصدي للأطماع الخارجية.ومع ذلك، تُطرح تساؤلات حول مدى فاعلية أدوات الدولة في إشراك المواطن في هذا التحدي، وسط مطالب بزيادة الشفافية والمصارحة، وفتح حوارات مجتمعية أوسع تكرّس مفهوم الأمن القومي كقضية جامعة، لا حكرًا على مؤسسات الدولة فقط.إن ما تواجهه مصر اليوم ليس مجرد صراع جيوسياسي عابر، بل اختبار شامل لقدرتها على التموضع الذكي وسط شبكة معقدة من التحالفات والمشاريع المتنافسة. والفيصل في هذا التحدي يبقى في مدى وحدة الجبهة الداخلية، وحنكة القيادة السياسية في قراءة المتغيرات واتخاذ القرارات المناسبة دون تفريط أو تهور. فالأمن القومي لم يعد يُصان فقط بالدبابات، بل أيضًا بالإدراك الشعبي، والتحرك الاقتصادي، والدبلوماسية الواعية.لقد كان الرئيس عبد الفتاح السيسي واضحًا وحاسمًا في أكثر من مناسبة عندما قال إن “الأمن القومي المصري خط أحمر لا يمكن تجاوزه”، وأن الدولة لن تتهاون مع أي تهديد مهما كان مصدره أو حجمه. لم تكن هذه الكلمات مجرد شعارات، بل عقيدة وطنية تُترجم إلى سياسات واستعدادات حاسمة. ولعل تكرار الرئيس لنداء “انتبهوا.. وعي الشعب هو خط الدفاع الأول” يعكس إيمانه بأن الشعب الواعي هو شريك أساسي في حماية الوطن، وليس مجرد متلقٍ للقرارات. ومن هنا، فإن مسؤولية التوعية تقع علينا جميعًا، أحزابًا ومؤسسات وإعلامًا، لكشف الحقائق، وفضح الشائعات، وفهم طبيعة التحديات المحيطة بنا من كل اتجاه.الأمن القومي المصري لا يرتبط فقط بحماية الحدود، بل يتسع ليشمل المياه الإقليمية، والفضاء نفسه 
كما أن التطورات المتسارعة في السودان وليبيا وغزة  تؤكد أن مصر مستهدفة بدورها وموقعها، وأن كل تهاون في الردع أو غياب للرؤية الواضحة قد يفتح ثغرات لا تُغتفر في جدار الدولة.وقد اثبتت الدولة المصرية منذ اندلاع الحرب في غزة قدرتها علي حماية أمنها القومي بدون استخدام طلقة واحدة وتحملت الدولة المصرية كافة الضغوط ووقفت مخططات كبيرة للتهجير وهو مايثبت نجاعة الأسلوب المصري في امتصاص الأزمات والتعامل معها وتفكيكهافي رأيي يجب تنظيم ندوات ومؤتمرات لتوعية المواطنين بحقائق التحديات الإقليمية وتأثيرها على استقرار الدولة.رصد الشائعات والرد عليها بحقائق موثقة بلغة يفهمها الشارع.تعزيز الاصطفاف الوطني بعيدًا عن الانقسام، ودعم مؤسسات الدولة في مواقفها المصيريةرفع الوعي السياسي لدى الجماهير، خاصة الشباب، ليكونوا شركاء في حماية الوطن لا مجرد متفرجين.استخدام الإعلام والمنصات الرقمية في بث رسائل وطنية عقلانية تشرح التهديدات وتغذي روح الانتماء والفهم.
ولا يمكن الحديث عن الأمن القومي دون التطرق إلى قناة السويس، هذا الشريان الحيوي الذي يمثل أحد أعمدة الاستقرار الاستراتيجي والاقتصادي لمصر. إن ما يُثار من حين لآخر عن إنشاء ممرات بديلة أو مشاريع منافسة، يستدعي منا جميعًا نشر الوعي الوطني بأن قناة السويس ليست ممرًا مائيًا فقط، بل رمز سيادي مرتبط بهوية مصر الجغرافية والتاريخية.
ورغم كل محاولات المنافسة، لا تملك أي دولة أو مشروع القدرة على استنساخ الموقع الفريد الذي تحتله مصر، والذي يربط بين ثلاث قارات، ويفصل بين بحرين، ويصل بين محيطين.
لكن الخطر الحقيقي يكمن في محاولات النيل من سمعة القناة أو تقليل الثقة العالمية بها، وهو ما يستوجب حملة وطنية للتوعية بأهميتها، وبدور الدولة في تطويرها وحمايتها كجزء لا يتجزأ من أمن مصر القومي.الشعب المصري يثق في قدرة قواته المسلحة ومؤسسات الدولة على حماية الوطن، وعلينا فقط أن الشفافية في السياسات الإقليمية، والإجماع الوطني، والاصطفاف خلف المصالح العليا لمصر، هي خطوط الدفاع الأولى. ودعوة  كل القوى السياسية والمجتمعية إلى المشاركة في حوار وطني مفتوح حول ملفات الأمن القومي، لأن الوطن ليس مسؤولية الحكومة وحدها، بل مسؤولية شعب 
مصر دولة ذات تاريخ، تحمي مصالحها بقرارها الوطني الحر، وبإرادة لا تنكسر.