اختلفوا مرة أخرى

لا أتذكر كم مرة منذ دخول ترامب إلى البيت الأبيض فى يناير الماضى، ظهرت فجوات واضحة فى المواقف بين ترامب ونتنياهو، ورغم محاولات الأخير ابتلاع هذا، والتصريح بأن الأمور على ما يرام، فإن الحقائق والمعلومات والتصريحات تقول إنه ليس كل شىء على ما يرام.كانت التوترات مرتفعة بين إسرائيل والحوثيين منذ بدء الحرب فى غزة، لكنها ارتفعت بشكل أكبر منذ سقوط صاروخ حوثى بالقرب من مطار بن جوريون الإسرائيلى الأحد الماضى، ووعدت إسرائيل بالرد ٧ أضعاف، وبالفعل هاجمت فى ٢٤ ساعة ٧ أهداف فى اليمن من بينها المطار الرئيسى فى صنعاء، وأسفرت الخسائر فى اليمن عن ٥٠٠ مليون دولار، وعادت البنية التحتية لليمن إلى العصر الحديدى، كل هذا تم تحت المظلة الأمنية للولايات المتحدة. لكن فى اليوم التالى، كان الحديث مختلفًا، وبدا أن واشنطن تركت تل أبيب مرة أخرى فى الظلام، حيث أعلن البيت الأبيض عن أن إدارة ترامب توصلت إلى اتفاق مع الحوثيين، يقضى بوقف هجماتهم على السفن فى البحر الأحمر، وأن الولايات المتحدة ستوقف ضرباتها ضدهم، قال «ترامب» عن الحوثيين خلال اجتماع فى المكتب البيضاوى مع رئيس الوزراء الكندى مارك كارنى: «قالوا: من فضلكم، توقفوا عن قصفنا، ولن نهاجم سفنكم. وسأقبل بوعدهم، وسنوقف قصف الحوثيين فورًا».حسب الإعلام الإسرائيلى، فإن ترامب لم يُبلغ نتنياهو بالاتفاق. وإنه شاهد التصريحات مثله مثلنا عبر الشاشات.والأكثر استفزازًا لإسرائيل كان تصريح جماعة الحوثيين بأن اتفاق وقف إطلاق النار بين الجماعة والولايات المتحدة لا يشمل إسرائيل، حيث لم يتعهد الحوثيون بوقف الهجمات على أى سفن أو أهداف أخرى مرتبطة بإسرائيل.لا أحد لديه تفسير واضح لموقف ترامب، فمن ناحية هو لا يريد أن يستمر إلى الأبد فى ضرب الحوثيين، ويريد اتفاقًا، لأنه دائمًا يريد اتفاقًا.. مع أى أحد وفى أى مكان.ومن ناحية أخرى، فربما ترامب لم يكن قلقًا من الأساس من هجمات الحوثيين على إسرائيل «التى تُحدث ضجيجًا ولكن تسفر عن نتاج طفيفة»، لكنه كان قلقًا من عملياتهم فى البحر الأحمر، التى عطّلت الاقتصاد الأمريكى، وبمجرد توقف عملياتهم فى البحر الأحمر منذ شهور، استتب الأمن البحرى، واعتبر ترامب أن المسألة قد حسمت.أو ربما لأن المفاوضات النووية تسير الآن بجدية، ويرى ترامب أنه بالاتفاق مع طهران فإن مسألة الحوثيين هى مسألة منتهية، خاصة فى الوقت الذى تريد إيران فيه التوصل إلى اتفاق مع الولايات المتحدة، وتسعى إلى علاقات ودية مع أوروبا، فهى ستقوم بالسيطرة على الحوثيين.الفجوات بين نتنياهو وترامب تتوسع، فمن ناحية هناك قلق فى إسرائيل أن يكون الاتفاق النووى الجديد سيئًا لإسرائيل، والموقف الأمريكى مع الحوثيين وضع نتنياهو فى ورطة، فهل سَيقدم على المزيد من الهجمات على الحوثيين دون واشنطن؟ هذا السؤال ذكرنا بسؤال سابق: هل سيضرب المنشآت النووية دون واشنطن؟رغم كل هذا، فإن نتنياهو لا يزال يصر على أن إسرائيل فى تنسيق دائم مع الولايات المتحدة، وأن واشنطن تطلع إسرائيل على آخر المستجدات، بما فى ذلك من خلال قنوات مثل المبعوث الخاص ستيف ويتكوف وديرمر، وأن الأمور على ما يرام.