حول رسالة دباسم عادل لفضيلة الإمام الأكبر الحلقة الثالثة والأخيرة.. انتهى عصر الفتاوى الدينية فى الشأن السياسى!

(1)لا أنكر سعادتى بهذا الحوار الذى امتد دون قصدٍ من د.باسم أو منى – لثلاث حلقات واستضافته مؤسسة الدستور وأخرجته بهذا الشكل الذى يجعلنى أعد مشاركتى به من دواعى فخرى واعتزازى. بدأ الحوار حين وجه د.باسم عادل رسالة إلى فضيلة الإمام الأكبر بجريدة الدستور منتصف الشهر الماضى. رأيت أن بالرسالة ما لا يتفق مع أطمح إليه لمصر فكتبت مقالى الأول ردا على ما جاء بها بعنوان (ردا على رسالة د.باسم لفضيلة الإمام الأكبر)، ثم استمر الحوار بمبادرة كريمة من الطبيب الكبير واستجابة منى فى حلقة ثانية. ثم أغرانى الرجل بما كتبه مرة ثالثة لإضافة هذه الحلقة التى اتخذتُ قرارا – لأسباب سوف أذكرها فى موضعها – بأن تكون آخر ما سأكتبه فى هذه القضية، دون مصادرة لحق محاورى فيما يكتبه فى نفس السياق. وكما ذكرتُ سابقا، فإننا قد انتقلنا بالحوار من مجرد اختلاف على ما جاء برسالته إلى فضيلة الإمام الأكبر إلى ما يمكنه أن يكون حوارا مجتمعيا يصب فى صالح بلادنا. فللدكتور باسم ولى شرف البداية دون أن يكون ما نكتبه هو السطر الأخير فى هذا الحوار، خاصة مع ما تمر به مصر من قضايا نقاشية كبرى لا تبعد إطلاقا عما اختلفنا عليه.أول نقطة أود المرور عليها فيما كتبه د.باسم فى مقاله الثانى الذى كان عنوانه (حتى لا يفسر الماء بعد الجهد بالماء!) أننى لم أسعد بأن يستشهد طبيب مصرى كبير بوصية أبقراط وذلك حين أراد إثبات أنه من هؤلاء المفكرين الذين يتميزون بالتدبر والتمهل حتى يصل بمعرفته إلى اليقين. الاستشهاد بأبو قراط يكرس لإجحاف الحضارة المصرية، وكم كنت أتمنى أن يكون اقتباسُ طبيب مصرى كبير خالصا من تراثنا المصرى وهو زاخر بالحكمة، وأن يبادر هو وباقى أطباء مصر الكبار بمحاولة تصويب ما يعتقده البعض عن مؤسسى الطب كعلم. فلدينا أطباء سبقوا أبقراط بأكثر من خمسة وعشرين قرنا. بل إن كثيرا مما جعل أبوقراط يحتل تلك المكانة العالمية كان قد نقله عن بردية كاهون المصرية الطبية التى كُتبت قبل مولد أبوقراط بأربعة عشر قرنا! لقد انتظرتْ الإنسانية لما يزيد عن أربعة وعشرين قرنا – منذ حياة أبوقراط فى القرن الخامس قبل الميلاد وحتى القرن العشرين – حتى تكتشف هذه الحقيقة! كنت ومازلتُ أتمنى أن يقود كبار أطباء مصر ثورة تصحيح المفاهيم هذه وأن ينصفوا حضارة أسلافهم حتى لو بالذكر العابر فى حوارٍ يتخذ شكل النقاش الفكرى.كما لم أسعد ثانيا باستشهاده وهو يحتفى بحوارنا بسجالاتٍ مما أسماه (تراثنا العربى) مثل سجال الفرزدق والأخطل، وابن جرير. وهذان المثلان تحديدا فى افتتاحية د.باسم هما جزءٌ أصلى من اختلافنا الفكرى الذى نتحاور على أرضيته. فأنا مصرى الهوى والهوية رغم قرائتى للحضارات الأخرى. وحين قرأت تاريخ العلوم والحضارات أدركت كثيرا من الأوهام التى يتناولها المثقفون المعاصرون فى مصر. لا أعتقد كما يعتقد غيرى أن مصر مجرد جزءٍ من هوية أخرى أوسع وأشمل. أنا أؤمن بأن الأمة هى الأمة المصرية، لذلك أسعدنى مروره على أسماء مصرية مثل العقاد وطه حسين والرافعى.(2)فيما يخص إشارة د.باسم إلى المادة الدستورية الخاصة بمؤسسة الأزهر الشريف، فأنا قطعا أعلمها. أولا لا أرى تعارضا بين ما كتبتُه سابقا وبين هذه المادة، وبما أننا لسنا فقهاءً دستوريين فإننى أكتفى بالإشارة إلى ما يفهمه أى مصرى عادى لديه بعض النصيب من القراءة والثقافة العامة. فالمادة تقول أن الأزهر هو المرجع الأساسى فى العلوم الدينية والشؤن الإسلامية، ويتولى مسؤلية الدعوة ونشر علوم الدين واللغة العربية فى مصر والعالم،وتلتزم الدولة بتوفير الاعتمادات المالية الكافية لتحقيق أغراضه. إذن وبنص الدستور فالأزهر ليس المصدر الأوحد ولكنه المصدر الأساسى، وشتان الفارق بين المعنيين. ولدينا واقعة حديثة جدا فى مجلس النواب المصرى مؤخرا واختلاف ممثل الأزهر مع ممثل وزارة الأوقاف فى فهم واحدة من محددات دور الأزهر، وما إذا كان من حق هيئات دينية أخرى مشاركته فى بعض مفردات هذا الدور. النقطة الثانية، أن هذه المادة لا تلغى تداخل مؤسسات وهيئات أخرى مجتمعية وثقافية وسياسية حين يكون الحديث عن قضايا مجتمعية وسياسية تخرج فى طبيعتها عما حدده الدستور. وكثيرٌ من القضايا التى تناولها حوارنا أراها تندرج تحت هذه الفكرة التى تنفى حصرية التصدى لها على المؤسسة الدينية. فنحن لم نتحدث عن قضايا نشر علوم الدين واللغة أو مسؤلية تولى الدعوة، إنما تحدثنا عن مفردات تخص حياة المصريين حيث لا يمكن تجاهل أحقية مؤسسات الدولة الأخرى غير الدينية فى المشاركة بالرأى أو حتى رفض ما يصدر عن المؤسسة الدينية من رأى فى إحدى المسائل. أما فيما يخص توفير الموارد المالية فإننى أتوجه بالتساؤل عما إذا كانت أى مؤسسة دينية مصرية قد تلقت تبرعاتٍ أو منح مالية فى العقود السابقة من دول أخرى، ومدى تعارض هذا مع هذه المادة الدستورية. وهذه تساؤلات حقيقية لدىّ تبدو إجاباتها غامضة لى، لأننى منذ أكثر من عشر سنوات اشتبكت ثقافيا مع طبيبٍ مصرى أزهرى على متن إحدى البواخر السياحية حول بعض مواقف الأزهر فى قضايا سياسية وفاجأنى رد الطبيب وقتها حيث قال نصا (الأزهر ميزانيته مش بس من مصر، لكن من دول إسلامية تانية وله الحق فى اتخاذ مواقف مستقلة حتى لو مش متفقة مع الدولة المصرية!) أنا لا أوجه أى اتهامات فى هذا الشأن لأى مؤسسة دينية مصرية، لكن الشىء بالشىء يذكر، ولقد ذكرنى اقتباس د.باسم لنص المادة الدستورية بهذه الواقعة فأردت طرحها لعل هناك من يفسر للمصريين إجاباتها.أما فيما يخص منصب شيخ الأزهر وعدم قابليته للعزل وطريقة اختياره، فهذا شأنٌ إدارى حدده الدستور المصرى لن أخوض فيه، وهو شأنٌ خارج عن طبيعة حوارنا، وهو قابلٌ للتعديل مستقبلا لو رأى أعضاء مجلس النواب – أو أى مؤسسة مصرية لها حق التشريع أو إصدار قرارات بقوانين – ذلك طبقا أيضا للدستور المصرى الذى منح حق التشريع لجهات محددة. (3)أشكر د.باسم جدا لأنه أنصف فكرتى الأساسية فى مقالى الأول المعترض على بعض ما جاء فى رسالته لفضيلة الإمام الأكبر. وأرى أننا – بعد جولتين من الحوار – نتفق على ما ذكره نصا فى قوله (وهذا لا يعنى مطلقا أن الفكر الدينى داخل مؤسسة الأزهر لا يحتاج إلى إعادة نظر، أو أن الخطاب المأمول المتجدد الذى يتفق مع حاجة الناس اليوم من التفسير والتوضيح البعيد عن الجدل). بل ووصل د.باسم إلى ما هو أبعد حين أقر بأنه فى حال كانت مؤسسة الأزهر غير قادرة أو متعثرة فى هذا التجديد، فإن هناك من الإصلاحات المؤسسية والهيكلية والتشريعية ما يمكن من أن يعاد النظر فيها بنية تفعيل دور الأزهر بقيادة إمامه الأكبر فى تجديد الفكر الدينى. هذا اتفاقٌ كبير جدا فيما نتحاور من أجله.بل ويقول د.باسم أنه لم يطرح قضايا كمسلمات دينية، ولم يدع لرأى واحدٍ قطعى يلزم به المصريين، وأن الخلاف فى الآراء المجددة لا يعنى أن نجرد الأزهر من استحقاقاته، بل نعمل على تقويته وإصلاحه وتطويره. يصر د.باسم أننى قد أوّلتُ حديثه الأول تأويلا خاطئا على غير ما قصده. وفى هذه الحالة، فإن أفضل طرق حسم هذه النقطة أن نحيل كل من يقرأ هذا الحوار إلى المتن الأصلى لمقال د.باسم المنشور بالدستور منتصف الشهر الماضى بعنوان (مصر والإمام ورسالتى لشيخ الأزهر)، ولنترك لكل مصرى يقرأ هذا المقال أن يفهمه ويأوله حسب ألفاظ وعبارات د.باسم الأصلية. وإذا كان رأيه الآن أن ما ذهبتُ إليه لم يكن هو ما قصده، فأنا أقول له شكرا مجددا على هذا الاتفاق، سواء كان الدكتور محقا فى خطأ تأويلى الأول، أو أنه قد تراجع عن بعض ما طرحه بعد أن قمتُ بالاعتراض عليه، وقام هو بمراجعة نص مقاله. فما يعنينى هو أن د.باسم يتفق معى فى طرحى الأول وأنه ينكر تماما أنه قد قصد ما فهمتُه.وأنا أقدم نقطة اتفاقٍ ثالثة، هى أننى حين رفضتُ مضمون فكرته الأولى حسب فهمى لها – وهى أنه يستدعى المؤسسة الدينية للحجر على بعض علمائها ومنعهم عن المصريين ومنع المصريين عنهم – فلم أكن أقصد أن أسلب الأزهر حقه فى أن يعترض أو ينتقد ما يراه فكرا شاذا من أساتذته المنتمين لجامعته. ووصف الفكر بالشذوذ هو من لفظ د.باسم. إننى قصدت ألا يتحول هذا الحق الأزهرى المؤسسى إلى حجرٍ ومنعٍ تشريعى وقانونى إدارى. أنا أدعو إلى تقبل فكرة وجود أكثر من رأى فقهى فى مسائل تحتمل تعدد الرؤى. لذلك فمن مقال د.باسم الأخير، أرى أننى قد نجحتُ فيما أردته من خوض هذا الحوار، وهو أننى قمت بإقناع د.باسم بأن يكن أكثر مرونة فيما يخص لغة خطابه فى نص رسالته الأولى فيما يخص بعض العلماء وبعض الآراء التى تبناها هؤلاء، وأننى قد أوضحتُ له – وأيضا لمن طالع نص الحوار من علمائنا الأجلاء – بأن هناك من المصريين من لم يقبلوا هذا الطرح الإقصائى لبعض علماء مصر من مؤسسة الأزهر.(4)أقدر ما قام به د.باسم – فى مقاله الأخير – من العودة إلى هذه القضايا التى كان قد مر عليها مرورا عابرا فى نص رسالته لفضيلة الإمام، ثم تجاهلها تماما وتجاهل الخوض فيها بعد مقالى الأول. ولأن د.باسم ولا أنا لسنا من أهل الفتوى، فإننى أيضا أعبر عن وجهة نظر مساندة لمن لديهم القدرة العلمية على الاجتهاد من علمائنا الذين تمت الإشارة إليهم بالاستنكار من جانب د.باسم، وبالمساندة من جانبى. فى مقالى السابق بعنوان (نختلف حول رجال لا حول رسالات سماوية!) قمتُ بالإسهاب فى عرض وجهة نظرى الخاصة بتلك المسائل، لذلك فسوف أشير بشكلٍ عابر لبعض ما طرحه د.باسم مجددا بشأنها. قصة المواريث وما يثار حولها من جدل يمكن لطبيبنا الجليل أن يعود إلى ما ذكره العالم الأزهرى المجدد الذى يتعرض لموجة الهجوم الحالية، وأعتقد أن الرجل قام بنشر رأيه كما قام بالتعليق على هذا الرأى علماءٌ آخرون سواء قبولا أو رفضا. وما يعنينى هنا أننى لستُ مع أو ضد رأى فقهى بذاته، لكننى مع حق هذا العالم فى الاجتهاد، ومع حق المصريين فى التمتع برحابة الاختلاف الفقهى. هذه قضيتى، فقضيتى ليست فقهية، لكننى تناولت هذه المواضيع تحديدا لأنها وردت فى رسالة د.باسم . ليس لدىّ بنات، لكننى أعلن بوضوح أنه لو كان لدى بناتٌ فموقفى كان سيصب قولا واحدا فى منحهم كل ما أملكه من أموال قلّ أو كثر، ليس شكا فى أخلاق إخوة رجال، إنما ثقة فى أن أخلاقهم الرجولية وما تربينا عليه سوف تدفعهم للترفع عن مزاحمة بناتى فى إرث والدهم. وموقفى المفترض هذا سيكون فقط حسما ورحمة ببناتى من خوض أى إجراءات إدارية معقدة. وهذا ما يعتقده مصريون كُثر، وهذا معتقدى بعد قراءات مستفيضة فى القرآن الكريم وأسباب نزول آيات المواريث وآراء الفقهاء. هذا معتقدى الذى سألقى به الله رغم أننى لن أفعله واقعيا!أتوقف عند ما ذكره د.باسم فيما يخص مرتب عامل البار فى فندق سياحى يقدم الخمور للسائحين. أرفض بشدة هذا القياس الذى ألقى به فى وجوهنا حين (فلو أنه مسموحٌ مثلا بممارسة الدعارة فى الفنادق وأن هناك عاملا مختصا بترتيب الغرف والعناية بفرشها..فهل بهذا الأمر شبهة الحلال؟) لا أخفى صدمتى من طرح الطبيب الكبير لأنه يعلم أنه قياسٌ فاسد، لأن قوانين مصر تتسق كليا مع الأخلاق العامة والقيم المصرية. الدعارة محرمة قانونا فى مصر يا دكتور. والمدان بها مدانٌ بجريمة مخلة بالشرف. قياس حضرتك مرفوض شكلا وموضوعا. لأنك لو أردت قياسا منطقيا لتحدثت مثلا عن المقاهى التى تقدم التدخين رغم أن بعض الفقهاء حرموه. أو التعامل البنكى أيضا لأن بعض الفقهاء حرموه. وخطورة هذه النقطة تحديدا أنها تضرب بقوة فى خندق الفصل أو خلق حالة شيزوفرينيا عند بعض المصريين بين مواد القوانين المصرية وبين ما يعتقده البعض أنه حرامٌ أو حلالٌ دينى. الوصول إلى رأى قطعى بأن مرتب عامل البار حرام، هو شأنٌ فقهى خالص. وهناك فارق بين اتقاء الشبهات إن كان ذلك ممكنا، وبين القطع بالتحريم لمرتب إنسان ما بما يعنى أنه يطعم أهله من حرام، وهذه قضية كبرى. وعودة د.باسم للدفاع عن هذه الرؤية الشخصية يعنى أنه بالفعل قد قدم بعض القضايا فى مقاله الأول وهو يعتقد أن رؤيته الشخصية مسلماتٌ دينية، وهذا يتناقض مع ما أبداه فى بدء مقاله الأخير من مرونة.(5)سأتوقف قليلا عن قضية أراها الأهم – نوعا وليس ذاتا – فيما نناقشه، ولهذا وضعتها عنوانا لمقالى الأخير. لقد استنكر د.باسم فى رسالته لفضيلة الإمام أن يفتى أحدهم بعدم وجوب الدفاع عن المسجد الأقصى. لقد قمتُ بالرد على هذا الطرح فى مقالى السابق، لكن د.باسم يفاجئنا هذه المرة بأنه لم يفهم من الفتوى التى استنكرها أن المقصود هو عدم وجوب الدفاع المسلح، وإنما فهم أن صاحب الفتوى يقول أنه لا يجب الدفاع عن المسجد الأقصى بالسبل السياسية والإعلامية وغيرها. وبناءً على هذا الفهم جاء استنكاره الأول. بصراحة أنا أستغرب من د.باسم هذا التصويبَ بأثر رجعى لعبارة واضحة قوية لا يمكن أن يفهم منها أى قارىء سوى أنه يستنكر صدور فتوى بعدم وجوب الدفاع المسلح عن المسجد الأقصى. وسواء كان هذا التصويب الأخير هو ما قصده أو ما فهمتُه أنا فى البداية هو ما قصده، فلدى وقفة مهمة هنا عن دور المؤسسة الدينية – أى مؤسسة دينية – فيما يخص القضايا السياسية. أرى أن هذه قضية سياسية خالصة تدخل – من حيث ما يجب فعله أو عدم فعله – فى نطاق تخصص مؤسسات مصرية أخرى. عالمُ الدين مهما كان منصبه ليس من حقه أن يحدد للدولة ما يجب أن تسلكه من مواقفٍ أو تتخذه من خطواتٍ تجاه قضايا سياسية يترتب على أشكال التداخل فيها تداعياتٌ لا عالمُ الدين ولا المؤسسة الدينية يمكنها أن تدركه، لسببٍ واقعى أنهم ليس لديهم المعلومات السياسية التى يغلب عليها طابع السرية. فكيف ستخوض فيما لا تحيط به علما، بل وتصدر فتاوى دينية يترتب عليها تعبئة الجماهير فى اتجاهٍ بذاته؟! النظر لهذه القصة نظرة دينية هو خطأ كبير. قد يقول قائلٌ إنها قضية دينية بالأساس وأن الكيان الصهيونى قد احتل فلسطين بناء على رؤية دينية. هذا وهمٌ كبير، هى قضية احتلال دولة مثل احتلال باقى الدول. الدين هو أداة النصب. لقد قرأتُ تاريخ اليهود صفحة صفحة، ورأيت كيف رفضوا منذ ثلاثة قرون هذا الطرح الدينى لأنه يتناقض مع التوراة. الصهيونية حركة سياسية استعمارية. مارتن لوثر وساسة أوروبا عقدوا اتفاق الشيطان للتخلص من يهود أوروبا. اللجوء للدين لتحميس الشعوب حيلة يلجأ إليها الذين لا يوجد لديهم دوافع أخرى أقوى. فى مصر لا حاجة لنا لتحميس المصريين أو تعبئتهم دينيا للدفاع عن أرضهم مثلا، لأن المصريين يقدسون الدفاع عن أرضهم ولا حاجة للبحث عن محفزاتٍ دينية كانت فى مجتمعات أخرى هى الوحيدة التى تجمع حولها الفرقاء.(6)لكننى سأعتبر – جدلا – أن قضية الأقصى قضية دينية إسلامية، وأن علماء الدين لهم الحق فى الإفتاء بما يجب فعله. حسب قراءاتى البسيطة يجب أن تكون الفتوى من علماءٍ عدول لديهم تاريخهم العلمى فيما يتصدون له من قضية للفتوى، ولا يجب أن تكون الفتوى ظالمة، أو تتناول جانبا وتتجاهل جوانبا أخرى من نفس القضية. لقد كانت القدس ومعها الأقصى قبل احتلالهما فى حماية دولة مسلمة كبرى اسمها الدولة العثمانية. سقطت الدولة 1924م وقبل سقوطها، وفى العقود من 1882م وحتى سنة سقوطها سلمت هذه الدولة لليهود وبالوثائق والأرقام أراضٍ شاسعة وبيوت ومتاجر من القدس وباقى مدن فلسطين. لقد تغيرت التركيبة السكانية لمدينة القدس – فى حماية ورعاية هذه الدولة – من غالبية عربية كاسحة إلى نسب متوازنة متقاربة مع اليهود. لم تتلاشَ هذه الدولة من الخريطة، ولها دولة وريثة مسلمة اسمها تركيا. فما هى – من وجهة نظر العدل المجرد – مسؤلية هذه الدولة عن ضياع فلسطين؟! وكيف تصدر أى فتوى دينية ولا تشير إلى تحملها المسؤلية؟ فى نفس العقود سلمت أسرٌ فلسطينية وشامية آلاف الأفدنة من أخصب أراضى فلسطين بيعا لليهود، وتحول العرب لعمال زراعة فى مستوطناتٍ كانت سابقا من ممتلكاتهم! لقد قدمتُ – من واقع الوثائق الفلسطينية – كل الأعداد والنسب والوقائع التى انتهت إلى حقيقة قفز أعداد اليهود ومعهم المستوطنين الوافدين من أقل من خمسين ألف مقابل 450 ألف فلسطينى إلى الثلث والثلثين وذلك قبل حرب 1948م! بعد الحرب رفض العرب قرارات الهدنة، ورفضوا فرض سيطرتهم عسكريا وإداريا على القدس الشرقية وحمايتها! فى حرب 67 – وكما يحلو للبعض تعليق الجرس فى رقبة مصر، ورغم أن موقف مصر كان فى الأساس نابعا من وهم التضامن العربى – تم رسميا احتلال القدس الشرقية. لكن واقعيا كانت القدس الشرقية محتلة منذ رفض العرب لقرار الهدنة. بعد نصر أكتوبر، وحين رفض أهل الدولة المحتلة أراضيهم الحضور مع مصر للحصول على حقوقهم، هذا المشهد يفصل بين عهدين فصلا كاملا. منذ ذلك التاريخ فالحق والعدل والمنطق يقول أن أهل فلسطين هم المسؤلون عن تحرير أرضهم بما فيه المسجد الأقصى. سب مصر ومقاطعتها سنواتٍ ينسف – من وجهة نظرى – أى مشروعية لأى تديين لقصة القدس أو الأقصى، وينسف تماما حق أى عالم دين فى أن ينظّر للقضية من ثقب إبرة لا يرى من خلاله إلا عبارة واحدة (أننا كمسلمين يجب علينا الدفاع عسكريا وسياسيا عن أول القبلتين وثالث الحرمين.) كل المساجد والكنائس ودور العبادة مقدسة لها نفس المكانة. المسجد الأقصى هو مسجدٌ يقع فى دولةٍ لها تاريخٌ يجب على كل من يقرر التصدى للحديث عنه أن يقرأ هذا التاريخ جيدا وبعين العقل والعدل والحق والمنطق. وأنا أقصد حق مصر والنظر بعين العقل والعدل لمواقفها.رغم كل ذلك فمن حيث رؤية د.باسم فى وجوب الدفاع عن المسجد بالوسائل السياسية والدبلوماسية، فأعتقد أن تاريخ مصر يقطع قطعا بعدم حاجتها لفتوى دينية لكى تقوم بما يتفق مع مبادئها. هذه المبادىء تتجه فى الأساس إلى الدفاع عن الحياة الإنسانية، عن بقايا شعبٍ يتمسك بوطنه. وأكرر بقايا شعب، لأن الذين باعوا وهاجروا أكثر عددا من الذين بقوا. وأين الفتاوى الملزمة للفسطينيين بالخارج بوجوب الدفاع عن أرضهم بالمال والنفس؟ يا دكتور باسم الكيان الصهيونى لا يخشى من الذين يرفعون شعاراتٍ دينية للدفاع عن الأقصى، لسبب بسيط أن من رفعوا هذه الراية على أرض فلسطين هم أكثر من أفادوا هذا الكيان وقدموا له ما لم يكن يحلم به. إن الكيان يخشى الحديث عن دولة فلسطينية وطنية ولا يخشى أصحاب الرؤى الدينية الإسلامية. وأمام حضرتك خريطة هذا الشرق يمكنك أن ترى بسهولة ماذا فعل الذين يأسلمون القضايا السياسية. سلموا أوطانهم وساهموا فى سفك دماء شعوبهم.من هذا المنطلق – وباعتبار هذه القضية مثالا نموذجيا – أقول أنه يجب الآن أن نحدد الأشياء بمسمياتها الصحيحة طبقا لعلوم ومفردات العصر. يكفى مصر جدا ما تكبدته فى العقود الأخيرة من تديين قضايا سياسية خالصة. لو كان الدستور المصرى – كما ذكّرنى د.باسم فى مقاله – قد خصص مادة لمؤسسة الأزهر وبين دورها، فأنا أقول أن القضايا السياسية خارج هذا التخصص، وأن خوض رجال الدين فى الشأن السياسى هو – طبقا لرؤيتى البسيطة لهذه المادة – هو محالفة دستورية وخروج بالمؤسسة عما حدده لها الدستور. فالدستور لم يقل أن للمؤسسة حقا فى إبداء رأى فى مسائل سياسية أو استراتيجية!أما من الناحية المنطقية البحتة، فإن منطق أن ننسى الماضى أو نتجاهله ونبدأ من جديد وكأن تاريخ الأقصى قد بدأ اليوم، ثم نمنح لرجال الدين حقا فى توجيه الرأى فى مسائل سياسية أراه منطقا غير عادل لدولة مثل مصر وشعبها، وهذا الدولة وهذا الشعب هم قضيتى ولا أرى أن هناك قضايا أخرى يتعلق جرسها فى رقبتى كمواطن مصرى خلاف مصر، أو أن لرجال الدين حقا فى تعليق هذا الجرس فى رقابنا كمصريين مسلمين! (7)أقدر قطعا ما ذكره د.باسم عن أعماله الدرامية واعتزازه بها، وذلك فى معرض نفيه ما ذكرتُه من تساؤلات عن نظرته العامة للفنون. ومع هذا التقدير أجدنى مرة أخرى أعيد التذكير بأننى لم أكن أحاكم أفكار د.باسم أو أحاكم إنتاجه الفكرى أو الأدبى، لكننى كنت أتناول نصا منشورا حمل اسمه، وطريقتى فى تناول أى مادة منشورة، هى أننى أنحى جانبا شخصية كاتبها وأتناول فقط ما أقرأه. فأحدنا قد يتفق مع آخر فى فكرة وقد يختلف فى أخرى. وأشكر لحضرته هذه الإشارة إلى علاقته بصحف سابقة وموقفه من التيارات الدينية المتطرفة. ولدى فقط تعليقٌ على عبارته الأخيرة فيما يخص (وموقفى من التيارات الدينية المتطرفة والمتشددة)، لأن هذا الطرح تحديدا – بجعل موقف أى مفكر أو حتى رجل دين من هذه التيارات مقياسا لتصنيف هذا المفكر أو ذلك العالم – كان هدفا لعدة صفحات من كتابى الأسود. أنا لا أتفق على صواب هذا المقياس، لأن هناك فارقا شاسعا بين شيئين، الأول هو هذه التيارات واتفاق غالبية مفكرينا على موقف الرفض والاستنكار والتصدى لها، وبين رؤى باقى رجال الدين من بعض القضايا المجتمعية والدينية. فمثلا صمت مفكرون كثيرون عن مساندة قضية مجتمعية مهمة (مشروع عدم وقوع الطلاق الشفهى) بينما كانوا جميعا قطعا ضد التيارات الدينية المتطرفة. اعتقادى أن أزمة مصر الفكرية والدينية الراهنة أكبر من هذا الاختزال. نحن ننحى رؤانا فيما يخص الإرهاب المسلح جانبا لأننا نتفق على رفضها. لكننا نختلف مثلا على النقطة التى ينبغى أن تتوقف عندها صلاحيات المؤسسات الدينية بصفة عامة، ونختلف حول تديين بعض القضايا، ونختلف – كما يحدث فى هذا الحوار – على فكرة تعدد الرؤى الفقهية أو حصرها. لذلك فليس كل من وقف ضد التيارات الدينية المتطرفة تطرفا صريحا هو بالضرورة من مناصرى الدولة المدنية التى نطمح إليها، وأنا لا أقصد هنا د.باسم، لكننى أتحدث بصفة عامة عن فكرة طالما خُدع بها مصريون. أنا أصنف نفسى ممن انغمسوا فى حياة المصريين، ولم أكن منعزلا أو منظرا لقضايا من وجهة نظر أكاديمية بحثية. لدينا إشكالية كبرى فى المجتمع المصرى، فهناك آلاف الأسر المصرية التى تتفق مثلا على رفض أفكار الجماعات الدينية المتطرفة والإرهابية والتكفيرية، لكن نفس الأسر ترى أن مصر يجب أن تكون قطعة خالصة من التدين السلفى بكل مفرداته. جمعتنى نقاشات مجتمعية على الأرض مع أطباء ومعلمين وزملاء عاملين فى السياحة وكثيرٌ منهم مثلا – ورغم رفضهم جميعا لفكر الجماعات المتطرفة التقليدية – يرون أننا جميعا كمسلمين سلفيون لأننا يجب أن نقتدى بالسلف الصالح. أنا أكره هذه العبارة وأراها عبارة سمجة تخلط الحابل بالنابل. نحن مسلمون ولو أننا سنُنُسب لأشخاصٍ لكان انتسابنا للنبى (ص) أولى ود.باسم يدرك مثلا ما يستدعيه مصطلح (محمديون) فى الفكر والثقافة. والخلاصة – ولا أعنى د.باسم – أنه ليس كل من رفض أو واجه الجماعات الدينية المتطرفة التقليدية يحمل فى روحه توجها مدنيا، فهناك من يريدون سلفنة وبدونة مصر عقليا ومظهريا وجعلها نسخة من الإسلام البدوى!(8)أما ما يخص ما ذكره د.باسم فيما يخص علاقة مؤسسة الرئاسة وفضيلة الإمام الأكبر، ونفيه قطعا أن يكون هناك أى خلاف، فأنا لم أدعى أو أنفى هذا الخلاف. وما ذكرته كان ردا على عبارة د.باسم أن فضيلة الإمام الأكبر طالما دعى للرئيس بظاهر الغيب. فلقد قلتُ بشكل واضح أننا كنا نتمنى أن يكون هذا الدعاء بظاهر العلن وعلى رؤوس الأشهاد وعلى منابر مصر. أولا أود الإشارة أن ما نتحدث عنه يخص المصريين جميعا وهو ليس قضية خاصة بمؤسسة الرئاسة وفضيلة الإمام الأكبر فقط. لأن الحديث كان عن مشروع الرئيس منذ أكثر من عشرة أعوام لتصويب الخطاب الدينى المصرى والذى صرح به فى مناسبة رسمية دولية، ثم ما حدث بعد ذلك من خطوات تابعتها جيدا. فأنا كمواطن مصرى لدىّ أمنياتى وأحلامى المشروعة لبلادى، ومنها ما ذكرتُه فى المقال السابق بأننى لامستُ خلافا فى وجهات النظر حول التعاطى مع مشروع الرئيس فى بدايته. ودعنى أخبر د.باسم بواقعة ذكرتُها فى كتابى الأسود، حيث استمعتُ لحديثٍ لفضيلة الإمام الأكبر عبر إذاعة القرآن الكريم صباح أحد الأيام التى تلت دعوة الرئيس. كان الحديث بمناسبة احتفال الإذاعة بذكرى تأسيسها – الذى لا أذكر عدد سنواته الآن – وقد وجه المذيع لفضيلته سؤالا مباشرا عن تجديد الخطاب الدينى، وأجاب فضيلته نصا بأن أى تجديد يجب أن يكون فقط لشكل الخطاب دون مضمونه، لأن هذا التراث الدينى كان يجدد نفسه عبر القرون وليس فى حاجة إلى تجديد فى المضمون. وأنا لا أرى أى جانبٍ سلبى فى هذا الموقف، فاختلاف وجهات النظر حول قضية معينة فى بدايتها لا يعنى وجود خلافات غير صحية بين مؤسسة الرئاسة وبين فضيلة الإمام الأكبر. أنا لم أتوجه بتساؤلاتى فى هذه المقالات لفضيلة الإمام الأكبر لأن حضرتك يا د.باسم من أطلقت الرصاصة فى رسالتك لفضيلته، وحين يكتب أحدُنا شيئا يكون منطقيا ومقبولا أن يثور حول ما كتب نقاشٌ أو حتى جدل، وأن يكون الخطاب موجها لمن كتب. فمن هذه الفعاليات يتم قراءة المشهد العقلى والفكرى الراهن فى أى بلد، ويتولد منها ما يصبح بعد ذلك راسخا أو يتم طيه فى غياهب النسيان. ليس عيبا يا د.باسم أن تكون هناك اختلافات فى وجهات النظر بين مؤسسات مصر حول قضايا كبرى حاسمة فى تقرير حاضر مصر ورسم مستقبلها، فمصر ملكٌ لكل المصريين، وحقُ بنائها والدفاع عنها واجبٌ تتشارك فيه كل المؤسسات. لذلك فحتى لو كانت هناك اختلافات فى وجهة النظر فى أى مرحلة بين مؤسسة الرئاسة وبين فضيلة الإمام الأكبر حول مضمون أى قضية أو حتى شكل تنفيذ ما تم الاتفاق عليه فلا يجب أن نخشى من وجود هذا الاختلاف، أو نخشى من ذكره ومناقشته علنا، أو نعتبر ذلك تناقضا بين غايات مؤسسة الحكم والمؤسسة الدينية. بل على العكس فممارسة هذا الاختلاف فى وجهات النظر بهذا الشكل المتحضر الناضج المتوافق على الغاية – وهو صالح البلاد والعباد – هو من دواعى فخرنا ببلادنا ومؤسساتها العريقة الوطنية وعلمائها الكبار. لقد وثق التاريخُ بالفعل موقفا واحدا على الأقل لوجود اختلاف فى وجهات النظر بين مؤسسة الرئاسة وبين المؤسسة الدينية. حدث هذا فى دعوة الرئيس للبحث فى إمكانية مجابهة ظاهرة أطفال الشوارع بالحد من ظاهرة الطلاق وتقنين مشروع يلزم الرجل بأن يكون الطلاق حصريا أمام القاضى أو مكتوبا أى منع سوء استخدام الرجل لحق الطلاق بمنع وقوع الطلاق الشفهى. ورفضت المؤسسة الدينية هذه الدعوة. لقد حدث هذا بالفعل يا دكتور وإنكار حدوثه لا يفيد مصر فى شىء، بل على العكس فقد يشى للناس بأن هناك كثيرا مما لا نعلمه إن نحن أنكرنا ما تابعه الجميع. ما المشكلة يا دكتور فى أن تكون هناك بالفعل جلساتُ نقاش وحوار بين مؤسسة الرئاسة ومستشاريها للشؤون الدينية وبين المؤسسة الدينية التى وصفتها حضرتك بأنها مستقلة، وذلك للوصول لنقاط اتفاق، وقد يكون واردا أن يقتنع طرفٌ بوجهة نظر الطرف الآخر فى مسألة ما ثم يحدث العكس فى مسائل أخرى؟! المثقفون لا يجب أن يخشوا من اختلافات الرؤى بين المؤسسات، ولا ينبغى أن نصدر للناس القضية بشكل عاطفى كما ذكره د.باسم حول مقابلته لفضيلة الإمام الأكبر فى المشيخة وقراءة فضيلته لمقال د.باسم بعنوان (كلمة الرئيس والإمام اتفاقٌ وليس اختلافا). بعيدا عن هذه الواقعة، وأنا من متابعى هذا الملف أقول بكل صراحة..لا كانت هناك اختلافات فى الرؤى بالفعل وهذا من طبائع الأمور. فالاختلاف لا يعنى الوقوف على طرفى النقيض. وتصور أنه يجب أن يكون هناك تطابقٌ أو أن يكون هناك خلافٌ يُخشى منه هو تصور لا يليق بالدول الكبرى مثل. واختلافات وجهات النظر يُحسب للرجلين لا عليهما. وبعيدا عن هذه العلاقة، فأنا أقول – كمواطن مصرى عادى جدا، ورغم محبتى الشخصية للرجل، واعتزازى بدوره المجتمعى الذى أعلمه جيدا بصفتى من صعيد مصر – أن لدى بعضا من العتاب لفضيلة الإمام الأكبر فى بعض المواقف والتصريحات فى الأعوام السابقة، مثل ما سمعتُه وشاهدته على الهواء مباشرة من فضيلته فى سجاله مع د.الخشت، ومثل ما صدر عن المشيخة من بيانات ذات طابع سياسى فى العام ونصف عام الأخيرة. فهل هذا التصريح من مواطن مصرى يدل على خطأ ما أم أنه من طبائع التفاعل البشرى وهو حقٌ أصيل لكل مواطن مصرى. كما أننى على يقين من أن فضيلة الإمام الأكبر لن يضيق أبدا بعتابٍ أو حتى خلافٍ فى وجهات النظر يصدر عن أى مصرية أو مصرى. مصر دولة رائدة وعظيمة يا دكتور وأكبر من أن يتم حصرها فى قالبٍ واحدٍ أو أن يتم الخشية فيها أو عليها من تفاعل مؤسساتها مع بعضها البعض.(9)حديث د.باسم عن التراث الدينى وأنه يرى مثلى أنه عملٌ بشرى خالص، وفقط فهو يدافع عن صحيح الأثر منه. للأسف فلن أتفق بقوة مع تعريف د.باسم، لأن عبارته (صحيح الأثر منه) عبارة تحتاج إلى تدقيق. ربما أفاجىء د.باسم أن هناك طريقا طويلا جدا أمام المسلمين للوصول إلى تدقيق هذه العبارة، وذلك من الناحية الأكاديمية المجردة. ربما ما يمكن حسمه بنسبة كبيرة هو فقط ما توافق عليه العلماء من أنه الأحاديث المتواترة والتى لا يتجاوز عددها عدة عشرات. جميعهم يتحدثون عن نقطة واحدة وهى علوم السند وعلوم الرجال للوصول إلى درجة معقولة من المصداقية، لكنهم ومع ذلك فقط اعترفوا بأن ما وصلوا إليه هو ظنى فى معظمه. لكن الأخطر من هذا هو الصمت التام عن حقيقة علمية. لو سألتَ أحدهم عن كلمة إسرائيليات فسوف يسهب فى محاولة إقناعك بأن التراث الدينى الإسلامى – بما نسب للنبى (ص) وما رواه الفقهاء ووصلوا إليه من آراء فى القرون الأولى للإسلام – قد تم تنقيته بالفعل من الإسرائيليات. ولو سألت محدثك ما هى الإسرائيلياتُ فسوف يخبرك بأنه ما تسلل من روايات أهل الكتاب (اليهود) إلى كتب التراث الدينى الإسلامى بطرق وفى تفاصيل مختلفة. لكن الذى يدهشنى فى هذه الردود هو هذه الثقة فى الرد القطعى بحدوث هذه التنقية والتى أراها فى غير موضعها.السؤال الذى أطرحه كيف يمكن القطع بهذه التنقية من شىءٍ نحن كمسلمين أو عرب ليس لدينا حتى الآن نسخا كاملة منه؟! لا يوجد نسخة واحدة كاملة – دون حذفٍ لبعض محتوياتها المكتوبة بالآرامية القديمة والعبرية القديمة – باللغة العربية لأهم وأخطر مورد للإسرائيليات وهو التلمود الأورشليمى والبابلى. ولقد كُتب وجُمع بعض التلمود البابلى بالقرب من عاصمة الخلافة العباسية وفى ظل علاقات ودية قوية بين العلماء من الديانتين، وفى العصر الذهبى للتراث الدينى الإسلامى، وأيضا العصر الذهبى لكتابة التراث الدينى اليهودى. مهما تقرأ سوف تصل لنفس النقطة، ونفس الغموض العاجز عن توثيق مساحات التداخل بين التراثين. وحديثا أخفى اليهود كثيرا من النصوص التلمودية عن المترجمين للغات الغربية. وحتى يستطيع المسلمون الحصول على نسخ كاملة من التلمودين، وترجمتهما بالعربية، ثم مضاهاة نصوصهما ومقارنتها بالتراث الإسلامى، ثم حذف كل متداخلٍ بينهما لا يُعرف أصله أى مَن نقل مِن مَن، حتى يحدث هذا، فكل التراث الدينى البشرى الإسلامى – بخلاف الأحاديث المتواترة، والسنن الفعلية المتواترة – أبوابه مفتوحة على مصراعيها للشك والنقد والبحث والأخذ والرد والتشكيك! وليس من حق أحدٍ – شخصا أو مؤسسة – أن يتخذ قرارا بغلق هذه الأبواب، لأن هذا القرار لا يملك شرعيته شخصٌ بعينه ولا مؤسسة بعينها، فهو قرارٌ يخص جموع المسلمين وحقٌ لنا جميعا!(10)استنكر د.باسم ما ذكرتُه عن ممارسات دولة الخلافة السلبية وعدم اختلافها كثيرا عن ممارسات الدول الأخرى. مرة أخرى يثير موقف د.باسم دهشتى، فهو يطلب منى التفرقة بين الدين وبين ممارسات الحكام! مثار دهشتى أن هذا ما كنت أطلبه منه حين استنكر أن أصف الدول الغربية الحديثة بأنها تربعت على عرش الحضارة الإنسانية. ويرى أنها لا تستحق ذلك الوصف لممارساتها السياسية. فكان ردى سردَ بعض الممارسات من قبل دولة المسلمين التى قامت بعد وفاة النبى (ص) وطلبت منه أن نفرق بين الأديان وبين ممارسات الحكام. حسنا لا بأس فنحن متفقان مرة أخرى ولا يهم من ذكر الفكرة أولا. يا دكتور هل قلتُ أن الدين الإسلامى هو الذى أمر المسلمين بهذه الممارسات حتى تصف حديثى عن ممارسات خلفاء وحكام وولاة المسلمين بهذه العبارة (وهذا طرحٌ غير عادل وغير منصف ولو أن نقد الأستاذ أحمد كان منهجيا لفرق بين السياسة والدين، وبين بعض التصرفات التى قامت على صراعات سياسية…) حسما لموقفى أقول..أحترم رفض د.باسم لعباراتى عن ممارسة حكام المسلمين من نهب مقدرات شعوب واحتلال أراضى شعوب والاستيلاء على دور عبادة..لقد رفض الطبيبُ الكبير وصفى للفتوحات الإسلامية بالإحتلال ويبرر رفضه بمبررٍ لا يناسب متخصصا فى التاريخ مثلى ( يبدو أن الأستاذ أحمد يعود فى مراجعاته إلى المراجع التى قدموها لنا عبر قرونٍ من الزمان وقدمت لنا إسلاما غير الإسلام الحقيقي.) لقد جمعتُ معلوماتى من مراجع عربية إسلامية، بعضُها لا يتفق حتى مع منهجى لأنه يعرض التاريخَ بمنظورٍ دينى ويعظم من شأن الفتوحات الإسلامية مثل حضرتك، وجمعتها من مراجع أخرى. ورغم اختلاف كل مرجع فى وصف الفعل ذاته – احتلالٌ أم فتحٌ عظيم – فلقد اتفقوا تقريبا جميعا على وقوع الأحداث العسكرية والوقائع وأعداد الجنود ومقدمات الحدث العسكرى. إذن فتقييم الحدث بهذه العبارات الواردة فى مقالى السابق هو وجهة نظرى أنا ولم أنقلها من مراجع لا عربية ولا غربية. دعنى أختصر المسألة بالعامية المصرية لأنى أعشقها، وحوارى مع حضرتك حرمنى متعة تطعيم وتزيين مقالى ببعضٍ منها (جيش مسلح دخل على دولة أصلا محتلة، استولى عليها بقوة السلاح، طرد المحتل وقعد هو بداله..وبرشت على أهلها إن كل واحد غصب عنه لازم يستضيف جندى كام يوم ويلبسه ويأكله.. وبعدين استولوا على خير البلد دى بدون ما تكون دى أرضهم ولا بلدهم..دا يبقى اسمه إيه؟..تجيبها كدا تجيبها كدا.. تلبسها باروكة.. تحطلها أحمر وأصفر.. تشربنا حاجة صفرا فى درس دينى.. هى فى الآخر غزو واحتلال!)بالنسبة لى لم أرَ فى الإسلام ما يبيح ذلك. كل أحكام القتال وتوزيع الغنائم وآداب القتال هى واردة فى حال وقوع اشتباك مسلح بين الجيش المسلم وجيش آخر، لكن ليس هناك ما يمنح شرعية دينية للغزو والاستعمار. وحتى أعفى د.باسم من أى حرج أقول أن هذه وجهة نظرى التى أفخر بها والتى وصلتُ إليها بعد أن كنتُ منذ سنواتٍ طويلة مثل د.باسم ربما يقشعر جسدى حين أستمع لأحدٍ يصف هذه الحروب بالاحتلال!(11)ما علاقة فتح مكة بما ذكرتُه عن الاحتلال والغزو يا دكتور؟ الرسول (ص) تم ظلمه وإخراجه من وطنه وهو النبى المرسل إليه، ثم عاد إليه وهو صاحب حق وصاحب مظلمة، ومأمورٌ بأمرٍ إلهى بإزالة الأصنام من حول بيت الله، لا يصح إطلاقا أن نضع أفعاله فى سياق الحديث عن أفعالِ مِن سواه، مهما يكن هؤلاء. فهو يتلقى الوحى، ومن سواه لا يُوحى إليه. عبارات د.باسم فى هذا الموضع مضطربة متناقضة أحيانا. فمرة يُنكر علىّ استخدام وصف احتلال للفتوحات، ومرة يؤكد على كلامى بأن ما حدث بعد فترة النبوة والخلافة الراشدة من ممارسات حكام المسلمين كانت عن هوى خالص لهؤلاء الحكام. أما إذا كان الخلاف حول فترة الخلافة الراشدة وأن دكتور باسم يرى أن حروبهم السياسية خارج أراضيهم هى فتوحات دينية، فأنا لا أتفق مع هذا الطرح وأرى أن هؤلاء الراشدين هم ممن رضى الله عنهم ورضوا عنه وغفر الله لهم إن شاء ما تقدم وما تأخر..كل ذلك فيما يتعلق بدينهم وسيرتهم فى حكم المسلمين بالعدل. أما فيما يخص قراراتهم فى غزو دول أخرى، فهذا أمر سياسى خالص يخضع لمفردات علوم السياسة وتقييم التاريخ. فما حدث فى مصر مثلا عام 642م أسميه غزوا عسكريا واحتلالا لدولة حتى لو كانت تلك الدولة خاضعة لاحتلالٍ يسبق هذا الحدث. (شوفت يا دكتور أنا محاور سهل وبركة وجايلك دوغرى وسكة من غير لف ولا دوران!)عموما وتلخيصا أقول، إن غزوات النبى (ص) لها شأنٌ خاص بها، وكل ما تلى وفاته من حروبٍ أو فتوحات هى من وجهة نظرى احتلالٌ صريح لدول أخرى دون وجه حق. وأعتقد أن رأيى هذا مباحٌ ولا يندرج تحت عنوان (آراءٌ شاذة تناقض ثوابت الدين أو الصحيح من التراث!)ما ذكره د.باسم عن حق غير المسلمين – طبقا للإسلام، وطبقا لسيرة النبى (ص) – فى أن يتمتعوا بحرية العقيدة، والإيحاء لنا بقبول القرآن الكريم للفتوحات حين يقول أن القرآن الكريم قد ذكر أنه من أسباب غلبة المسلمين فى جهادهم كان رفع الظلم والطغيان – أراه مضطربا. ولا أفهم بما يقصد بكلمة جهاد المسلمين، هل يقصد الفتوحات بعد وفاة النبى (ص)، أم يقصد سيرة النبى ذاته (ص)؟ أتفق معه قطعا لو قصد سيرة النبى (ص) لأننى أتكىء عليها فى رفض ما يسمى بسياسة الفتوحات الإسلامية. أما إن كان يقصد ما بعد عصر النبوة، فلا أعتقد أننى يمكننى تجاهل التاريخ الذى حدث. فى مقاله السابق وضعنى د.باسم فى صورة من يختصم الرسالات النبوية فى موضعٍ كان حديثنا فيه عن رجال الدين فى مصر. والآن يضعنى فى مواجهة غريبة وكأنى أنكر أن الإسلام قد منح حرية العبادة لغير المسلمين من أهل الكتاب. وكما قلتُ سابقا أننا نختلف حول رجال لا حول رسالات سماوية، فأقول هذه المرة أن النموذج النظرى للإسلام، ومنحه حرية العقيدة لغير المسلمين لا خلافَ عليه، وأن حديثى لا علاقة له بما يكفله الإسلام من حرية عقيدة وتسامح وتعايش، ولقد أفردتُ فصلا كاملا فى كتابى الجلمود رفضا لما قام به البعض من محاولة إلغاء أحكام آيات قرآنية تعلى من قيم التسامح. بينما يتعلق حديثى الآن بشكلٍ مباشر بما حدث فعلا على أرض الواقع فى بعض البلاد التى تم الاستيلاء عليها واحتلالها بقوة السلاح من قبل الجيوش العربية من شبه الجزيرة، وبما فى ذلك مصر، وحتى أثناء سنوات الخلافة الراشدة. ومن يريد فليطلع على ما ورد فى رسائل علمية تمت إجازتها فى جامعات مصرية وتم نشرها، ولقد قمتُ بعرض بعض هذه الممارسات فى أكثر من كتاب لى وفى مقالات منشورة. لقد تعرض غيرُ المسلمين من أهل الكتاب فى مصر مثلا، وفقط بعد سنوات قليلة من تمام السيطرة عسكريا عليها وتحديدا منذ عزل عمرو بن العاص عن ولايتها، لمصاعب كبرى وصلت لحد الاضطهاد الجسدى وتحول كثيرٌ منهم للإسلام لأسباب متعددة ليس كلها كانت اقتناعا بالعقيدة الجديدة. إن قصصا كبرُنا على اعتبارها مسلمات تاريخية مثل قصة أن المصريين حين سمعوا عن عدل المسلمين فى الشام، كانوا فى توقٍ لقدوم المسلمين لاحتلال بلادهم لتخليصها من المحتل السابق، وأنهم بمجرد ما شعروا بقدوم جيش عمرو بن العاص فقد هموا بمساعدته، إن قصصا كهذه حين قمتُ بإخضاعها للبحث المعلوماتى المجرد ومن مصادر عربية خالصة وجدتُ أنها إما مجرد أساطير وأكاذيب خالصة، أو أنها على أحسن تقدير كانت جزءً من عشرات الأجزاءٍ الأخرى الهادمة لها المتناقضة معها. فأن يتقدم بعض الأعيان لمساعدة جيشٍ غازٍ بعد انتصاره عسكريا فعليا واستيلائه على حصن بابليون وأثناء مسيره للإسكندرية شىءٌ، وأن يخرج أهل البلد فى لمساعدة هذا الجيش فى بدء غزوه فهو شىء آخر مختلف تماما. وأن تصمت المراجع العصرية عن ذكر باقى القصة من أن قرى مصرية رفضت هذا الغزو وحاربت لأسبابٍ دينية بجوار البيزنطيين فهو من قبيل تزييف التاريخ بذكر بعض وقائعه والصمت عن باقى الوقائع.(12)لم أقل إطلاقا بأن د.باسم ينتصر لمواقف دينية قديمة مثل رفض إلغاء الرق أو غيرها من الأمثلة التى ذكرتُها فى مقالى السابق. لكننى قلتُ أن هذه الوقائع والقضايا كانت فى وقتها مما يعتبره بعض رجال الدين من مسلمات الديانة الإسلامية. أنا أناقش قضية مصرية عامة ولا أتهم د.باسم أو غيره من العلماء والمفكرين هذا الاتهام رجما بالغيب. لكننى أرفض فكرة أن يرهبنا أحد بإلقاء هذه العبارة فى وجوهنا بأن هذا الرأى أو تلك الفتوى (تناقض ثوابت الدين.) وذكرتُ عددا كبيرا من الأمثلة لقضايا تم وقتها تقديمها تحت نفس الراية. أليس هذا واضحا لغويا؟ يعنى لو تخيلنا أننا نعيش فى ساعة نقاش إلغاء الرق وتبنى علماء الدين موقفا قويا بالرفض وقالوا أن إلغاءه ييناقض ثوابت الدين فماذا كنا سنفعل وقتها؟ لو استسلمنا لرأيهم لبقى الرق، ولو تدخلت الدولة – وهو ما حدث – لتم الشىء المنطقى. أنا لم أقل أن فلانا هذا أو غيره كان سيتخذ هذا الموقف أو ذاك. حضرتك تساند فى رسالتك الأولى موقف المؤسسة الدينية وتستدعيها للحجر على بعض علمائها باقتناعك أنهم يربكون العامة بآراءٍ شاذة ضد الصحيح من التراث والثابت من الدين. وأنا أقول أنه فى يومٍ من الأيام وقفت هيئة علمية دينية كبرى لا تقل عن هيئة كبار العلماء قيمة لتساند عالما أزهريا أفتى بقتل المفكر فرج فودة بزعم أنه كتب ما يناقض ثوابت الدين (كتاب الحقيقية الغائبة) وهو كتاب تاريخى سياسى ليس إلا. وأصدرتْ هذه الهيئة بيانا وقع عليه بعض أعضائها. ولكن لو تمت الآن جريمة مشابهة فأنا على يقين تامٍ بأن موقف علماء المؤسسة وهيئة كبار العلماء سيكون رفضا قويا للجريمة. وأن مشروع تطبيق حد الردة فى منتصف السبعينات قدمه بشكل رسمى شيخ الأزهر وقتها. ألم يحدث هذا؟ والآن موقف الأزهر من نفس القضية قد تغير.وكتب أحد من تولوا منصب مشيخة الأزهر فى نهاية الثمانيات وأول التسعينات كتيبا بعنوان وجوب ختان الإناث. ألم يحدث هذا؟! والآن موقف الأزهر من نفس القضية قد تغير تماما.لكن هذا التغيير فى موقف المؤسسة لم يكن ذاتيا مبادرا فى كل القضايا، وإنما كان تاليا لموقف الإدارة التى بادرت بالسير فيما تراه يحقق صالح مواطنيها، ثم أدركتها المؤسسة. أنا لا أدعى شيئا لم يحدث، لأننى كنت شاهدا على هذه الطريقة فى التغيير فى واقعة بعينها وهى قضية ختان الإناث، حين عقد فى مصر لأول مرة المؤتمر الدولى للسكان والعناية بالمرأة تحت رعاية السيدة سوزان مبارك، واتخذت المؤسسة الدينية موقفا رافضا لبعض ما تمخض عنه المؤتمر ومن ذلك قصة ختان الإناث. ثم غيرت المؤسسة فكرها عبر السنوات التالية. هذه وقائع تاريخية قمت بذكرها للاستدلال على أن المؤسسات الدينية ذاتها قد تتغير فى عقدٍ أو عدة عقود، وتطور وتجدد أفكارها، فلماذا ندفعها فى وقتٍ معين نحو التصلب والتشدد والانتصار للرأى الواحد؟ (13)فى نهاية حديثى أكرر شكرى وتقديرى لمؤسسة الدستور ودكتور باسم، وأعلن أننى أكتفى بهذا القدر من هذا السجال لسببين..أولا أرى من كثيرٍ من فقرات د.باسم فى مقاله الأخير أننا قد وصلنا لنقاط توافق كثيرة. وأن رسالتى إليه وإلى كل من يرى رؤيته قد وصلتْ، وقد بادر الرجل إلى توضيح ذلك ووصفه بأنه تأويلٌ خاطىء منى لمعانى كلماته، وهذا يكفينى لتحقيق ما هدفتُ إليه. وأنا أحيل كل من يتابع هذا الحوار إلى نص مقال د.باسم الأصلى منتصف الشهر الماضى لتقدير مضمون ما جاء به.ثانيا أن حوارنا قد خرج عن موضوعه الأساسى لقضايا هامة متشابكة وبعضها شائك، لكن يمكننا الاستمرار فيها لمدى زمنى بعيد وأنا أرى أن مصر بها من القضايا المتلاحقة ما يوجب علينا الالتفات إليها. ثالثا الحوار أو السجال الفلسفى حول قضايا فكرية هو من مفردات حيوية عقل أى أمة، وله رجاله وعاشقوه ومحترفوه، وأنا لستُ منهم. فالكتابة لى وسيلة وليست غاية. وسيلة للوصول لغايات محددة تصب فى مجملها فى يقينى بوجوب قيامى بما أستطيعه فى سبيل الأمة المصرية والنهوض بها حضاريا. وفى هذ الموضع فإننى قد أصبت غايتى فى أن يُسمع صوتٌ مخالفٌ لما يعتقده البعض أنه الصوت الدينى الأوحد فى مصر. أما الاستمرار فى السجال الفكرى المجرد فليس صنعتى أو غايتى أو كما يقول المصريون..مش ليلتى خالص! لذلك فالنسبة لى..نقطة ومن أول السطر!