احتلال مقنن.. لماذا تدّعى إسرائيل الدفاع عن الدروز فى سوريا؟

احتلال مقنن.. لماذا تدّعى إسرائيل الدفاع عن الدروز فى سوريا؟

فى مشهد لم يعد غريبًا، انتهكت الطائرات الإسرائيلية سماء سوريا، مؤخرًا، لكن الجديد فى المشهد أن حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو زعمت أنها تدافع عن «الدروز» فى سوريا، وهم الطائفة السورية التى عُرفت طوال تاريخها بأنها من أشد المدافعين عن سوريا واستقلالها.ورغم دعم دروز إسرائيل الدولة العبرية منذ نشأتها، فإن دروز سوريا يبدو أن تقاربهم حديثًا، الأمر الذى يستدعى دراسة هذا التحول فى المشهد، والتعرف على الخلفية الدينية والسياسية للعلاقة بين إسرائيل والدروز.

ادعاء حماية الأقليات يسمح ببقاء قوات الاحتلال فى الجنوب السورى 

«الدرزية» طائفة دينية وأقلية نشأت فى القرن العاشر الميلادى كفرع من «الإسماعيلية»، التى تعد فرعًا من المذهب الشيعى.أكثر من نصف الدروز حول العالم، والبالغ عددهم مليونًا تقريبًا، يعيشون فى سوريا، فيما يعيش معظم الدروز الآخرين فى لبنان وإسرائيل، بما فى ذلك منطقة مرتفعات الجولان المحتلة، التى استولت عليها إسرائيل من سوريا فى حرب يونيو عام ١٩٦٧ وضمتها إليها عام ١٩٨١.وعلى الرغم من أن المجتمعات الدرزية فى إسرائيل ولبنان وسوريا تقع فى مواقع مختلفة، إلا أنها جميعًا مترابطة مع بعضها البعض، حيث إن العديد منها لديه أبناء عمومة وأقارب بعيدون فى كل بلد، ولكن طالما كانت مواقفهم حيال إسرائيل مختلفة، فبينما عارض دروز سوريا ولبنان إسرائيل، فإن الدروز داخل إسرائيل هم من أشد الطوائف اندماجًا داخل الدولة العبرية.ويُعدّ الدروز فى إسرائيل الطائفة الدينية الوحيدة المُلزمة قانونًا بالخدمة فى الجيش الإسرائيلى، بناءً على طلب القادة الدينيين الدروز، ولكن مؤخرًا لوحظ أن دروز سوريا، وبعد الهجمات التى تعرضوا لها، أصبحوا أكثر ميلًا لإسرائيل التى باتت تتحرك فى سوريا كمدافعة عنهم.فى الأسابيع الأخيرة، تركت الصور ومقاطع الفيديو، التى أظهرت هجمات قوات النظام الجديد فى سوريا على الدروز، العالم فى حالة صدمة.وعلقت مصادر درزية لصحيفة «جيروزاليم بوست» قائلة إن تجريدهم من الرموز العرقية والإعدامات الجماعية لشعبهم يذكرهم بـ«الهولوكوست».فيما قال الزعيم الروحى للطائفة الدرزية فى إسرائيل الشيخ موفق طريف، لرئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو، إنه «ممتن لإجراءات إسرائيل فى دعم الطائفة الدرزية فى سوريا خلال الأيام القليلة الماضية».وقال «طريف» إن تلك الإجراءات، التى شملت ضرب مجمع القصر الرئاسى فى دمشق، كانت بمثابة رسالة رادعة للنظام السورى الجديد بشأن التزام إسرائيل بالحفاظ على أمن المجتمع الدرزى. وأشاد بتوجيه وزير الدفاع الإسرائيلى يسرائيل كاتس تحذيرًا مباشرًا إلى الرئيس السورى أحمد الشرع، عبر بيان قال فيه: «احذر مرة أخرى الرئيس السورى الجولانى (أحمد الشرع): إذا لم تتوقف الهجمات على الدروز فى سوريا فسنرد بشدة».وفى الإطار نفسه، صرّح زعيم الدروز فى السويداء، جنوب غرب سوريا، الشيخ حكمت الهجرى، بأن طائفته لن تقبل العيش تحت حكم «الجولانى»، وأنهم «يريدون العيش تحت الحكم الإسرائيلى وأن يصبحوا جزءًا منه».كما أعربت شخصيات بارزة من قرية حضر الدرزية، الواقعة على الجانب السورى من مرتفعات الجولان، عن تأييدها الانضمام إلى إسرائيل، فى سلسلة من مقاطع الفيديو التى انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعى.ولكن على الرغم من ذلك، لا تزال الطائفة الدرزية فى سوريا تشهد حالة من الانقسام على الذات، بين مؤيد للدعوة الإسرائيلية لدعم الطائفة الدرزية فى سوريا، لحمايتها من الإدارة الجديدة، وبين رافض لها، على اعتبار أن لإسرائيل تاريخًا أسود فى ارتكاب المجازر بحق الطائفة، منذ احتلالها الجولان فى حرب النكسة عام ١٩٦٧.ومن الناحية السياسية، وبحسب دراسة للكاتب ليونى بن مناحيم، منشورة فى مركز «القدس» للشئون العامة والسياسية، فإن إسرائيل تعمل على «تعزيز حلفائها الدروز فى جنوب سوريا، حيث ترى فيهم شركاء استراتيجيين»، كما يشكل تعزيز الحلف مع الدروز فى سوريا ركيزة مهمة فى «تعزيز روابط الدم مع الطائفة الدرزية فى إسرائيل، ويُعتبر مصلحة أمنية عليا»، بحسب الدراسة.وفى الوقت نفسه، فإن مزاعم تدخل إسرائيل فى سوريا بحجة حماية الدروز تزامنت مع بقاء إسرائيل فى خمسة مواقع فى جنوب لبنان، حيث أوضحت حكومة نتنياهو أن الجيش الإسرائيلى سيبقى فيها إلى أجل غير مسمى، لـ«حماية سكان الشمال»، ما يوضح أن السبب ليس فقط «تعزيز روابط الدم»، وإنما «وجود إسرائيل فى كل المناطق التى كانت تشهد نشاطًا لميليشيات تابعة لإيران».وعمومًا تولى إسرائيل اهتمامًا بالأقليات داخل الدول العربية، ما يظهر فى الاهتمام الذى توليه إسرائيل للأكراد والعلويين والدروز والمسيحيين والإسماعيليين، حيث تزعم إسرائيل أن هذه الأقليات تعيش فى قلق فى الشرق الأوسط، ويتزايد القلق عليها مع صعود الجماعات الإسلامية.

استغلال حكايات العهد القديم وقصة «يثرون» و«موسى» لتحقيق أهداف سياسية

من الناحية الدينية، تدعى إسرائيل وجود ترابط بينها وبين الدروز، مرجعة ذلك إلى شخصية «رعوئيل» أو «يثرون» أو «جيثرو»، هو شخصية فى العهد القديم لكاهن فى مدين، كان له سبع بنات، وتتحدث التوراة عن زواج النبى موسى من إحداهن، وهى «سيفورة»، بعد أن فر ‏‏من مصر، ثم هرب إلى مدين، وتدخل فى نزاع حول الوصول إلى المياه، بين بنات «يثرون» السبع والرعاة المحليين.وبناء على ذلك، ووفقًا للقصة الدينية، فقد دعا «يثرون» النبى موسى إلى منزله وعرض عليه الضيافة، ومع ذلك، ظل موسى مدركًا أنه كان غريبًا فى المنفى، وأطلق على ابنه الأول، حفيد «يثرون»، اسم «‏‏جرشوم‏‏»، أى «غريب هناك». ‏ ويختلف العلماء حول ما إذا كانت شخصية «يثرون» هى نفسها شخصية «حوباب»، الذى رافق بنى إسرائيل فى رحلتهم كمرشد لهم فى دروب الصحراء.فيما يعتقد بعض العلماء المسلمين أن «يثرون» هو نفسه النبى «شعيب»، أما بالنسبة للدروز، فهم يعتبرون «شعيب» أهم نبى، ويعتقدون أنه «جد كل الدروز».وبحسب «التوراة»، فإن «يثرون» كان يعيش فى مدين، وهى منطقة تمتد على طول الحافة الشرقية ‏‏لخليج العقبة‏‏، شمال غرب شبه الجزيرة العربية، ويقال إن موسى عمل ‏‏راعيًا‏‏ لـ«يثرون» لمدة ٤٠ عامًا، قبل أن يعود إلى مصر ليقود العبرانيين.وتحكى «التوراة» عن أن «يثرون» وموسى التقيا فى البرية عند «جبل الله»، حيث روى الأخير كل ما حدث له، وفقًا لسفر الخروج.وفى الإسلام، فقد ورد ذكر «شعيب» فى القرآن كنبى، أُرسل إلى مدينة مدين، وهلك شعبه بسبب فسادهم إلا المؤمنين منهم.ويتشارك اليهود والدروز فى أهمية «يثرون» بالنسبة لهم، فـ«يثرون» أو «شعيب»، هو شخصية محورية فى الديانة الدرزية، لا سيما فى الطقوس والحج، حيث يُعتبر نبيًا.ومقام «النبى شعيب» بإسرائيل هو الموقع المعترف به من قبل الدروز على أنه قبره، ويقع المقام فى حطين فى الجليل الأسفل، ويعد أقدس مزار وأهم موقع حج للدروز، ويجتمعون فيه فى ٢٥ أبريل من كل عام، فى عطلة تعرف باسم «زيارة مقام النبى شعيب»، لمناقشة شئون المجتمع وإحياء ذكرى وفاة «يثرون» بالغناء والرقص والولائم. ويُقدر «يثرون» باعتباره النبى الأكبر فى الديانة الدرزية، ويعتقدون أنه كان «نبيًا خفيًا» و«حقيقيًا»، تواصل مباشرة مع الله ثم نقل هذه المعرفة إلى موسى، والذى يصفونه بأنه «نبى معترف به» و«نبى موحى». ووفقًا للعقيدة الدرزية، فقد سمح «يثرون» لموسى بأن يتزوج «صفورة»، ابنته، بعد أن ساعد فى إنقاذ بناته وقطعانهن من الرعاة، ولذا فإن بعض القادة الدروز البارزين، ومن بينهم أمل نصرالدين، وهو شيخ درزى بارز، يرون أن هذا يجعل الدروز مرتبطين باليهود عن طريق الزواج. وقد استخدم هذا الرأى كمثال على العلاقة الخاصة بين اليهود الإسرائيليين والدروز، ويعد واحدًا من أسباب وقوف عدد كبير من الدروز فى فلسطين إلى جانب القوات اليهودية فى حرب عام ١٩٤٨. ورغم أن العقيدة الدرزية تطورت فى الأصل من «الإسماعيلية» إلا أنهم لا يعرفون أنفسهم كمسلمين، ويقول بعضهم إن ذلك يأتى لأسباب سياسية بحتة، حفاظًا على دينهم وسلامتهم، وتجنبًا لأى خلاف مع المسلمين.