عاجل.. «الدستور» تعيد فتح قضية «الطلاق الشفهى»: لا تظلموا المرأة باسم الشرع أو القانون

أزمة أبناء الفنان محمود عبدالعزيز مع أرملته بوسى شلبى فجرت الملف مجددًاتُعيد أزمة أبناء الفنان الراحل محمود عبدالعزيز مع أرملته، الإعلامية بوسى شلبى، تسليط الضوء على قضية الطلاق الشفهى، التى لا تزال مثار جدل واسع فى المجتمع.وعلى الرغم من التغيرات الاجتماعية والاقتصادية الكبيرة، لا يزال الطلاق الشفهى أو الشفوى يحدث دون أى توثيق رسمى، ما يترك آلاف النساء عالقات فى حالة من الضياع القانونى والاجتماعى والمادى أيضًا.وقبل سنوات، دعا الرئيس عبدالفتاح السيسى إلى ضرورة توثيق الطلاق لمنع وقوعه إلا بإجراءات رسمية، مؤكدًا الحاجة إلى اجتهادات تشريعية تلائم العصر، إلا أن هذه الدعوة اصطدمت بمقاومة بعض التيارات التى لا تزال تتمسك بالموروث التقليدى. وبينما يتعاظم الجدل حول المسألة، تتزايد معاناة النساء اللاتى يجدن أنفسهن مطلقات دون أى سند قانونى أو ورقى، إما بسبب الطلاق الغيابى، أو لأنهن ببساطة لم يُخبَرن بأنهن قد طُلقن. «الدستور» تعيد فتح هذا الملف الشائك، متحدثة إلى عدد من البرلمانيين والمستشارين القانونيين والحقوقيين، لتشخيص المشكلة ووضع أسس لعلاجها.
برلمانيون: يهدر الحقوق المادية للمرأة.. ولا حل إلا بالتوثيق فى المحكمة
أكد برلمانيون أهمية توثيق الطلاق الشفهى لضمان حقوق المرأة، سواء كانت مادية أو معنوية، مشيرين إلى أن توثيق الزواج يجب أن يواكبه توثيق الطلاق نظرًا لتبعاته القانونية والاجتماعية. وكشفت أمل سلامة، عضو مجلس النواب، عن تقدمها سابقًا بمشروع قانون لتوثيق الطلاق الشفهى بهدف حماية حقوق الزوجة، مشددةً على ضرورة توثيق الطلاق الغيابى، وإثبات آثاره القانونية من خلال المحكمة، لضمان إخطار الزوجة رسميًا بحدوث الطلاق.وأوضحت أن التعديل القانونى المقترح يسعى للحد من ظاهرة الطلاق الغيابى، الذى يترك الزوجة دون علم، ما يؤثر سلبًا على حياتها الاجتماعية والمادية، محذرة من وجود إمكانية لاسترجاع الزوج زوجته دون علمها، وهو ما اعتبرته مرفوضًا شرعًا، ويستدعى ضرورة توثيق الطلاق رسميًا عبر المحكمة.وأضافت: «الطلاق الشفهى والغيابى قد يؤديان إلى إشكاليات قانونية، حيث لا يمكن التراجع عن الطلاق الشفهى، بينما قد يُنفذ الطلاق الغيابى دون دليل واضح، ما يترك الزوجة غير مدركة لوضعها القانونى»، مشددة على أن «الاعتراف بالطلاق الغيابى يجب أن يكون مشروطًا بإثباته أمام المحكمة، وإخطار الزوجة رسميًا، وإلا فلن يُعتد به قانونًا ولن تترتب عليه أى آثار قانونية».واختتمت بتأكيد أن «توثيق الطلاق يسهم فى ضمان حقوق الزوجة، ويمكنها من ترتيب أوضاعها الشخصية والمالية. كما يلزم الزوج بالوفاء بالتزاماته المالية، مثل إيداع النفقة المؤقتة، ويحمى المرأة من أى ضرر اجتماعى قد ينتج عن الطلاق المفاجئ دون علمها».وأكدت نشوى الديب، عضو مجلس النواب، أهمية توثيق الطلاق، وعدم الاعتداد بالطلاق الشفهى إلا إذا تم تسجيله وإعلام الزوجة به، خاصة أن الطلاق الشفهى لا يترتب عليه أى آثار قانونية إلا بتوثيقه رسميًا. ونبهت إلى موقف الخليفة عمر بن الخطاب رضى الله عنه، الذى لاحظ انتشار الطلاق نتيجة اعتياد الرجال على التلفظ به، فقرر اعتبار الثلاث طلقات فى الموقف الواحد طلقة واحدة، ما أسهم فى الحد من الطلاق فى عصره.وأشارت إلى الحاجة المُلحة لوضع حلول لمشكلة الطلاق الشفهى، فى إطار ضبط الأوضاع القانونية والاجتماعية، لافتة إلى قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «أنتم أعلم بأمور دنياكم»، ما يعكس أهمية التكيف مع المتغيرات المجتمعية.وكشفت عن أنها سبق وتقدمت بمشروع قانون لتوثيق الطلاق الشفهى، بسبب تفاقم هذه الظاهرة فى المجتمع، معتبرة أن التوثيق ضرورة فرضتها الظروف الراهنة، إذ لا بد من النظر إلى القضية فى ضوء التطورات الاجتماعية.وأضافت: «الطلاق الغيابى ينبغى ألا يترتب عليه أى آثار قانونية إلا بعد إعلام الزوجة رسميًا، والزوجة تحتفظ بحقها فى الميراث إذا توفى زوجها دون إخطارها بوقوع الطلاق».وأكدت سولاف درويش، وكيل لجنة القوى العاملة بمجلس النواب، أهمية توثيق الطلاق لضمان حقوق الزوجة القانونية والاجتماعية، خاصة أن الطلاق تترتب عليه أوضاع قانونية تمنح المرأة الحق فى الحصول على معاش الأب أو الدعم الحكومى للمطلقات، لكن حال عدم توثيقه، قد تتعرض المرأة للضرر وتواجه صعوبات مالية لعدم وجود مصدر دخل.وشددت على ضرورة أن يُعامل الطلاق بنفس أهمية توثيق الزواج، إذ لا يجوز أن تُترك الزوجة مطلقة فعليًا دون حقوق واضحة، مؤكدةً أن لها الحق فى اختيار شكل حياتها بعد الطلاق وفقًا للوضع القانونى الموثق.
محامون: إنهاء العلاقة غيابيًا كارثة قد توقع المرأة فى الزنا دون علم
وصفت المحامية دينا المقدم، عضو تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين، الطلاق الشفهى والغيابى وعدم توثيقهما بأنه «كارثة»، قد توقع المرأة فى الزنا دون علمها، وتضر بحقوقها الشرعية والقانونية، مشيرة إلى أن «الطلاق الغيابى هو إجراء قانونى يسمح للزوج بإنهاء عقد الزواج دون حضور الزوجة، ما يعنى أنه أداة قد تُستخدم للإضرار بالزوجة».وأضافت عضو «تنسيقية الشباب»: «الطلاق الغيابى يتم بحضور الزوج فقط أمام المأذون الشرعى، دون حضور الزوجة، حيث يقر الزوج بأنه طلق زوجته غيابيًا بحضور شاهدين، وهو يُعتبر صحيحًا شرعًا وقانونًا بمجرد صدوره، حتى لو لم تعلم الزوجة به»، متسائلة: «كيف يشترط المشرع والشرع حضور الزوجة أثناء عقد الزواج لصحة العقد، ثم يعطى الزوج رخصة التطليق منفردًا؟!».وواصلت: «الزوج قد يستخدم رخصته فى الطلاق الغيابى دون علم زوجته، ثم يعاشرها جنسيًا، ويُعد ذلك اغتصابًا، ويحق للزوجة هنا المطالبة بتعويض مادى وعقوبة جنائية للزوج»، مشددة على أنه «من حق الزوجة، إذا توفى الزوج قبل إعلانها بالطلاق، أن تحتفظ بحقها فى الميراث».وأكملت: «لكن هناك أزمة شرعية وأخلاقية تواجه مسألة الطلاق الغيابى، لأن الزوجة قد تكتشف الأمر بعد سنوات، خاصة إذا استمر الزوج فى العيش معها كزوجة شرعية»، لافتة إلى أن «العقوبة القانونية للزوج فى هذه الحالات تكون على التزوير، وبها يُعاقب الزوج بالحبس حتى ٦ أشهر أو غرامة، إذا قدم بيانات كاذبة عن عنوان الزوجة».وحذرت دينا المقدم من استغلال البعض لتلك الثغرات، متسائلة: «لماذا تقف هيئة كبار العلماء أمام فكرة عدم الاعتداد بالطلاق الشفهى، وتأكيدها أنها مخالفة للإجماع، فعن أى إجماع نتحدث هنا؟ إن كان المقصود هو إجماع الأئمة فهم أنفسهم قد اختلفوا، لذا علينا الانتباه لمصلحة الأسرة أولًا وأخيرًا ودائمًا، خاصة أن عدم توثيق الطلاق الشفهى والسماح بالطلاق الغيابى قد يوقع الزوجة فى واقعة زنا».وقال شعبان سعيد، المحامى بالنقض، إن المشرع راعى فى قانون الأسرة الجديد ما أثير خلال الفترة الأخيرة حول مشكلة الطلاق الشفهى وصعوبة إثباته، لذا فإن المشرع فى القانون الجديد أراد أن يخفف عبء الإثبات على الزوجة، وراعى ضرورة تسجيل الطلاق الشفهى وأكد عليه، لأن عدم التوثيق يجعل الزوجة ملزمة باللجوء للقضاء والاستعانة بشهود لإثبات حدوث الطلاق بطريقة رسمية.وأضاف «سعيد»: «الأزمة تحدث فى حالة الطلاق الرسمى، ثم رد الزوج لزوجته فى فترة العدة، وهذا ما حدث فى الأزمة التى أثيرت مؤخرًا (بوسى شلبى)، فقد كان الطلاق بوثيقة قانونية، لكن المراجعة لم تكن مثبتة بورقة رسمية، علمًا بأنه إذا انقضت العدة دون مراجعة الزوجة رسميًا يكون الزواج بعقد جديد ومهر وشروط جديدة».وواصل: «من الواضح أن ذلك لم يحدث فى تلك الأزمة، لأن ما حدث هنا أن الزوج طلق الزوجة وراجعها أمام الناس، وهذا هو العرف والمشاهدة أمام المجتمع، فهى زوجة شرعية، وكان هذا هو السائد قديمًا قبل التوثيق ووجود الحكومات وأنظمة ألزمت الناس بإثبات الزواج بطريقة شرعية مكتوبة، وكذلك الطلاق».وأكمل المحامى بالنقض: «عندما نقول إن شخصًا ما طلق زوجته فيجب أن نوضح كيف طلقها، فهل طلقها بإلقاء اليمين عليها أم طلقها بورقة رسمية؟ فى الحالة الأولى إذا طلقها بورقة رسمية فيجب أن يردها بورقة رسمية، أما إذا طلقها بإلقاء اليمين فقط دون إثباته، فإنه هنا يرجعها بردها إلى عصمته دون ورقة رسمية».وتابع: «ما حدث فى الأزمة الأخيرة هو أنها علاقة شرعية، لكن لا يترتب عليها الميراث، لأنها لا تحمل ورقة رسمية بذلك»، مؤكدًا وجوب توثيق الطلاق الشفوى الذى يقع بين الزوجين، حتى لا تحدث خلافات، وحتى لا يصطدم الأمر مع الشرع.
حقوقيون: التوثيق يضمن الحقوق الشرعية والقانونية لجميع الأطراف
طالبت الدكتورة منال العبسى، رئيس «الجمعية العمومية لنساء مصر»، بالإسراع فى اتخاذ خطوات حاسمة نحو تجريم وعدم الاعتداد بالطلاق الشفهى إلا بعد توثيقه قضائيًا، معتبرة أن هذه الخطوة باتت ضرورة مجتمعية مُلحّة لحماية المرأة والأسرة من التفكك والضياع، وضمان حفظ الحقوق الشرعية والقانونية لجميع الأطراف.وأضافت د. «منال» لـ«الدستور»: «استمرار الاعتراف بالطلاق الشفهى دون توثيق رسمى يُعد أحد الأسباب الرئيسية فى تفاقم معدلات الطلاق غير المعلنة، وما يترتب عليها من مشكلات اجتماعية ونفسية للأسرة، خاصة على النساء والأطفال، فضلًا عن صعوبة إثباته قانونًا، ما يعوق حصول المرأة على حقوقها الكاملة من نفقة أو حضانة أو إثبات الطلاق».وشددت على أن «التوثيق القضائى لا يُعد انتقاصًا من أحكام الشريعة الإسلامية، بل هو ضمان لتنفيذها وضبطها فى إطار من المسئولية والتأنى، بما يتفق مع مقاصد الدين فى صون الأسرة واستقرار المجتمع».واختتمت تصريحاتها بدعوة الجهات المعنية، وعلى رأسها مجلس النواب ومشيخة الأزهر ووزارة العدل، إلى فتح حوار مجتمعى موسع حول آليات تنظيم وتوثيق الطلاق، والعمل على تعديل التشريعات بما يكفل كرامة المرأة ويحمى كيان الأسرة من التفكك والانهيار.وطالبت مؤسسة «القاهرة للتنمية والقانون» بسرعة إقرار قانون الأحوال الشخصية الجديد، فى ضوء الاتفاقيات والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان وحقوق النساء والفتيات التى وقعت عليها مصر، مع ضرورة أن يكون القانون قائمًا على أسس العدالة والإنصاف لكل أفراد الأسرة، ومراعاة المصلحة الفضلى للطفل.ونبهت المؤسسة إلى أهمية طرح مشروع القانون للحوار المجتمعى بمشاركة أطياف المجتمع كافة، مشيرة إلى ضرورة إشراك المنظمات النسوية التى تعمل على قوانين الأحوال الشخصية، والمتضررات والمتضررين من قوانين الأحوال الشخصية الحالية، فى هذا الحوار المجتمعى، من خلال جلسات للاستماع إلى آرائهم، بما يضمن خروج القانون الجديد بحلول فعالة للإشكاليات الحالية.يترك آلاف النساء عالقات فى حالةمن الضياع القانونى والاجتماعى والمادىتوافر إمكانية استرجاع الزوج لزوجته دون علمها مخالف للشرعلا آثار قانونية تترتب عليه فى عدم إثباته أمام المحكمة وإخطار الزوجة رسميًاتوثيقه ليس انتقاصًا من الشريعة بل ضمان لتنفيذها وضبطها فى إطار من المسئولية
أمين الفتوى: الطلاق يقع بمجرد التلفظ به ما دام مستوفيًا الشروط
قال الدكتور أحمد ممدوح، أمين الفتوى بدار الإفتاء، إن الطلاق الصادر شفهيًا يُعتبر نافذًا إذا ثبت توافر أركانه وشروطه، عقب التحقق من الملابسات المحيطة به، لافتًا إلى أن هذا هو المذهب المعتمد لدى دار الإفتاء وهيئة كبار العلماء واللجان الفقهية فى الأزهر الشريف.وأضاف «ممدوح»: «الخلط الشائع بين الإنشاء والتوثيق هو السبب فى الجدل المجتمعى حول مشروعية الطلاق الشفهى»، مُبينًا أن «الإنشاء» يعنى وقوع الفعل ذاته، بينما «التوثيق» يهدف فقط إلى إثبات ما تم بالفعل.وواصل أمين الفتوى: «كما الدَين يثبت بمجرد الاقتراض دون الحاجة إلى كتابة، يقع الطلاق بمجرد التلفظ به، ما دام مستوفيًا لشروطه»، متابعًا: «عقد الزواج، على سبيل المثال، يتم باللفظ بين الولى والزوج دون الحاجة للتوثيق الفورى، وما يقوم به المأذون لاحقًا لا يعدو كونه إجراءً إثباتيًا».وأكمل: «نفس المنطق يُطبق فى حالات الطلاق، فإن تحققت فيه الأركان، وتم استجواب الزوج ومراجعة الواقعة، يصبح الطلاق قائمًا فعليًا، ويُنصح بتوثيقه رسميًا»، مختتمًا بقوله: «اشتراط الرسمية فى إنهاء الزواج بدعوى أن العقد ابتدأ رسميًا، هو استدلال خاطئ، فالعقود فى أصلها تقوم على الإنشاء بين الطرفين، والرسمية ليست سوى وسيلة لتوثيقه».
«الأحوال الشخصية الجديد»: معاقبة الزوج جنائيًا حال عدم التوثيق خلال 15 يومًا
يتضمن مشروع قانون الأحوال الشخصية الذى أعدته وزارة العدل ٣٥٥ مادة مُقسمة إلى ٣ أقسام، منها ١٧٥ مادة خاصة بـ«الولاية على النفس»، و٨٩ مادة متعلقة بـ«الولاية على المال»، و٩١ مادة خاصة بـ«الإجراءات».ونظم مشروع القانون جميع المسائل المتعلقة بالخطوبة والعدول عنها، إلى جانب الزواج، وفى حالة حدوث الطلاق والرؤية والنفقة، وغيرها من المسائل الشخصية، مستندة فى ذلك إلى العديد من الآراء والمقترحات، وأحكام محكمتى النقض والدستورية العليا، فضلًا عن الاطلاع على القضايا المتعلقة بالأسرة.وتضمن مشروع القانون عددًا من المواد الخاصة بتنظيم إجراءات الطلاق، ونص على أن «الطلاق الشفهى يقع. لكن لا يترتب عليه أى التزامات على الزوجة إلا من تاريخ علمها به».وألزم مشروع القانون المأذون بإبلاغ الزوجة بالطلاق خلال ١٥ يومًا إذا ما طلقها زوجها غيابيًا. كما نص على أن «الزوج الذى لا يوثق طلاقه الشفهى بعد ١٥ يومًا من وقوعه يُعاقب جنائيًا، ولا يعتد بالطلاق أو آثاره من ناحية النفقة والميراث، فإذا توفى الزوج ولم يعلنها بالطلاق ترثه».