إبداع وتعاون متجدد.. تاريخ العلاقات الثقافية بين مصر وفرنسا

في مشهد يعكس عمق العلاقات الثقافية بين مصر وفرنسا؛ اصطحب الدكتور أحمد فؤاد هنو، وزير الثقافة ، نظيرته الفرنسية رشيدة داتي، في جولة داخل الجناح المصري المشارك في الدورة التاسعة عشرة من بينالي فينيسيا الدولي للعمارة، والتي جاءت عقب مشاركتهما في مراسم افتتاح البينالي بمدينة فينيسيا الإيطالية، حيث استمع الوزيران إلى شرح تفصيلي عن مضمون الجناح المصري، الذي يعكس رؤية معمارية مصرية معاصرة تتقاطع مع قضايا البينالي لهذا العام.وأشادت وزيرة الثقافة الفرنسية بمستوى الطرح المعماري والفكري للجناح المصري، مؤكدةً على دوره في تعزيز الحوار الحضاري، وشددت على أهمية التبادل الثقافي بين البلدين، فيما أكد وزير الثقافة المصري أن مشاركة مصر في المحافل الدولية تمثل نافذة فنية تعكس ملامح الهوية المصرية في سياق عالمي، وتدعم مسيرة التعاون الثقافي بين القاهرة وباريس.
وخلال السطور التالية؛ يستعرض “الدستور” تاريخ العلاقات الثقافية بين مصر وفرنسا..
العلاقات الثقافية بين مصر وفرنسا
هذا اللقاء يعيد إلى الواجهة تاريخًا طويلًا من العلاقات الثقافية بين البلدين، بدأ منذ الحملة الفرنسية على مصر (1798)، لكنه تحول مع الزمن إلى شراكة معرفية وثقافية أسهمت في تشكيل ملامح الحداثة المصرية، خاصة في عهد محمد علي، الذي استقدم الخبرات الفرنسية لتأسيس مؤسسات الدولة الحديثة، بما في ذلك المؤسسات التعليمية والفنية.وتجلّى التأثير الفرنسي في مصر عبر قرون، سواء من خلال بعثات التنقيب الأثري التي لعبت دورًا رائدًا في كشف الحضارة المصرية القديمة، أو من خلال الحضور الثقافي الفرنسي النشط متمثلًا في المعهد الفرنسي للآثار الشرقية، ومركز الدراسات السكندرية، والمركز الفرنسي-المصري لدراسة معابد الكرنك، واليوم، تتواجد أكثر من 40 بعثة أثرية فرنسية في مصر، أبرزها في سقارة والرامسيوم، تؤكد الحضور الفرنسي الدائم في مجال علم الآثار.ولا يقتصر التعاون على الآثار، بل يمتد إلى التعليم والثقافة، حيث تنتشر المدارس الفرنسية في مصر، إلى جانب فروع المعهد الفرنسي في القاهرة والإسكندرية ومصر الجديدة، الذي يُعد أحد أبرز جسور التبادل الحضاري، ويحتضن مئات الأنشطة الثقافية سنويًا، كذلك يدرس آلاف الطلاب المصريين اللغة والثقافة الفرنسية، سواء في الجامعات أو ضمن برامج التبادل العلمي، ويوجد أكثر من 2000 طالب مصري في فرنسا حاليًا.وفي مجال البحث العلمي، وقع الجانبان عدة اتفاقيات مهمة، أبرزها اتفاقية عام 2014 لدعم الباحثين المصريين بتمويل فرنسي مشترك، إلى جانب التعاون في مجالات المياه والتنمية المستدامة، والتوسع في دعم البحوث في العلوم الإنسانية والاجتماعية عبر مؤسسات بحثية مرموقة مثل معهد البحوث بشأن التنمية ومركز الدراسات والوثائق الاقتصادية والاجتماعية في القاهرة.ويبرز التعاون كذلك في مجال التراث، حيث لعبت فرنسا دورًا بارزًا في إنقاذ معابد النوبة، من خلال جهود وزراء ومفكرين مثل أندريه مالرو وكريستيان ديروش نوبلكور، وهو ما تُوّج بتدخل “اليونسكو” لتنفيذ أضخم حملة إنقاذ آثار في التاريخ.ويُعد معهد العالم العربي في باريس أحد الرموز الحديثة للتعاون الثقافي بين مصر وفرنسا، إذ يُمثل نافذة العرب في قلب أوروبا، ويستضيف فعاليات مصرية دورية تعكس الإبداع المصري في الآداب والفنون والتراث.مبادرات مشتركة بين مصر وفرنساوعلى صعيد المبادرات الكبرى، اتفقت مصر وفرنسا خلال لقاء الرئيس عبد الفتاح السيسي بوزير الخارجية الفرنسي في 2018، على تدشين شراكات ثقافية جديدة، خاصة في المشروعات القومية مثل مدينة الفنون والثقافة بالعاصمة الإدارية الجديدة، والمتحف المصري الكبير، ومتحف الحضارة، وهي مشروعات يُنتظر أن تعزز من الحضور الثقافي المصري عالميًا.هكذا، تمضي العلاقات الثقافية بين القاهرة وباريس في مسارها الطبيعي الممتد عبر الزمن، من التأثير الفكري المتبادل، إلى المشروعات الثقافية المشتركة، بما يعكس إيمان البلدين العريقين بقيمة الثقافة كجسر للحوار والسلام.