هل تطور التكنولوجيا العصبية يرفع سقف انتهاكات حقوق الإنسان؟

هل تطور التكنولوجيا العصبية يرفع سقف انتهاكات حقوق الإنسان؟

يمكن تعريف التكنولوجيا العصبية على أنها محاولات البشر المذهلة لربط العقول البشرية بالآلات وأجهزة الكمبيوتر بهدف تفسير واستنتاج وتعديل المعلومات المتولدة عن أي جزء من الجهاز العصبي للإنسان بهدف تطوير علاجات للمرض العقلي وعلاج بعض الإمراض التي تنتج عن إعاقات عصبية في المخ تؤدي إلي حدوث إعاقات جسدية مثل الشلل وفقدان النطق والسمع وتعد هذه التكنولوجيا العصبية تكنولوجيا ثورية تحمل الكثير من الوعود الغير مسبوقة للبشرية للتحسين من جودة الحياة من خلال المساهمة في إيجاد حلول جذرية للتحديات المرضية العصبية التي تصيب الإنسان ومن الصعب علاجها بالطرق العلاجية التقليدية مثل التدخل الدوائيوبرغم أن الدراسات على التكنولوجيا العصبية حديثة بعض الشي إلا أنها ساهمت بشكل كبير في علاج بعض الحالات المرضية من خلال زرع أقطاب كهربائية دقيقة مباشرة داخل الدماغ ساهمت بشكل كبير تحسين أداء مراكز الإحساس في المخ الأمر الذي ساهم بشكل كبير في تعديل النشاط العصبي أدي إلي تحسين قدرات الأشخاص المصابين بأمراض عصبية مثل الصرع ومرض باركنسون والشلل ويمنحهم القدرة على التحكم في الهواتف وأجهزة الكمبيوتر والأطراف الصناعية وأيضا تحسين الشعور بالبرودة والحرارة  وحاسة اللمس للأشخاص الذين يعانون من فقدان جزئي لأطرافهم  . في عام 2017، استخدم رودريجو هوبنر مينديزMendes  Rodrigo Hubner، وهو مصاب بشلل نصفي، التكنولوجيا العصبية لقيادة سيارة سباق بعقله.ومع ذلك لا تزال التكنولوجيا العصبية في بداية رحلتها كجزء هام من هام من مراحل تطور الذكاء الاصطناعي ولأنها أصبحت أكثر شيوعا في الآونة الأخيرة كان لابد في التفكير في المخاطر المحتملة لإنتهاك حقوق الإنسان وخصوصية الأفراد وتقييم مدي خطورة هذه التكنولوجيا على استقلالية الأفراد واستخدامها لخدمة مصالح  حكومات وشركات وكيانات تجارية  تساهم في تحقيق مكاسب سياسية وتجارية من خلال سوء استخدام هذه التكنولوجيا من خلال التأثير على القرارات الشخصية والسلوكيات والأيديولوجيات مما يضعف من الاستقلالية الشخصية والسلامة العقلية لمن يستخدم هذه التكنولوجيا  و يضعف من القدرة على تشكيل الآراء والمشاعر مما يثير مخاوف أخلاقية عميقة ويقود المبدأ الأساسي للإرادة الحرة وسرقة الهوية للأفراد من خلال السماح للتحكم في الوظائف العصبية للأفراد عن بعد هو ما يعد انتهاك صارخ وخطير للضوابط والقوانين الدولية التي تحمي حقوق الإنسان واستقلال الأفراد خاصة في المجتمعات الفقيرة التي سوف تكون أكثر عرضة للمخاطر الناتجة عن هذه التكنولوجيا من خلال استخدام القوة المالية من الشركات التجارية الكبري لتحقيق مكاسب مادية مع عدم وجود نظام حماية قوي في هذه الدول لحماية الأفراد من مخاطر هذه التكنولوجيا التي يمكن أن تسيطر على شعوب بأكملها عن بعد من خلال التأثير على النشاط العصبي للأفراد  وتعديل خصائص المخ العصبية والتحكم في قراراتهم وإنفعالتهم لتحقيق مكاسب تجارية وسياسيةونتيجة لخطورة تطور هذه التكنولوجيا وسوء استخدامها على الأفراد والمجتمعات  من جانب بعض الشركات التي تطور هذه التكنولوجيا بشكل سريع وبهدف تحقيق أرباح من خلال بيعها للدول الكبري  لاستخدامها  في النزاعات  السياسية والاقتصادية بينهم تحرك المجتمع الدولي متمثلا في البرامج والهيئات التابعة للأمم المتحدة وعلى رأسها المجلس الدولي لحقوق الإنسان من خلال تعيين المقررة الخاصة آنا نوغريس لوضع خطوط عريضة لقانون للحد من المخاطر الغير مسبوقة لتطور وانتشار التكنولوجيا العصبية وتأثيرها الخطير على الحق في الخصوصية والتي أكدت في كلمتها في الدورة ٥٨ لمجلس حقوق الإنسان في مارس الماضي على ضرورة إرساء حزمة جديدة من الضوابط  الحقوقية تهدف إلى حماية كرامة الأفراد واستقلاليتهم في مواجهة هذه التقنيات الناشئة بما في ذلك حمايتهم من الوصول غير المصرح به إلي البيانات العصبية للإفراد وحماية سلامة الذات المعرفية والعاطفية وضمان تحكم الأفراد الكامل في أفكارهم وقراراتهم ووضع قانون قوي يمنع الشركات والحكومات من تطوير التقنيات العصبية بشكل عشوائي مع ضمان إدراج جميع الإفراد تحت مظلة الحماية القانونية بغض النظر عن الوضع الاجتماعي والاقتصادي أو اللون أو العرق أو الدين أو الانتماء السياسي والأيديولوجيمما لا شك فيه أن تنظيم التقنيات العصبية ليس مجرد ضرورة قانونية بل ضرورة أدبية وأخلاقية تحتاج أن يتحرك المجتمع الدولي بمختلف توجهاته السياسية والاجتماعية والثقافية  بدون اي استثناءات لوضع ضمانات تسمح باستخدام هذه التقنيات القوية لخدمة البشرية بدلا من استغلالها وبينما نقف على مفترق طرق الابتكار العلمي وحماية حقوق الإنسان يجب أن نضع آليات وضوابط صارمة تضمن السير قدما في مسارا يحمي الكرامة والحرية والاستقلالية كأحد أهم مكتسبات الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر في ١٠ أكتوبر ١٩٤٨ الذي أكد على حتمية حماية الحقوق الأساسية للبشر سواء دون أي تمييزمع التطور المذهل الذي يحدث في هذا المجال وظهور شركات تطور برامج يستخدم في الذكاء الاصطناعي يمكن للمواطن العادي أن يستخدمها وبعض من هذا البرامج  والتطبيقات متاحة استخدامها على الهواتف المحمولة الذكية ولها خطورة كبيرة جدا على الأمن العصبي والنفسي للأفراد أصبح من الضرورة وضع آليات تقييم ومراقبة لمدي خطورة هذه البرامج والتطبيقات مع استحداث آليات لمنع استخدامها حافظا على الأمن والسلم والاجتماعي خاصة بين الفئات العمرية الصغيرة الأكثر استهدافًا وهو ما يعد تحقيق وترسيخ حقيقي لفكرة حقوق الإنسانالجدير بالذكر أن الحكومة المصرية من أوائل الحكومات في المنطقة التي تحركت للحماية من أخطار الذكاء الاصطناعي في عام 2021، أطلقت مصر “الاستراتيجية الوطنية للذكاء الاصطناعي” بالتعاون مع وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات. تهدف الاستراتيجية إلى تعزيز استخدام الذكاء الاصطناعي في المجالات الحيوية مثل التعليم والصحة، مع ضمان تنظيمه بشكل فعال من خلال وضع قوانين لحماية البيانات الشخصية تلعب دورا هاما في تنظيم الذكاء الاصطناعي ينص على فرض غرامات صارمة على منتهكي الخصوصية سواء كانوا أفراد أو شركات كما وقَّعت مصر عدة اتفاقيات تعاون مع دول مثل فرنسا وألمانيا لتعزيز تبادل الخبرات في مجال تنظيم الذكاء الاصطناعي. كما تستضيف مصر فعاليات دولية مثل “قمة الذكاء الاصطناعي والابتكار”، التي تجمع خبراء ومشرعين لمناقشة أفضل الممارسات.أيمن نصري
رئيس المنتدى العربي الأوروبي لحقوق الإنسان بجنيف