ترامب ونتنياهو.. نهاية تحالف أم بداية مناورة؟

ترامب ونتنياهو.. نهاية تحالف أم بداية مناورة؟

 
من اللافت، وربما من المفارقات المثيرة، أن تُؤخذ على محمل الجد الشائعات التي تتحدث عن انقلاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب على حليفه التقليدي، رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. ورغم وجود مؤشرات قد تُغذي هذا التصور، فإن المشهد السياسي الراهن أكثر تعقيدًا وتشابكًا من أن يُختزل في علاقة شخصية بين الجانبين. فما يبدو ظاهريًا من تباعد بين الطرفين لا يعكس بالضرورة قطيعة حقيقية، بل قد يشير إلى تحوّل أعمق في تموضع الولايات المتحدة في المنطقة. فالعلاقات الدولية، ولا سيما في الشرق الأوسط، تُبنى على المصالح الاستراتيجية لا العواطف السياسية. وما يجري اليوم يندرج ضمن مراجعة شاملة للتحالفات التقليدية، تُعيد من خلالها واشنطن ترتيب أولوياتها الإقليمية في ضوء المتغيرات المتسارعة. وقد تزامنت هذه التحولات مع إشارات صادرة عن ترامب توحي بتراجع الدعم الشخصي لنتنياهو، ما فتح باب التكهنات حول وجود تحول جذري في موقفه تجاه إسرائيل. غير أن السؤال الأكثر عمقًا يتمثل في ما إذا كانت هذه التحركات تعكس فعلًا بداية لتقليص الدعم الأميركي غير المشروط للدولة العبرية، أم أنها لا تتعدى كونها مناورة سياسية محسوبة لإعادة توزيع النفوذ والأدوار في المنطقة. توقيت هذه الإشارات يثير هو الآخر تساؤلات إضافية، خاصة مع اقتراب زيارة ترامب المرتقبة إلى عدد من الدول العربية، وفي مقدمتها السعودية والإمارات وقطر. فهل يراد من هذه التسريبات تهيئة المناخ الإقليمي لصيغة جديدة من الشراكات؟ خصوصًا أن نتنياهو، الذي لم يتردد سابقًا في انتقاد إدارة بايدن علنًا، التزم الصمت حيال تحركات ترامب، وهو ما قد يشير إلى إدراكه لحساسية اللحظة السياسية. وفي هذا السياق، كشفت تقارير تحليلية في يناير 2025 عن ضغوط غير مسبوقة مارستها إدارة ترامب على نتنياهو لدفعه نحو توقيع اتفاق تهدئة مع الفصائل الفلسطينية في غزة. بل ذهبت بعض التسريبات إلى الحديث عن تدخل مباشر من ترامب في مسار التفاوض، في ما بدا محاولة أميركية لإعادة توجيه دفة السياسة الإسرائيلية في التعامل مع الملف الفلسطيني. وفي السياق ذاته، نقلت صحيفة هآرتس الإسرائيلية عن الكاتب إران ياشيف وصفه لنتنياهو بأنه “عبء سياسي مكلف”، في تعبير يعكس على الأرجح تحولًا في المزاج الأميركي تجاه استمرار الرهان على نتنياهو، لا سيما مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية وسعي ترامب إلى توسيع قاعدته الانتخابية داخليًا، وكسب أوراق تفاوضية خارجية. ورغم ما يظهر من فتور في العلاقة، لا يمكن الجزم بحدوث قطيعة حقيقية بين الطرفين. فترامب يُعرف بقدرته على توظيف المناورات السياسية في خدمة أهدافه الاستراتيجية، وقد يكون هذا التباعد المعلن جزءًا من خطة أوسع لإعادة رسم ملامح الدور الأميركي في الشرق الأوسط، خصوصًا إذا ما رُبط بمشاريع كبرى مثل “ريفييرا الشرق”، التي يُعتقد أنها تهدف إلى دمج إسرائيل ضمن الإطار العربي سياسيًا واقتصاديًا. ومن غير المرجح أن يمتد هذا التوتر مع نتنياهو ليصل إلى حد المساس بالدعم الأميركي لإسرائيل كدولة، إذ إن ترامب، ببراغماتيته السياسية، يدرك أن هذا الدعم يمثل حجر الزاوية في العلاقات الأميركية الشرق أوسطية، ويُعد ركيزة أساسية في حملاته الانتخابية. ما يسعى إليه على الأرجح هو إعادة تعريف طبيعة التحالفات داخل إسرائيل، دون المساس بالثوابت الاستراتيجية، في محاولة لتحقيق مكاسب مزدوجة: تعزيز نفوذه الإقليمي، وكسب الدعم الداخلي، من دون أن يُتهم بالتخلي عن إسرائيل. في المحصلة، فإن ما يجري بين ترامب ونتنياهو يتجاوز إطار الخلافات الشخصية، ويعكس ديناميات أعمق في السياسة الأميركية تجاه المنطقة. وقد تمثل هذه المرحلة بداية لإعادة تشكيل خريطة التحالفات التقليدية، أو ربما مجرد مناورة محسوبة لتحسين شروط التفاوض مع الفاعلين الإقليميين. لكن المؤكد أن المشهد لا يزال مفتوحًا على مفاجآت عديدة، وأن دعم واشنطن لإسرائيل، رغم ما يعتريه من توتر، سيظل عنصرًا ثابتًا في معادلة السياسة الخارجية الأميركية.